( العدد الواحد والثلاثون )
الإعتقاد السائد هو أن المسلمين الأوائل قد أخذوا المسبحة من بلاد الهند، فبينما استعمل المسلمون الحصى لأغراض التسبيح، كانت الهند قبل ذلك بعشرات القرون قد عرفت المسبحة، وتشير الدلائل التأريخية الى ان الإله (براهما) كان يحمل المسبحة بيده اليمنى كما ظهر جلياً في الرسوم التي تم العثور عليها، وكانت هناك شجرة خاصة تدعى (التلسي) مخصصة لصناعة السبح التعبدية بالاله (فشنو)، وقد أخذ المسلمون هذه العادة عنهم مع شيء من الاختلاف والتطور، فثمة فرق واضح أولاً بين التسبيح للصنم وبين ذكر الخالق، ثم تصرفوا في العدد فكان زوجياً لدى الوثنية ويبلغ عدد حباة المسبحة (23) خرزة بينما أصبح فردياً لدى المسلمين وبالعدد الذي أشرنا اليه

ويمكن ان نتعرف في هذا المجال على ان العصر العباسي يمثل انتقالة (نوعية) في السبح، فلأول مرة في ظل مجتمع تسوده عوامل الاحتكاك الحضاري والتعدد القومي وتزدهر في أجوائه معالم الغناء والطرب ومجالس الأنس، تغادر حبات المسبحة من غرفتها الدينية الى صالة أرحب هي المتعة والتسلية، حتى أصبحت مع الأيام دالة طبيعية من دالات المجتمع، فكانت لعامة الناس سبحهم، ولاثرياء القوم وموسريهم أنواعهم الغالية التي تقدم بمنـزلة هدايا تتبادلها النخب الغنية في المال أو الجاه الاجتماعي أو السياسي. يقال ان العراقيين من أكثر الشعوب استخداماً للسبح وامتلاك الأنواع النادرة منها.. وهناك أسواق عامرة بها ويتعامل أغلب أصحاب محال التحف والأنتيكات بها والحفاظ عليها كأنها حلي ذهبية بل هي كذلك لأن بعضها جاوز سعره ثمن قلادة الذهب وحل محلها في خزائن النساء .. وصارت للسبح تجارة رائجة ومربحة وتباع بالدولار ايضاً!
أنواع السبح
أنواع السبح كثيرة منها المصنوعة من أحجار (السندلوس أو الكهرمان أو المرجان والنارجين والباي زهر والفيروز..) ويعد الكهرب الالماني أغلاها وهو يمتاز بالرائحة العطرة وعمره الطويل ويستخرج حجر الكهرب من شواطئ المانيا وبولونيا ويبلغ سعر المثقال منه (50) دولاراً وبعضه (100) دولار.
أما سبح اليُسر فهي عبارة عن أعشاب تنمو داخل البحر تستخرج وتصنع منها السبحة وتتميز برائحتها المخمرة.. وميزة حجر الكهرمان انه يرسم خطوطاً إذا ما حك على الورق.
والمتداول حالياً من السبح هو السندلوس واليسر لإعتدال أسعارهما وهناك من السبح ما يباع بثمن مرتفع جداً يصل لثلاثة ملايين دينار، أما أرخصها فسعره (500) دينار! ونحن نحتفظ بالسبح الثمينة في خزائن محكمة حتى يأتي المشتري المناسب.
يزداد سعرالسبحة إذا ظهرت فيها الحشرات المحنطة وهنالك نساء لديهن قلائد من أحجار ثمينة ذات منشأ روسي أو ألماني وهنالك من النساء ممن يطلبن إعادة صياغتها بأشكال جديدة وتكون بألوان زاهية ومتنوعة.
صياغة السبح
أحد المتعاملين القدامى في سوق السبح قال: -تعلمت هذه المهنة من أخي الكبير وأصبحت اليوم قادراً على تثمين السبحة الجيدة من غيرها المقلدة بمجرد النظر اليها او لمسها وأحياناً شم عطرها.. وهناك الكثير ممن يرتادون المحل بقصد الشراء او الفرجة والتعرف على الأنواع النادرة.. نحصل على السبح من باعة معروفين لدينا مسبقاً، اما الذي لا نعرفه فلا نشتري منه خشية ان يكون قد سرقها.. نشتري كذلك سبحاً بالجملة من محافظة النجف خصوصاً قرب المراقد الدينية ومن الموصل ايضاً.. أما المادة التي تصنع منها السبحة فهي (البولستر) عادةً وأغلاها تلك المصنوعة من مادة (الكهرب) وهي أغلى أنواع السبح. وهنالك الكثيرون ممن لا يعرفون سعرها الحقيقي.. وهنالك نوعان من السبح من حيث عدد الحبات المصنوعة منها.. الأول ذات (101) حبة نسبة الى اسماء الله الحسنى وهي (99) والحبتان الباقيتان بمثابة فاصلتان للسبحة.
