الإعـــــــــــلام العربــــــــــــي الآن

سيف الدين كاطع
06 August, 2008


صور الانحياز والتابعية المطلقة!!

ما هو دور الاعلام العربي تجاه الاحداث السياسية التي تقترن على نحو عميق بطبيعة وتركيبة البنية العامة للمجتمعات العربية من النواحي السيسيولوجية والفكرية والاخلاقية وكيف تكون افرازات تلك الاحداث وملامحها ومعطياتها تاريخيا على مستوى المزاج العام للافراد والجماعات في هذه المنطقة بادئ ذي بدء يمكننا التذكير بأن الخطاب الاعلامي يحمل اتجاهات ورؤى خصوصا تلك التي تتحدد بمفاهيم الوطن وسيادته واستقلاله السياسي والاقتصادي والجغرافي في هذا الاطار نحاول رسم الاشارة التي ترى طريقة التناول الاعلامي والاخباري التي تتبناها وسائل الاعلام العربية (المفردة منها والمرئية) وهي تتعدى للمشكلات الوطنية الداخلية والخارجية، وامكانياتها في ما ينبغي ان تكون عليه وهي محصنة بمعايير الحيادية ومستلزمات المهنية المركزة بعيدا عن المزايدات القومية والاقليمية والعاطفية والابتعاد عن ضرورات الدفاع عن فلسفة المركز العربي والتابعية له..

بات من الطبيعي النظر الى دور الاعلام العربي وهو يحمل صيغاً ومحمولات فيها من الاشكالية والتناقض الشيء الكثير وهو يواجه الموت السياسي الذي تشترك فيه الدولة او الحكومة او اجهزتها التنفيذية وهذا بحسبي عائد لمنظومة التعاطي مع هذا الحدث او ذاك وضرورة الانحياز لضفة الدولة، فيما يتعلق بتقارير الاحداث وطبيعة صناعتها فقد لوحظ في هذا الشأن اما يتم تجاهل هذه الاحداث وتاثيراتها او التقليل من شأنها لاسيما تلك التي تنتقد اوضاع الحريات وتسجل الانتهاكات السياسية والثقافية والدينية والانسانية او ما يذكر منها ما يتوافق مع الخط العام للدولة او الحكومة، او توجهات الحزب الحاكم بمعنى ان وسائل الاعلام العربية لاتتمتع بالموضوعية والحيادية الكافيتين واللتين تطالب بهما المنظمات الحقوقية والدولية والتقارير التي تصدرها، لذا فان من الاهمية بمكان ان تعالج وسائل الاعلام مثل هذه الاحداث من خلال الشفافية التي يتطلبها مبدأ حرية اعلام الرأي العام جماهير واجهزة بكل ما يدخل في نطاق اهتماماته، خاصة ان ذلك يسهم في زيادة الوعي بالخلل الذي قد يعتري طبيعة النشاطات الاعلامية وفي ذات الوقت سيسهم في حشد وتثقيف المواطنين تجاهها.

كل ما تقدم يمكن استخلاصه من طبيعة الرؤى والافكار التي تقدم بها عدد من الكتاب الاعلاميين المتخصصين والتي بينت على نحو مختزل ما يمور به الخطاب الاعلامي العربي من شيوع صيغ وانماط تحمل في الكثير من اوجهها التبعية الى الحاكمية العربية والسير في مسالكها ولعل القضية السودانية المتمثلة بأمر القاء القبض على الرئيس البشير، دليل على ذلك اثر اتهامه بخروقات قاطعة بانتهاكات حقوق الانسان من قبل المحكمة الجنائية الدولية مؤخرا.

