بغداد - حارث الخضري

”لاول مرة منذ عقود يظهر الشعب العراقي منحازا لحكومته. الادلة على ذلك محسوسة وتستطيع تلمسها في مختلف المدن العراقية حتى تلك التي كانت تحسب، يوما، في خانة المناهضين والرافضين “.الفقرة السابقة جاءت على لسان




صحفي يمارس مهنته في بغداد. بالطبع لا نستطيع ان نصدر احكاما مطلقة لكن الوقائع القريبة تشير الى ان حكومة نوري المالكي، خلال سنتين، استطاعت تحقيق الكثير من النجاحات. في ايار عام 2006 قدم المالكي برنامج حكومته الى البرلمان العراقي في حفل فخم شهدته العاصمة بغداد. كان امام التشكيلية الوزارية الجديدة مهام، تبدو للوهلة الاولى اكثر من مستحيلة. حينها كان الكابوس الطائفي وتنظيمات القاعدة وتغلغل الميليشيات يمثلون هاجسا مرعبا في الشارع فضلا عن المشاكل السياسية الخارجية والداخلية. خلال الاربع والعشرين شهرا التالية تغيرت الامور جذريا.
الارادة الفولاذية
ولد المالكي في قضاء طويريج التابع لمحافظة بابل عام 1950 منحدرا من عائلة امتهنت السياسة منذ بواكير تأسيس الدولة العراقية، جده كان واحدا من قادة ثورة العشرين ووزيرا للمعارف في العهد المالكي.
سياسيون قريبون من المالكي اكدوا مدى ما يتمتع به هذا الرجل من دراية كبيرة بما يحيط به من حقائق وصرامة في اتخاذ الاجراءات، لذا كانت قراراته تحظى بتأييد كبير على المستويين الشعبي والسياسي. هذا ما اكدته التجربة في البصرة والموصل.
منذ اللحظة الاولى لاعلان برنامج حكومته، بدا المالكي واضحا ومصرا على ما سيقدم عليه في قابل الايام. عبارته الاولى التي اكدت على ان حكومته ستعتمد مبدأ المشاركة في ادارة شؤون الدولة وتكون ممثلة لمختلف شرائح ومكونات الشعب العراقي وستعمل وفقا لما يمليه عليها الدستور والالتزام بنصوصه، أشار الى ذلك النهج بوضوح، واكدته الاجراءات العملية فيما بعد.
الخطوة الاولى
اعتبرت الغالبية قرار المالكي بالتصديق على قرار اعدام الطاغية الذي اتخذته المحكمة الخاصة، المنطلق الاول نحو بناء الدولة الحديثة وازالة جميع الاثار السوداء عن جسد الوطن.
مواطنون رأوا في القرار تعبيرا عن شجاعة الرجل نظرا لحساسية الموضوع لاسيما اذا ما تكلمنا على المستوى الاقليمي.
يقول مهدي حسين، المهندس في امانة بغداد: كان القرار ضروريا لاعادة شيء من حقوق الشعب الذي عانى من عبث الفاشست.
ويكمل مهدي: لا يشعر بالالم الا من به الجرح. كانت هناك الكثير من الجهات التي سعت لحماية الطاغية من عدالة السماء لسبب او لاخر.. لكن رئيس الحكومة لم يرضخ للضغوط واثبت انه قادر على اتخاذ القرار الصحيح.
من رأى مدن العراق في تلك الايام سيتأكد من أن مهدي حسين لم يكن شاذا في رؤيته عن الباقين. فقد اقيمت العديد من الاحتفالات في مختلف مدن العراق.المواجهة الثانية في جدول مهام المالكي الشاقة كانت الوقوف في وجه تهديدات بحرب طائفية. قبل ثلاثة اشهر من استلام المالكي لرئاسة الحكومة، انتهكت تنظيمات القاعدة الارهابية مقدسات المسلمين في سامراء. تفجر الوضع الامني حينذاك ووضعت الحكومة على المحك. الكثير من السياسيين، من بينهم اميركان، شككوا في قدرة الحكومة على تجاوز الازمة. وزير الخارجية الفرنسي، حينها، كوشنر اكد ايمانه بفشل المالكي وحكومته على جمح نيران الحرب. استند المشككون في آرائهم على حداثة تجربة الحكومة والانقسامات التي كانت تنتشر في داخلها. بعد عامين، تظهر مخاطر العنف الطائفي وكأنه جزء من ماض اسود ويبدو الوطن والحكومة اكثر تماسكا وتوحدا.العديد من المواطنين عبروا عن رضاهم لاداء المالكي خلال مواجهته الازمة. انعكس ذلك بوضوح على عدد العائدين لأماكن سكناهم بعد ان طالتهم محنة التهجير سواء داخل او خارج الوطن.
فرض القانون
لن يبدو مبالغا ان من يؤمن بان يوم الرابع عشر من شباط للعام 2007 كان نقطة تحول كبيرة ضمن خطة الحكومة لاعادة النظام. في ذلك اليوم اعلن المالكي بدء انطلاق خطة فرض القانون في العاصمة بغداد. اعتمدت العملية الساعية لاعادة النظام للعاصمة على القوات الامنية العراقية في وزارتي الدفاع والداخلية.
تتذكر سهاد حسن التدريسية في احدى جامعات بغداد كيف ان الامور قبل اعلان الخطة الامنية وصلت حدا مرعبا، لكن مع مرور الوقت بدأت الامور بالعودة الى نصابها الصحيح.
تضيف: اتذكر جيدا عندما اعلن رئيس الوزراء نجاح قواته في فرض القانون وغلق الباب نهائيا امام مخاطر الفوضى، كانت لحظة تحول حاسمة بالنسبة لي، كنت بدأت افقد الايمان بما حولي.
قبل ما يقرب من اربعة اشهر احتفل العراقيون بالذكرى الاولى لانطلاق الخطة، كان الاحتفال متميزا فقد جرى في شوارع بغداد هذه المرة.
ماحدث في البصرة
ما حدث في الموصل
اخر التحديات بالنسبة للحكومة، ظهر في ما يحدث في اثنتين من اكبر محافظات العراق، البصرة الجنوبية والموصل الشمالية. المدينتان عانتا بشكل فظيع من هيمنة مطلقة للمسلحين والخارجين على القانون.
قريبون من المالكي اكدوا ان الرجل عندما كان يضع لمساته على خطتي "صولة الفرسان" و"ام الربيعين" بدا واضحا مدى اصراره على المضي قدما ورفضه المطلق لاي تراجع قبل الاعلان عن نجاحه في اعادة الامن والاستقرار للمدينتين. بالمحصلة كان هذا ما حث فعلا. بالمقابل نقلت مختلف وسائل الاعلام كيف استقبل الناس في المحافظتين اجراءات الحكومة بلهفة كبيرة.
النقطة المشرقة الاخرى تبرز في قدرة الحكومة على مواجهة انقساماتها الداخلية. قبل عام كان عدد الوزراء المنسحبين على وشك الاقتراب من نصف المقاعد الوزارية ما تطلب اجراءات وصفها الكثيرون من ذوي الحنكة السياسية العالية بالمستحيلة. كان على القيادة العليا في البلد العمل بجد من اجل توحيد الاراء وتجاوز النقاط الخلافية. الان، يوحي المشهد السياسي باننا مقبلون على ان نرى مقاعد الوزراء مشغولة بالكامل. متابعون لا يستبعدون حدوث ذلك قبل نهاية العام الحالي وهو ما يعتبرونه واحدا من اهم المؤشرات على نجاح خطط الحكومة.