أطهر ضيف في بغداد
كتابات - علاء الزيدي
قليلة هي المرات التي شهدت فيها العاصمة العراقية بغداد وماارتبط بها من حواضر وبواد ٍ مثل هذا السجال الحالي ، حول زيارة أي ضيف خارجي . فكثيرا ً ما جاء " ضيوف كبار " غير مرغوب فيهم ولم يكترث بمجيئهم أحد أو يعبأ به . جاء الرئيس الأميركي جورج بوش خائفا ً يترقب وجاء رئيسا الوزراء البريطانيان السابق واللاحق ، وجاء من جاء ولم يأت من لم يشأ أن يأتي خوفا أو طمعا ، ومامن مهتم أو معني . الضيف الوحيد الذي اهتم به العراقيون والعالم ، سلبا ً أو إيجابا ً ، كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد
هذا الرجل قصير القامة عالي الهمة ، دفع بمجيئه أناسا إلى كشف أوراقهم وآخرين إلى كشف عوراتهم ، ومن هنا اختلفت زيارته عن زيارات الآخرين فالمعتدل الذي يحاول ألا يصطدم بأحد ، ولو اضطره الأمر إلى التزام التقية ، لم يجد بدا من نبذها جانبا للدفاع عن الحقيقة وإن استجلب لنفسه تهمة الصفوية ( الأستاذة ميادة العسكري مثالا ً ) والمتظاهرون طويلا بالموضوعية رغم حقيقتهم الفاشية أو البدائية لم يتريثوا أكثر مما تريثوا حتى الآن ، فكشف الله عما في نفوسهم من غل وعلى ألسنتهم من فحش ( الأمثلة كثيرة لاتستأهل الذكر ) وفي كلتا الحالتين ، أعاننا الرئيس أحمدي نجاد على تلمس طريقنا إلى معرفة الطريق ، بين كل هذه الأشواك والأدغال !
ومايهمنا حقا وسط هذا الضجيج ، هو أن زيارة أطهر رئيس ( فلم يزرنا حتى الآن سوى بوش وبلير وبراون وهوارد ورؤساء الجمهوريات الأوروبية الشرقية متعددة الأجناس ! ) تصب في مصلحة العراق في كل الأحوال . فإيران عمقنا الإقليمي ، وتركيا كذلك ومن مصلحتنا الصيرورة إلى بناء كيان إقليمي تسوده الثقة المتبادلة ويكون بديلا اضطراريا عن الكيان العرباوي الذي يصر على استبعادنا . ليس لنا إلا أن نرقص فرحا لزيارة الرئيس أحمدي نجاد ، وليس لنا إلا أن نحيطه بحفاوتنا ، وكذلك علينا أن نفعل مع الرئيس التركي عبد الله گول ورئيس وزرائه رجب طيب أردوان ، اللذين ينبغي أن يكونا عندنا في بغداد ، في أقرب فرصة
لإيران الشاهنشاهية والإسلامية على حد سواء الكثير من الأخطاء إزاء العراق ، لكنها أخطاء ، ولنا أخطاؤنا أيضا ، هذا إذا أريد لنا أن نعتبر عدوانات صدام المجرم لعنه الله من أخطائنا العراقية !ولو كان من يزورنا اليوم رفسنجاني مثلا ، لسببناه مثل السابين دون أن نخاف عقابا أو نخسر ثوابا ، لسجايا فيه خبرناها وسوء نوايا ترجمتها وقائع الحياة . لكن الزائر عفيف نظيف شريف ودود ، يتوحد منظره ومخبره حول الحق والعدل والخير ، ومن لايرى بالغربال عمىً يعميه !
مهما كانت معاناة البغداديين خلال يومي الزيارة ، فإن هذه الزيارة التاريخية تستحق التضحية . فهي اللبنة الأولى لذلك الكيان الإقليمي المنشود الذي أقترحه على المعنيين ، بيننا وبين إيران وتركيا ، البلدين الجارين والشقيقين الكبيرين ، اللذين يحسبان لنا الآن في كل خطوة يخطوانها ألف حساب وفق معايير المحبة والمودة لا الخوف أو الرجاء ، فيما لانرى من الإخوة الأعراب غير الجفاء والشماتة والبغض .
أنظروا إلى صبر تركيا على ماينالها من اعتداءات انطلاقا من أراضينا . وانظروا إلى حذرها الشديد من إيصالنا إلى حافة الغضب رغم حقها علينا ولدينا وانظروا إلى كظم إيران غيظها إزاء تهمنا المجانية فيما يربي بعضنا ثعابين " مجاهدي خلق " في حجره وجحره . وانظروا إلى هبة الأعراب العدنانية والقحطانية والسفيانية إزاء دماء بعض الفلسطينيين وصمتها إزاء دماء وأشلاء الملايين من ضحايانا ، وأحكموا مع من ينبغي أن نكون ، وعلى من !