سبح مخدرة ايضاً
أحد باعة السوق يقول ان العراق من أكثر الدول التي تتعامل مع السبح وهو مستورد جيد لها.. ونأسف لأن الكثير من السبح النادرة أخرجت خارج العراق بسبب جهل اصحابها بقيمتها
الحقيقية.. وأغرب أنواع السبح سبح النارجين وهي عبارة عن جوزة يطلق عليها فحم الكوك في داخلها لبة نواة تحتوي على مواد مخدرة.. وهذا يفسر عدم السماح بإدخالها المطارات اذا كانت مغلقة ويسمح فقط للجوزة المفتوحة نصفين والخالية من النواة لصنع السبح منها. ويقال ان عصا موسى صنعت منه، أي حجر الكوك.
ولذلك فإن التجار اليهود غالباً ما يحتفظون بسبح النارجين في خزائن خاصة بها.
سوق الباشا
في سوق الباشا الذي افتتح في سنة 1951 ميلادية الموافق 1370 هجرية، وكان يعد من أكبر أسواق بغداد التي تباع فيها أنواع من السبح الاصلية والنادرة كالكهرب والكهرمان واليسر القديم والحجازي، وأغلبية المحال في السوق تتعامل بالاحجار الكريمة والسبح الاصلية المستوردة من الخارج خاصة من دول “روسيا، ألمانيا، تركيا، مصر، والهند”. والتي غالبا ما تكون أسعارها مرتفعة بعض الشيء،يقول الحاج صالح وهو شخص يهتم ببيع واقتناء السبح النادرة : ان اجتياح البضاعة التجارية كالسندلوس وسبح البلاستك والاحجار المصنعة غير الطبيعية ذات المناشئ التجارية، جعلت البعض من هواة شراء واقتناء السبح والاحجار الكريمة يعزفون عن شراء ما نتداوله في السوق ، ما أصاب مهنتنا هذه بالكساد بل ان الكثير من أصحاب المحال أغلقوا متاجرهم.
باعة السبح بأنواعها المختلفة ينتشرون في كل مكان خاصة قرب الأماكن الدينية والجوامع والمراقد والأضرحة ويعرضون سبحاً مختلفة وهي رخيصة الأثمان عادة.. وقد انتشرت مؤخراً السبح التي يجلبها الزوار من إيران والسعودية وعادة ما تهدى إلى الأهل والأصدقاء للبركة والدعاء.
وفي محل لبيع السبح بأنواعها وألوانها المختلفة في سوق الكاظمية السبح بانواعها المختلفة واحجارها الكريمة اقتناها العظماء والسلاطين والملوك والكهنة للدلالة على العظمة والأبهة والدين والهيمنة.. والمسابح أنواع منها التي تصنع من (السندلوس) و(العنبروت) وهي مواد يحصل عليها من مشتقات البترول ويقوم الحرفيون والصناع بإجراء عملية (التعطيش) لإكساب الحبات تموجات لامعة تشبه النجوم وذلك بتسخين زيت الطعام إلى درجة حرارة مرتفعة جداً ثم تلقى الحبات فيه ومن ثم تنقل إلى وعاء فيه كحول مع لون الصبغة وتستخدم هذه الحبات الملونة في صناعة المسبحة ويفضل العراقيون المسبحة المصنوعة من اليسر والسندلوس.
السيد زاهر الزردي صاحب محل لبيع أنواع السبح قال: وردت كلمة التسبيح في القرآن الكريم بقوله تعالى (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليماً غفوراً). وقد احتاج المؤمنون إلى وسيلة لضبط العدد الذي حددته السنة النبوية الشريفة لكل تسبيحة وكان التسبيح يتم بعقد الأنامل ولما كانت هذه الطريقة تشغل فكر المسبح إلى العد وتؤثر في خشوعه التجأ إلى وسائل أخرى عديدة فمنهم من استعمل الحصى وآخر استعمل النوى وغيره استعمل العقد في الخيط وهكذا.