في سبيل صياغة مفهوم الأمن القومي العراقي


إعتمد مفهوم الأمن القومي العراقي الفرد وتسلطه إضافة إلى المحافظة على النظام-الفرد كأساس يعتمد عليه في توجيه الإستراتيجيات الأمنية التي إستعملها النظام-الفرد في العراق. وكثيراَ ماكانت هذه الأساليب تعتمد أسلوب القسوة والإرهاب والوحشية المطلقة في التنكيل بكل من كان تشير عليه تهمة قريبة أو بعيدة على أنه قد يمثل تهديداَ أو منافسة للنظام البائد.

وإذا تنازلنا حقاَ وأعتبرنا أن هنالك مفهوماَ للأمن القومي العراقي كان سائداَ ويوجه سياسات الدولة في العراق، لأننا من خلال متابعتنا لأساليب النظام وتطبيقاته في السياسة الداخلية والخارجية في العراق، فإننا نستطيع أن نؤكد أن كل السياسات التي أتبعها النظام في كافة المجالات السياسية والداخلية، والإقتصادية، والتعليمية، والعسكرية إنما أصابت الأمن القومي العراقي في مقتل، بحيث أنه أوصل العراق إلى إنهيار كامل لينتهي في نهاية المطاف إلى أن يتحول إلى بلد تحتله قوىأجنبية ولا يمتلك أي نوع من السيادة وهو الركن الأساسي في أسس الأمن القومي لأي بلد في العالم . أي أن النظام لعراقي البائد لم يكن يملك اي تصور عن أي مفهوم للأمن القومي العراقي، وكل ماكان يفعله هو تدعيم سلطة الفرد وتسلط هذا الفرد على كافة مفاصل الدولة ونشر ثقافة التسلط الفردي في كافة قطاعات المؤسسات العراقية والمجتمع العراقي.

وما أساليب البطش والوحشية والإرهاب التي مارسها النظام ضد قطاعات واسعة من المجتمع ، إضافة إلى الدخول في مغامرات عسكرية بائسة من الحروب التي خاضها الجيش العراقي ضد الأكراد في شمال العراق ومروراَ بالحرب العراقية الإيرانية ومغامرة غزو الكويت والحرب الأخيرة ما هي إلا نماذج متكررة من التخبطات الشنيعة التي أنهت ما يمكن تسميته بمفهوم أمن قومي عراقي. حيث حولت العراق بشكل أو بآخر إلى بلد لا يمتلك قدراَ كبيراَ من السيادة . وذلك من فقدان السيادة على شط العرب من خلال توقيع إتفاقية الجزائر ثم الإستنزاف والعودة إلى إتفاقية الجزائر بعد إتفاقية وقف إطلاق لنار مع إيران. أما نتائج غزو الكويت فقد فقد العراق من خلالها شيئاَ كثيراَ من مظاهر سيادته الوطنية على قطاعات كبيرة في البلد وخاصة ما يتعلق بفرق التفتيش الدولية وحرية الحركة المطلقة التي كانت تعطى إليها إضافة إلى التعويضات ذات الأرقام الفلكية التي كانت تستحصلها دول العالم على إختلافها. كما كان الأمن القومي يترجح على كف عفريت في كل مرحلة كان يتم فيها تصويت أو موقف دولي ضد العراق في المحافل الدولية، حيث كانت المعلومات الأمنية والأموال تتسرب بشكل فاحش إلى كافة الجهات التي كان يمكن أن يرتكز عليها في تثبيت النظام والفرد على رأس السلطة. إذن نستطيع أن نقول أنه لم يكن هنالك مفهوم واضح للأمن القومي العراقي وإنما نستطيع أن نقول أنه كان في العراق مفهوم أمن سلطة أو فرد. هو الذي كان يتحكم في العراق.

أما الأسلوب الوحشي في قمع المجتمع العراقي والذي يذكرنا بشخصيات من التاريخ والعصور الوسطى أمثال هولاكو وتيمورلنك وعبيدالله بن زياد والحجاج وهتلر وبولبوت في كمبوديا يعيدنا إلى العامل المشترك بين هذه الشخصيات العنيفة التي تقرف الإنسانية منها ألا وهو العنف الغير مبرر والوحشية المطلقة والإستئصال لكل معارض أو مختلف مع الفرد-السلطة. وبدلاَ من أن يكون البلد ومصلحة الشعب هو الأساس والمحور في أية إستراتيجيات تخدم الأمن القومي كان الفرد وتسلطه ، أو القبيلة وتسلطها، أو العنصر وتسلطه أو الحزب وتسلطه على البلد هو الأساس.

مفهوم الأمن الفردي الذي كان سائداَ في العراق في فترة مابعد الإستقلال العراقي إستمد جذوره من موروث تاريخي ألقى بظلاله القاتمة على العراق مدة تزيد على العشرة قرون، وكأن هذا المفهوم كان مقدرا عليه أن يستمر يحكم سياسات كل الذين حكموا العراق إلاّ فترات قصيرة تحول هذا المفهوم إلى المصلحة الوطنية وخدمة المواطن بدلاَ من الفرد الحاكم. وإضافة إلى الموروث التاريخي كانت الدول المجاورة تأخذ بنفس هذا المفهوم ولكن بنسب تتفاوت بين الإغراق في أساليب العنف والإستئصال كالعراق أو بدرجات أقل حدة ولكن المحصلة النهائية تعني أن الوسط العربي والإسلامي المحيط بالعراق يطبق نفس مفهوم الأمن الفردي المتعلق بالنظام وحاشيته. كما إننا لا نستطيع أن نستثني التشجيع الدولي لممارسة هذا المفهوم بدرجاته المختلفة في العراق ودول الجوار لما له من تبعات تضرب الأمن القومي لهذه البلدان في الصميم وتجعل هذه البلدان عرضة إلى التسلط والتحكم وإنعدام السيادة في مواجهة الدول التي لها مصالح في تلك البلدان.

مفهوم الأمن القومي للعراق يحتاج إلى وقفة مراجعة وتقييم وإعادة صياغة تأخذ في الإعتبار المتغيرات التي حدثت في الواقع العراقي بعد زوال نظام صدام حسين . كما إن هذا المفهوم يجب أن يعمل مراجعة شاملة للأخطاء التي حدثت في العراق والعمل على كيفية جعل الإنسان العراقي والعراق ومصلحة العراق-الوطن الأساس عند صياغة أي مفهوم جديد للأمن القومي العراقي. كما أن هذه الصياغة يجب أن تحدد بوضوح الأعداء الحقيقيين والمحتملين للعراق من جميع النواحي وخاصة ما يتعلق منها بالأمن والوحدة الوطنية والسيادة والموارد الطبيعية والثروات الإقتصادية حقوق المواطن العراقي في داخل العراق وفي خارج العراق. وسأحاول أن أعرج على كيفية صياغة مفهوم الأمن القومي العراقي بعد زوال نظام صدام حسين.