لقد كشفت تلك الرؤى والطروحات من ان الاعلام العربي يواجه تحديات منها تلك التي تفرضها البيئة الدولية الراهنة في ضوء ما يسمى بـ(الاختراق الثقافي الخارجي) كما في الوقت ذاته يواجه تحديات ذاتية يقصد بها بعض المظاهر السلبية السائدة داخل المراكز والمؤسسات الاعلامية والخاصة بآليات عملها، مثل غياب مفهوم العمل الجماعي وديمقراطية القرار وغياب الشفافية، والنقص المتمثل بالملاكات والمهارات والخبراء والاداريين كذلك ما تتميز به غالبية المؤسسات الاعلامية من ضعف وهشاشة بعض الوظائف الادارية والخططية والفنية، تفتقر الى التراكم المهني، وهذا ما يفسر حدوث تباينات جذرية في افكار وتوجهات العديد منها، تبعا لاختلاف الظروف السياسية السائدة وانظمة الحكم واساليبه في العمل والتشريع، وكذلك ما يفقدها احيانا جدية التأثير ويقلل من مصداقيتها في الداخل والخارج، فضلا عن ظاهرة الشخصانية (الفردانية) التي تعتمدها بعض المؤسسات الاعلامية لجهة الميل والانضواء تحت مظلة افراد بعينهم مبتعدين عن الشروط او القيم والمحددات المهنية والفكرية والمعرفية التي تنظم اطر وانماط وتصورات واتجاهات الوسيلة الاعلامية وترسم خطاها ومسيرتها بحيوية متاحة ومتواصلة اذن نحن مع نخبة من الكتاب والباحثين وطروحاتهم التي جاءت لتقدم مقياسا شفافا جراء ما يعتري الان المشهد الاعلامي العربي العام بشقيه الرسمي وغير الرسمي والمرتسمات التي تشكل ماهية خطابه سواء حيال الإحداث او الظواهر او المنعطفات والتي تاتي في بعض الاحايين نتيجة التقلبات او طبيعة الصراعات والنزاعات الدولية وانعكاساتها على المنطقة او غيرها من مناطق في ارجاء العالم.

سعد سلوم: استاذ العلوم السياسية/ الجامعة المستنصرية

تقوم الصحافة الحرة في الانظمة الديمقراطية بتنوير واعلام الجمهور وتحاسب القادة وتوفر منبرا لمناقشة القضايا المحلية والقومية... وهذه الصورة القوية لاعلام يشكل سلطة رابعة لا ترتسم في المشهد الاعلامي العربي ... وان تكن بدأت ملامح ضعيفة تتشكل على خلفية بعض التجارب العربية التي هي في طريق التحول الديمقراطي....

يمكن ملاحظة ذلك من خلال تفحص قضية اصدار مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس البشير وموقف الاعلام العربي المكتوب والمسموع والمرئي من هذه القضية وتداعياتها... فالاعلام المذكور ليس سوى انعكاس للفضاء الاجتماعي السياسي السائد والذي هو بدوره منفصل عن ادراك التحولات العالمية التي تذهب الى انه لم يعد من حق الحكومات ان تختبئ او تتحصن خلف مبدأ السيادة لكي تفلت من مسؤولية انتهاك حقوق الانسان.

فالعالم اصبح مجالا اتصاليا واحدا وكل ما يحدث في زاوية يؤثر على بقية انحاء العالم واصبح دور الاعلام كاشفا عن الجرائم التي لم يعد بالامكان التنصل من مسؤوليتها، ان قضية الاعلام الحر هي قضية الشعوب وليست هي قضية الدفاع عن الحكومات...وما انقياد الاعلام الى الدفاع عن الانظمة سوى دليل عن بعد وسائل الاعلام عن تأدية دورها الحقيقي وارتهانها لصانع القرار السيادي.

ولو تفحصنا الاتجاهات الاعلامية بصدد القضية المذكورة لما فاتنا ملاحظة مقدار التأثير الرسمي على وسائل الاعلام... فهناك اتجاه اعلامي يعكس التركيز على اهلية القضاء الداخلي في مسائل تعد من صميم ولايته، وانه ليس من حق المحكمة الدولية وما هذا الرأي سوى ترديد للرأي الرسمي البعيد عن ادراك طبيعة التحولات الدولية، فهل يستطيع القضاء الداخلي اتهام الرئيس بجرائم الابادة؟

مثلما هناك تركيز على تسييس مبادىء العدالة الدولية واستخدامها في الانتقاص من سيادة الدول ووحدتها وامنها واستقرارها ورموزها الوطنية وهو ما يعد انسياقا مع ما ذكرناه اعلاه.

