حسن العاشور
Wednesday, 05 March 2008


ينبغي ان يكون الكلام عن التيارات التي تتوالى مرافقة للتحولات السياسية كلاما مفيدا ومستقلا عن الترويج لاي اتجاه، بما في ذلك التيار الذي ينضجه الدكتور ابراهيم الجعفري، وهو تيار يمثل الانموذج او احد المصاديق المراقفة لهذه المرحلة السياسية،


اذ ليس ثمة ما لايقلق من هذه الحركة التيارية التي ترسم معالم المرحلة العراقية المتكونة على وفق مفاهيم جديدة، ومغايرة تماما لما كان سائدا ايام الدكتاتورية، فالعراق الجديد يتشكل يوما فيوما من خلال حركة سياسية قد تمثل في بعض مواقعها اطارا لتحرك فكري، قد يكون بعض وظيفته وضع ملامح جديدة لتنظيمات وحركات قديمة، ولكن هذا لا يعني ان تلك الحركة تجيء كمحاولة لتسويغ او تسويق الكيانات السياسية التاريخية على صعيد الواقع المعاصر، وانما هو محاولة لايجاد جوهرية ضرورية بين الكيانات وبين الواقع الذي تتحرك على صعيده، وما اقصده بالجوهرية هنا هو ان احتدام الحراك السياسي على صعيد العراق المعاصر قد يبثق اطرا تتجاوز بعض ما تستصحبه الحركة السياسية العراقية عموما، وقد تكون مفردة الاستصحاب مخففة، فاقول انه بثق اطرا تتجاوز الواقع التاريخي لتلك الاحزاب، بل وتتجاوز الانماط التفكيرية والاليات الحركية لها، باعتبارها حركة سياسية تشكلت على وفق معطيات الحقبة السياسية المعارضة، والجوهرية هو ان تكون العلاقة فاعلة بين تلك الحركات وبين الواقع، ومن ثم ينبغي بها ان تكون ملائمة لمطيات الحقبة السياسية الحاكمة، اي حقبة تولي الحكم.

فهناك، وبدون ادنى شك، تيارات كبرى سوف تشكل المسارات الاساسية للحركة السياسية في العراق، وسوف يكون لهذ التيارات الكبرى القدرة على اجتذاب العديد من التيارات الصغرى، ومن هنا اجد ان الخطوط العامة للعراق فكريا وسياسيا ستتوضح تدريجيا، معبرة عن نفسها بحركية تجمع بين المحتوى الفكري والاطار السياسي، بما يتسق ومتطلبات المرحلة من جهة، والثوابت الفكرية من جهة اخرى، ولكن هناك عقبات تقف في وجه هذه الحركة التيارية منها ان التحولات السريعة التي تتمخض عن سعي سياسي كبير ينجح في رسم الاشكال، وهي اشكال سياسية في الاعم الاغلب، قد تكون لها تداعيات على صعيد المضمون، وهو مضمون فكري غالبا، وتوضيح ذلك هو ان الاستعدادت الجماهيرية قد لا تعبر عن ضرورات فكرية، بل قد تقود هذه الاستعدادات المتحولة بفعل التطلع العفوي الواسع الى حركة عارمة في طرح الاسئلة والحصول على الاجابات، ولكن بهامش واسع، قد يتجاوز كل حدود القبول، من الاخطاء الكفيلة بتوسيع الهوة بين الاشكال المرسومة والمضامين المتوخاة، وهذ امر مؤد حتما الى مشاكل خطيرة جدا تترتب عليها اخطر النتائج فقد تقود هذه التحولات الى ما يشبه الانتقائية التلفيقية غير القادرة على الاستمرار طويلا لانها راهنت على انجاز الشكل واهملت التناقضات الفكرية المشكلة للمضمون، ومن ثم فهي لم تحول المضمون الى اساس هش لحركة الشكل، من الممكن تجاوز اثار هشاشته ببعض الاجراءات الاحترازية، وانما جعلت منه قنبلة موقوته ستتفجر يوما لتطيح بالشكل، ومن ثم تخرج الحركة عن اي اطار ولا اظنن عاقل يقبل بهكذا نتيجة.

ولكن هذ لا يعني ان الحركة التيارية كلها تسير في اتجاه سلبي، ولا لكنا من دعاة الركون الى ما هو سائد من اطر متوارث بعضها من انظمة زائفة، ولكن المسلم به ان الامر ذو تداعيات يمكن ان تكون في حدود المتوقع المسيطر عليه اذا ما احكم بناؤها وحددت مسارتها.

وما يستوقفني، كمثل في هذا السياق، هو حزب الدعوة الاسلامية الذي شكل ويشكل اطارا حركيا للمضامين اسلامية، فهذ الحزب يمتد من الحركة الفكرية التي طبعت مرحلة التاسيس الى التيار السياسي الذي يطبع المرحلة المعاصرة لان كليهما، الفكر والسياسة، قد مثلا مرحلة من مراحله، فالمعروف انه قد بدا كحركة فكرية هدفت الى الحفاظ على الفكر الاسلامي تصونه من الوافد الغريب وتنقيه مما علق به من شوائب تعكر صفوه، وقد نجح في تحقيق معظم الاهداف التي سعى اليها، ودفع في سبيل ذلك اثمان باهظة، واما اليوم فحزب الدعوة هو تيار سياسي كبير يلعب دورا بارزا على صعيد الدولة العراقية المعاصرة، وبين حركة الدعوة الفكرية وتيارها السياسي هناك مساحة واسعة، تكتنز على قدر هائل من الفكر والحركة، ولكنها وللاسف الشديد، مساحة تكاد تكون تخلوا من الحركة ولا ادري ما هو السبب.

كان من المناسب جدا ان ياتي تحرك الدكتور ابراهيم الجعفري كتغطية لهذه المساحة الواسعة والخصبة في الوقت نفسه، ليفجر الطاقات الموجودة على صعيدها، وذلك لو انه جاء منسجما مع المشروع الذي يطرحه حزب الدعوة الاسلامية، او على الاقل منسجما مع تطلعات الدعاة الذين تربطهم بالسيد الجعفري اوثق علاقات الاخوة على الدرب الجهادي الطويل.

حقا ان تيار السيد الجعفري كان ضروريا لانه جهد كبير يهدف الى تغطية مساحات حيوية من اهتمامات الدعوة، فهو تيار كان من الممكن جدا، بل ومن الضروري، ان يولد ولادة طبيعية في رحم امه ـ الدعوة ـ مكانه المنطقي ليضيف اليها الكثير من الرصيد الحركي والغنى الفكري، ولكن اي ولادة لهذا التيار خارج مكانه المنطقي، هي وللاسف الشديد، ولادة غير طبيعية.