بدا للمراقبين السياسيين والعسكريين أن النجاحات الأخيرة في تهدئة العنف في البصرة وفي مدينة الصدر كما لو أنها امتداد لخطة تهدئة العنف في الموصل المنطقة العربية السنية التي مكث فيها متمردو القاعدة لفترة طويلة. وبمثل هذا الامتداد –طبقاً لأندرو كرامير مراسل صحيفة النيويورك تايمز- فإن الآمال ترتفع بأن الجيش العراقي قد يحسّن خلال الفترة القريبة المقبلة من سيطرته على المدن الرئيسة الثلاث في العراق.

ولم تخضع مدينة الموصل بزيادة القوات الأميركية في بغداد السنة الماضية، وقد انخفضت الأعداد الأسبوعية للهجمات منذ العاشر من شهر أيار، عندما بدأ الجيش العراقي عمليات مكثفة في الموصل بدعم من القوات الأميركية. وأجرى الجيش العراقي تفتيشاً في المدينة من بيت الى بيت، بعد أن فرض الحصار عليها لأيام من جهاتها الأربع ساهمت في إنجاحه الطائرات والدبابات الأميركية. وأدت حملة التفتيش الى الكشف عن مخابئ للأسلحة وعناصر قيادية في التمرد إضافة الى اعتقال اكثر من 1000 مشتبه به.

وفي مقابلة أجرتها النيويورك تايمز مع الجنرال (رايموند توماس) قائد القوات الأميركية في الموصل قال إن الجنود العراقيين تعلموا من تجربة البصرة الدروس الصحيحة التي جعلتهم عنيدين في القتال".

وفي الحقيقة هناك رواية ثانية لتداعيات الأحداث، يبدو فيها أن الدرس الحاسم على مدى الأشهر الماضية بالنسبة لجميع الأطراف –الجيش العراقي والميليشيات المتمردة الشيعية وكذلك الجماعات المتمردة السنية- هو تفضيل عدم القتال ضمن التوقيت الحالي كما حدث في البصرة وفي مدينة الصدر على الرغم من أنها معقل كبيرة للتيار الصدري ولجيش المهدي، حيث يبدو أن الجيش العراقي كان قد سمح لكثيرين من المتمردين لـ "التسرّب" خارج الموصل بعد اتصالات ومفاوضات عدة أجريت بين قوات الحكومة وبين الميليشيات المتمردة وزعمائها.

وهذه النظرة يمكن أن تجعل أية مكاسب أمنية تحققت حالة مؤقتة، فالمتمردون في الموصل كما في أي مكان آخر، يعيشون من أجل أن يقاتلوا في يوم آخر. وهناك تقدم قليل فقط قد أنجز في ميدان المصالحة السياسية بين الطوائف المتنافسة والجماعات الإثنية التي يمكن أن تساعد في تقليل العنف لفترة طويلة.

لكن المفاوضات سمحت للجيش أنْ يحقق هدفين في وقت واحد، وهما السماح له بالتوسع في منطقة سيطرته، ومن جهة ثانية السماح للحكومة بالتوسع في فرض سيادتها، وهذه النتاج (لمّعت) السمعة الفقيرة التي كان يتمتع بها الجيش العراقي ورفعت من مستوى (السمعة السياسية) لرئيس الوزراء (نوري المالكي) في داخل العراق وفي خارجه. وتشير النيويورك تايمز إلى أن الجيش الأميركي لم يكن بعيداً –حيث قدم المساعدة الجوية والقوة النارية الإضافية- إضافة إلى أن العملية كانت مقادة بشكل كبير من قبل العراقيين.

وكشفت الصحيفة الأميركية أن أكثر من عشرين زعيماً للتمرد ممن لم يستسلموا للأميركان انعطفوا الى الجنرالات العراقيين. وعلى سبيل المثال، طارد الجنرال (نور الدين حسين) قائد اللواء العراقي الثامن واحداً من زعماء التمرد في الشوارع الخارجية المتربة حتى اليوم الذي جلس فيه يشرب معه الشاي. وهذا الزعيم المتمرد الذي عرّفه الجنرال (حسين) باسم (محمد سافو) يعيش في "حي الرشادية" وكان مشتبهاً بقتل خمسة جنود عراقيين بقنبلة طريق.

وفي اجتماع مع مستشاريه الأميركان –قبل أسبوعين- قال الجنرال (نور الدين حسين) إنه ألقى القبض على 14 عضواً من "عشيرة محمد سافو" وقتل 3 آخرين، قبل أن يتقدم (سافو) ويتفاوض مع الجنرال ومعه ستة من أفراد العشيرة. وقال الجنرال (حسين) وهو ينقر تلفونه الخلوي: "عندي جميع أرقام هواتفه هنا" وقال إنه يريد أن يتصل به ويناقشه في "مسألة العفو" بحضور شيخ عشائري.

حدق المستشارون الأميركان في عيون بعضهم البعض، غير متأكدين تماماً مما ستضيفه هذه المسألة لجهد القوات الأميركية في سحق التمرد السني في المدينة. وقال الجنرال (توماس): "إذا كان العراقيون مرتاحين لذلك، فنحن مرتاحون أيضاً"، متحدثاً عن عمليات استسلام المفاوضين من الزعماء المتمردين الذين يوصفون أحياناً بأنهم أعضاء في "القاعدة في بلاد الرافدين" أي مجموعة التمرد السني المحلية التي يزعم المسؤولون الأميركان بأنهم يُقادون من قبل الأجانب.

وبينما أصبح انخفاض الهجمات في الموصل واضحاً أواخر شهر أيار، بحيث يقول السفير الأميركي (رايان كروكر): "أنت لن تسمعني أقول لك أن القاعدة قد هـُزمت، ولكنها لم تكن أقرب إلى الهزيمة منها اليوم".

إن المسؤولين العراقيين والأميركان يسمون الموصل "المعقل الحضري" الأخير للقاعدة في بلاد الرافدين والمجاميع الجهادية السنية الأخرى. كما أن الشوارع التي تتناثر فيها النفايات والقمامة في النصف الغربي من مدينة الموصل التي تسكنها الأغلبية السنية، ومعزولة عن الأحياء المسيحية والكردية بنهر دجلة، كانت ومنذ سنة 2004، تعيش في حالة انتفاضة مستمرة تقريباً تتصاعد أو تخفت بين آن وآخر.