بل ان هناك ما ينقاد الى حجة تقويض جهود التسوية السياسية لازمة دارفور او خلق مناخ عدم استقرار في البلاد يهدد مستقبل جهود حفظ السلام في دافور او في جنوب البلاد.

وجميع هذه الحجج المرددة والمضخمة اعلاميا تعكس الخوف الحكومي الرسمي العربي من انطباق الحالة السودانية عليها مستقبلا.

وهناك وسائل اعلامية تعكس وجهة النظر المصرية التي تعد مثالا بارزا على فوبيا المؤامرة المسيطرة على العقل السياسي العربي فهي تحذر من كون قضية البشير مؤامرة تساند انفصال الجنوب والاستعداد لذلك في استفتاء العام 2011 بدعم أميركي - إسرائيلي، لإعادة رسم خريطة السودان والسيطرة على مقدراته النفطية وضرب المصالح المصرية فيه.

وهناك اراء تدور حول ازدواجية المعايير حول هذه القضية الحساسة، فلماذا تطبق مثل هذه السوابق ضد الرؤساء العرب فقط ولا تطبق ضد غيرهم من مرتكبي الجرائم في لبنان والعراق وفلسطين... وحجة ازدواجية المعايير موضوعية لكنها لاتتعلق بنظرية المؤامرة بقدر ما تتعلق بالعجز العربي عن تسويق قضاياه والنجاح في الحصول على نتائج مرضية، كما ان الاعلام بحد ذاته فشل في الكشف عن انتهاك حقوق الانسان بسبب القيود الهائلة على الحق في الوصول الى المعلومة وعدم التمكن من اعلانها بسبب المخاوف الهائلة، فالاعلام محاصر بالخوف وانعدام الثقة والنظر اليه كعدو بدلا من النظر اليه كشريك مهم في الحكم في النهاية نؤكد ان الاعلام العربي لايمكن ان يمثل المواطن العربي ويؤدي دوره الفاعل من دون الانطلاق من ادراك جوهر العملية الديمقراطية والتي تعزز صراعا لاينتهي بين حقين: الاول هو واجب الحكومات المتمثل في حماية الامن الوطني والثاني هو حق الشعب في المعرفة القائم على تمكن الصحفيين من الوصول الى المعلومات...وللاسف ضاع الاعلام العربي في المسافة الفاصلة بين هذين الحقين.

صادق التميمي: كاتب وحقوقي

يدور الاعلام في الدول العربية في فلك السلطة وفي اغلبه اعلام حكومي يخضع لقيود ومصالح النظام السياسي هناك واذ كانت هناك مساحة حرية ما في بعض الدول لبعض الصحف فان هذه الحرية لاتتجاوز في نقدها دوائر معينة كالهيئات الرئاسية على سبيل المثال والكل يذكر قضية الصحفي المصري الذي تناول صحة الرئيس حسني مبارك ومالحقه من اثار عقابية بسب ذلك المقال كما ان مساحة الحرية السموح بها من اجل تعويم النظام واظهاره على انه يقبل بالرأي الاخر لكن الى اي حد يسمح بهذه الحرية؟ ومن الطبيعي ان يتعامل الاعلام العربي بتعصب مع مسعى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية بضرورة تنفيذ مذكرة قبض بحق الرئيس السوداني عمر البشير حيث عرض الاعلام والصحافة لتلك القضية وكانها موامرة تهدد وحدة السودان وامنه الداخلي كما انها محاولة للاطاحة بالزعماء العرب عبر خلق اعراف جديدة بالضغط على النظم العربية واستهدافها وربط ذلك باسرائيل ومصالح الغرب واميركا في المنطقة لكن لم يتكلم الاعلام العربي في اغلبه عما حصل هناك من تطهير عرقي وعمليات اغتصاب وابادة جماعية راح ضحيتها اكثر من مليونين وعمليات تهجير واسعة النطاق تجاوزت اربعة ملايين سكت الاعلام العربي عن ذلك في اغلبه بحجة عدم التدخل في الشوؤن الداخلية وحتى بعض الصحف التي انتقدت ماحصل كانت بسب ان دولتها في خلافات حادة مع السودان وهي تغص النظر كلما تحسنت العلاقات الثنائية الاعلام العربي يفتقر الى الحيادية والموضوعية لان اغلبه غير مستقل ومسيس.

