[align=center]أحمد منصور و(الجزيرة) وبرامجه الحوارية[/align]

بقلم: سعد الله خليل
saadkhalil1@hotmail.com


[align=justify]يستغل أحمد منصور البرامج الحوارية التي يقدمها على شاشة الجزيرة للترويج للطروحات الفكرية والسياسية التي تتبناها الجماعات الإسلامية المسيّسة، التي تستغل الدين الإسلامي للوصول إلى السلطة، وبخاصة جماعات الإخوان المسلمين. ويسعى جاهدا إلى تسويق هذه الطروحات التي لم تلق قبولا شعبيا، فلم تستطع بالتالي الوصول إلى السلطة على مدى التاريخ الإسلامي، حتى في العصور الوسطى المظلمة، فكيف في القرن الواحد والعشرين ستجد لها موقعا يحتضنها، إلا إذا كانت تُحسب من عمر الزمن تلك الفترة الوجيزة التي حاولت أن تثبت وجودها بقوة السلاح والقتل والإرهاب في المجتمع الأفغاني الذي تسيطر عليه قيم ومفاهيم القرن الثامن عشر، والسودان الذي لم يعرف ولم يستطع حتى الآن، بسبب تلك الجماعات، أن يوحد أبنائه ويقف على قدميه. مستغلا في ذلك أي أحمد منصور جهل العامة بالتاريخ الإسلامي، وأفعال ( أمراء المؤمنين)، ومحاولا من خلال العزف على الكلمات العاطفية والمثيرة، تشكيل حالة من التعاطف مع فكره وطروحاته الإسلاموية. ومستغلا إدارته (غير الحيادية) للبرنامج، لقطع مداخلات المتصلين، التي تدحض وتفكك فكره وطروحاته، ولمناقشة المتصل بما يطرحه من أسئلة لا تعجبه، كي يقول له انتهى الوقت، ليقطع المخابرة، وفي كل الأحيان يتجاهل تلك الأسئلة ويهملها، بدلا من تحويلها إلى الضيف للإجابة عليها. وهو دائما متيقظا لكلام الضيف، يقطع فكرته حين لا تعجبه، أو يوجهه في اتجاه آخر، إن كان التحليل أو الرأي مخالفا لما يريد ترويجه وتسويقه.

في الحلقة الأخيرة من برنامج بلا حدود ( 16/3/2005 ) التي استضاف فيها السيد أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، حاول أحمد منصور أن يعوّم الضيف على المياه نفسها التي يسبح هو ونظراءه فيها، بالرغم من ضحالة تلك المياه وشوائبها، لكنه، وبدون أسف، لم يستطع تحقيق مراده، بالرغم مما بذله من جهد. فمثلا عندما استهجن أحمد منصور عدم قبول دول أوروبا وأمريكا أن تساوي بينها وبين بعض الدول الإسلامية، وطلب من الضيف تعليقا، توخاه مؤيدا لاستهجانه، رد السيد أوغلو بالقول: إن بعض المجتمعات الإسلامية تعاني من تخلف فكري وعلمي، بحيث أنها لم تصل بعد إلى مستوى المجتمعات الزراعية، أي أنها تعيش في قرن آخر بعيد جدا عن القرن الواحد والعشرين، قطع أحمد منصور كلامه، ولم يسمح له بالمتابعة، فقد كان يرغب منه وضع هذه التجمعات على قدم المساواة مع الأمم المتقدمة، وربما يريد أكثر، من يعلم؟

كثيرا ما يعزف أحمد منصور على نغمة الاستبداد السياسي القائم حاليا في الدول الإسلامية، معتبرا ذلك سببا وحيدا في تخلفها! وإن كان في ذلك جزء من الحقيقة، لكنه ليس كل الحقيقة، لأن الاستبداد الأخطر، هو الاستبداد الفكري، بمفاهيمه وقوانينه المسبقة الصنع. فمن أكثر من الفقهاء والمشايخ، قمع وجز رأس الحرية الفكرية وحق الاختيار للمرء، وحركة التغيير التي يطمح لها الناس، واتهمهم بالمروق والكفر والزندقة؟ لأن حرية التفكير خط أحمر، لا يمكن لأحد مهما علا شأنه وعلمه أن يتجاوزه أو يتخطاه، ومن حاول أو يحاول ذلك فسيف التكفير سيقطع رقبته.

