مميزات نهج البلاغة/
د.رحيم الساعدي
كان صوت الإمام علي(ع) الوحيد الذي ارتفع بالموعظة البلاغية بعد الرخاء اثر الفتح وفساد الأخلاق والتنعم والكمال المادي دون المعنوي.
ويمكن القول ان أسلوبه في النهج وغيره يتسلسل بشكل منطقي وتتماسك الفكرة حتى تكون كل منها نتيجة طبيعية وعلة لما بعدها.

وفي الخطب إيجاز شديد بقوة متدافعة وحدة منفعلة وهي زاخرة بالاستعارات مع الاستئنافات الكثيرة، والتلويح بالأمثال الموجزة والتي بلغت اكثر من مائتي مثل في النهج.

ويمتاز النهج بالشمولية والبلاغة والهندسة البلاغية العامة ، وبأسلوب منطقي، ومثال ذلك انه توجد ثلاثة أنواع من الاثنينيات الشفعية تتواجد في كل النهج من الخطب والأوامر و الكتب والرسائل والحكم والمواعظ الأولى هي ثنائية تواجهية مثالها(نور لا نور)و(ظلام لا ظلام) والثانية هي الثنائية العكسية ومثالها(نور/ظلام-ولا نور لا ظلام) والثالثة الثنائية الترادفية بطريقة(نور لا ظلام-لا نور لا ظلام) وبعض من هذا يمكننا ان نراه مثلا في مقولة الامام علي (انزل الكتاب نورا لا تطفا مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره)) ويجب القول ان الجهد الهندسي المنطقي في النهج يجب ان يدرس بشكل مستقل ووافي.

ومن مميزات النهج الأخرى هو اتصافه بالخيال الواسع الأخاذ والعاطفة النبيلة والفكر والأسلوب الصادق غير المراقب او الخائف من المراقبة البلاغية أو العلمية وحتى التاريخية، والأسلوب يدل على صاحبه فنرى النهج يشتد ويلين حسب الموقف ويستخدم صاحب النهج( الأنا) بكثرة ولكنها في الموقع الصحيح وهي أنا واقعية متعقلة لا يمكن نقدها لأنها تحسن في سيرها البلاغة والتقسيم المنطقي واستخراج النتائج وتستخدم تركيبا دقيقا يعتمد الإيجاز مع الإطناب وبسجعات ضرورية فريدة لا يمكن اعتبارها حتى يومنا هذا او غدا نشازا في اللغة العربية.

ويستخدم الإمام علي أيضا المحسنات البديعة من جناس إلى طباق وبجرس موسيقي وإيقاع جميل متنوع ، وأسلوبه وألفاظه ثروة عربية ولهذه المقدرة قال الإمام (وانا لامراء الكلام وعلينا تهدلت غصونه وفينا تنشبت عروقه).

ويضاف لكل هذا ان نهج البلاغة مصدر لأحاديث الرسول(ص)وأيضا لادعية الإمام علي ففيه (13)دعاء و(400) آية قرآنية و(15) بيتا من الشعر.

وهو أيضا مصدر لأخبار الامم السابقة و الأنبياء وعلى هذا يعتبر الإمام أول من أرخ ، ونهج البلاغة أيضا كتاب يتحدث عن الإلهيات في العدل والتوحيد والكائنات سواء أكانت في السماء أم الأرض او ما يخص الإنسان ، وهو كتاب عقائدي عندما يتحدث عن الإمامة والنبوة ومعرفي وسياسي حينما يوجه عنايته لحكمة التاريخ والاجتماع والسياسة وبناء الدولة والأخلاق والمعرفة.