سعدون محسن ضمد - رئيس تحرير مجلة مدارك

في البداية لا بد من التأكيد على أن الموضوعية التامَّة لا يمكن أن تتوفر في أي مؤسسة إعلامية، عليه لا ننتظر من الإعلام العربي أن يتعامل مع أزمة الرئيس السوداني بشكل بريء. خاصَّة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الموضوع بذاته ليس بريئاً. فمن الواضح أن القضايا الإنسانية لا تطرح على المستوى الدولي بمعزل عن المتحكمات السياسية، بالنتيجة فالمحكمة التي عالجت موضوع الرئيس السوداني هي الأخرى ليست موضوعية بشكل تام، لأنها واقعة تحت الضغوط السياسية للدول العظمى. لكن من اللافت أن مؤسسات الإعلام العربية وبالأخص منها المؤسسات الكبيرة وغير التابعة لإحد الأنظمة العربية بشكل كامل ومباشر. من اللافت أن هذه المؤسسات تتجاهل البعدين الإنساني والقانوني في المواضيع التي تعالجها، الأمر الذي يوقعها دائماً بمطب ازدواج الخطاب. فهي من جهة تعتبر مسؤولة عن حماية ـ وليس فقط الدفاع عن ـ حقوق الإنسان بصورة عامة وليس العربي فقط، لكن عندما تتقاطع هذه الحقوق مع شعارات حماية المصالح القومية سرعان ما يتضح أن الخطاب الإنساني لدى هذه المؤسسات هزيل وفضفاض لدرجة مضحكة، ما يكشف عن ان ثقافة احترام حقوق الإنسان لم ترسخ لدى مؤسسات الإعلام العربي بصورة حقيقية فضلاً عن المجتمع العربي.

لن يختلف تعامل الإعلام العربي مع موضوع الرئيس السوداني عن تعامله مع إسقاط صدام حسين، وسيظل هذا الإعلام أسير ازدواج المعايير العربية، المعايير التي لا تدافع عن الإنسان بصورة عامة، ولا حتى عن حقوق الإنسان العربي دائما، بل عن هذه الحقوق عندما لا تتعارض مع الشعارات السياسية العربية التقليدية. لهذا السبب لم يشعر الإعلام العربي بالازدواج عندما وقف بصف التفجيرات التي استهدفت أبرياء الشعب العراقي.

أعتقد بأننا سنكون حالمين لدرجة كبيرة لو أننا توقعنا أن تقوم مؤسسة إعلامية عربية بملاحقة ملف دارفور وكشف تداعياته بشكل موضوعي، فمثل هذا الإعلام يحتاج لبيئة اجتماعية متحضرة بشكل أكبر مما هو حاصل لدى الشعوب العربية.

قيس قاسم العجرش: كاتب واعلامي

“ على صعيد الحكومات، انضمت البحرين و الإمارات الى قطر في التحفظ على وثيقة تنظيم البث الفضائي بعد أن اعترضت فقط قطرعليها بوصفها تضع قيوداً على قواعد البث الإعلامي.حيث فشل اجتماع وزراء الإعلام العرب الذي عقد في القاهرة بالخروج بآلية محددة لتنفيذ وثيقة تنظيم البث الفضائي والإذاعي التي أقروها قبل نحو 4 أشهر وسط خلافات عربية حول بنودها “.

يبدو أن هذه أول هزيمة للمؤسسة الإعلامية العربية العامة في مقدساتها في قبالة التحول الى الإعلام (الاستثماري) الذي يخضع بشكل أقل بكثير للتوجه الحكومي المحتوي للوسيلة الإعلامية والحاضن لها.
كان التناقل الإعلامي لتطورات قضية الرئيس السوداني مع استجواب المحكمة الدولية أمر يبشر بهذا التغيير الذي قد يكون هو الأول من نوعه في قضية عربية من تلك القضايا التي عادة ما يتم التعامل بها على الطريقة الأخوانية.