عندما يتحدث أحمد منصور عن الاستبداد السياسي بالمجتمعات الإسلامية، يوحي للمشاهد أن هذا الاستبداد حديث العهد، اخترعته الحكومات الحالية للحفاظ على حكمها، بإيحاء ودعم ومساعدة من الإمبريالية والاستعمار ودول الكفر، مما يبعث على الظن أن قيم الحرية والعدل والمساواة قد سادت المجتمعات الإسلامية القديمة، وأن أمراء المؤمنين الذين سموا شعوبهم (رعية)، قد احترموا هذه القيم وساروا عليها، وهو يعلم علم اليقين أن الاستبداد والتمييز والظلم، قديم قدم الدولة الإسلامية، وهو سياسة انتهجها السلف والخلف، بدءا من أول خليفة أموي، مرورا بالخلفاء العباسيين، وانتهاء بآخر خليفة عثماني. فمن معاوية بن أبي سفيان إلى ولده يزيد بطل موقعة الحرة، والقائل: (لعبت هاشم بالملك فلا – ملك جاء ولا وحي نزل)، والذي اهتم بالخمر والقرود أضعاف اهتمامه ب (الرعية)، إلى عبد الملك بن مروان الذي قصف الكعبة وهدمها بواسطة الحجاج، وصلب عبد الله بن الزبير، إلى يزيد بن عبد الملك الذي ملأ الدنيا شرابا ومجونا وخلاعة، والذي عاصره أئمة كبار من أمثال الحسن البصري وواصل بن عطاء، لكنه كما يقول السيوطي في تاريخ الخلفاء: (أتى بأربعين شيخا ليشهدوا له أن ما على الخليفة حساب ولا عذاب)، مما يعني أن الفتوى المأجورة قديمة، مارسها فقهاء وشيوخ في الماضي، واقتدى بهم فقهاء الإرهاب في الحاضر، وأمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك هذا، مثال عظيم لوفاء العاشق المتيم، بدأ خلافته بعد تلك الفتوى، بعشق (سلامة)، وأنهى حياته بعشق (حبابة)، فكما يقول ابن كثير في البداية والنهاية: مكث أياما يقبلها ويرشفها وهي ميتة حتى أنتنت، فأمر بدفنها، وأقام أياما هائما على قبرها، إلى أن رجع إلى قصره، فلم يخرج منه وفاء لمحبوبته، إلا على نعش. أما ابنه أمير المؤمنين الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الزعيم الأكبر للفسق والفجور، والذي رمى القرآن بسهامه، وخرقه، وهو يقول: (إذا ما جئت ربك يوم حشر – فقل يا رب خرقني الوليد)، والقائل أيضا حسب المسعودي في مروج الذهب: (تلعّب بالخلافة هاشمي – بلا وحي أتاه ولا كتاب)، والذي حاول نصب قبة فوق الكعبة ليشرب فيها في عام حج مع رفاقه، والذي، في (تلوطه)، راود أخيه عن نفسه.

أما الاستبداد العباسي فحدّث ولا حرج، وأول أبطاله، الخليفة أمير المؤمنين أبو العباس السفاح، الذي أمر بإخراج جثث خلفاء بني أمية من قبورهم، وجلدهم وصلبهم وإحراق جثثهم ونثر رمادهم. ولا أظن أن هناك ما يدعو للاسترسال أكثر في ذكر أسماء الخلفاء الذين كانوا أبطالا مغاوير في القمع والاستبداد، وخاصة مع علماء الدين الإسلامي، مثل أمير المؤمنين المعتصم الذي عذّب ابن حنبل الذي قال أن القرآن غير مخلوق. وابنه أمير المؤمنين الخليفة الواثق الذي هام غراما بغلامه (مهج)، بينما أحضر أحمد بن نصر الخزاعي أحد كبار رجال الحديث في التاريخ الإسلامي، من بغداد إلى سامراء مقيدا ثم ضرب عنقه لأنه قال أن القرآن ليس بمخلوق، وصلب رأسه في بغداد، وجثته في سامراء، وبقيا مصلوبين لمدة ست سنين.ولم يتفوق عليه في عشقه للغلمان سوى أمير المؤمنين الخليفة الأمين بن (هارون الرشيد) الذي هام عشقا ب (كوثر) والغلمان، ورفض النساء والجواري.

أما الإستبداد العثماني، فلا أظن أحدا لا يعرف الكثير عن جور وظلم واستبداد خلفاء بني عثمان، والثورة العربية الكبرى التي نهضت في الشرق العربي للتخلص منه.

يظهر جليا من خلال أسئلة احمد منصور للسيد أوغلو، المبطنة والمشككة بدور السعودية في دعم منظمة المؤتمر الإسلامي، ومناصرة الإسلاميين، أن شهر العسل الطويل الذي جمع بين السعودية والإخوان المسلمين والذي حصدت السعودية نتائجه إرهابا ودماء، قد انتهى.

كثيرا ما يتحدث أحمد منصور بلهجة التشكيك وعدم الرضا عن حقوق المسلم التي يراها منقوصة في الغرب الذي يسميه (الغرب المسيحي)، والكل يعلم أن المسلم في الغرب يحظى بكل المساعدات التي تمكنه من التمتع بكامل حقوقه، الدينية والسياسية وغيرها من الحقوق، بما فيها الدعوة لدين الإسلام. ولكن ماذا عن حقوق غير المسلم في البلاد الإسلامية، كالسعودية على سبيل المثال ، هل يحق له ممارسة شعائره الدينية؟ أو الجهر بدينه على الأقل؟ وماذا عن حقوق المسلم الذي لا يتبع مذهب أهل السلطة، كالشيعة والإسماعيليين؟ هل يتمتعون بحقوقهم؟ وهل يعاملون على قدم المساواة مع أهل السنة؟ وهل ينالون ولو جزءا بسيطا من الحقوق التي ينالها المسلم في (الغرب المسيحي) مهما كان مذهبه؟[/align]