و في آخر تصريح لإيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي استخدم الوزير جملة ذات معنى مغاير للمعنى المقصود و هي عبارة قديمة كانت ترد على ألسن القادة الإسرائيليين تاريخيا و هي عبارة (ان الجيش الإسرائيل لا يقهر) و قمت برصد ردود الأفعال الإعلامية العربية عبر ( طريقة النقل ) لهذه التصريحات و النتيجة كانت كالآتي:

الجــزيرة: تم نقل العبارة بالتشديد و التكرار

العربيـــة: نقلت العبارة بحذافيرها

LBC : نقلت العبارة بحيادية مردفة بجملة

” على حد قوله “

دبـــي: نقلت العبارة بحيادية.

أبو ظبي: استعاضت عن إيراد العبارة بجملة

” تهديدات و تحذيرات “.


في الضفة الأخرى نرى أن وسيلة الإعلام المعلنة في رسميتها وتبعيتها للجهاز الحكومي تفادت تماماً نقل هذه العبارة، منها الفضائية المصرية و الفضائية السورية وفضائية عمان.

لكن الصحف الرسمية المصرية و السورية و منها صحيفة تشرين أوردت الجملة ضمن سياق الافتتاحية لكن الافتتاحية كانت منصبة تماماً على تفنيد و انتقاد هذه الجملة ما يشير الى الرصد الدقيق للجملة من قبل القائمين على الصحيفة و نحن نعلم بالخبرة أن المقال الافتتاحي لهكذا صحف لا يمكن أن يمر إلا عن طريق سلطة الرقيب الفكرية.

كان هذا مثالاً احصائياً مبسطاً عن الميل الى التعامل وفقاً للأساس المهني بعيداً عن الأساس العقائدي و السياسي لدى الوسيلة الإعلامية التي تمول من جانب العقود الاستثمارية.

و في العودة الى أحدث ما تناولته الصحافة و الفضائيات العربية عبر قضية عمر البشير نلاحظ ان الإعلام بعمومه نهج منهجا غير متمترس ومتأني (على غير العادة) في النقل لأخبار القضية ولذلك أسباب منها أن الحكومات العربية لا تقدم في هذا الظرف بالذات على الظهور بمظهر المدافع عن مرتكبي جرائم دارفور و التي يبدو أن الراي العام الغربي تناولها بكثير من المأساوية و تعمدت وسائل إعلام العالم الحر أن تنقل هذه الصورة بهذا التطرف المأساوي خلال السنوات الماضية فيما ركزت على قضية ميليشيات الجنجويد ووحشيتها ومن جملة هذه الأسباب أن الإعلام الغربي الحر يريد ان يبرز أوراق ضغط إنسانية في جانب حكوماته منعاً للهرولة غير المبررة في التبعية الإقتصادية للقوى العملاقة وكذلك كانت الحكومة الأميركية تضع نفسها عبر سنوات التعامل مع القضية السودانية موضع المتفرج الحاث باتجاه التدويل لتكون مثالاً على عدم رغبة واشنطن في الاستفراد بالملف السوداني من جهة و دليلاً على أن واشنطن تقدم أمامها الأمم المتحدة و مؤسساتها إينما وجدت نزاعاً دولياً يرتقي الى حجم الكوارث الإنسانية و ذلك في تعمية مباشرة على نماذج كثيرة وكانت فيها واشنطن تتصرف بمعزل تام عن السلطة الأممية.

ضعف حزمة المصالح هنا بين واشنطن و الداخل الأفريقي من جهة و بين الدول العربية و الحكومة السودانية من جهة أخرى ساعد على أن تكون طريقة التناول في الإعلام العربي الرسمي و غيره أقرب الى الموضوعية و المهنية مشتركاً في ذلك الرسمي و الاستثماري من الإعلام.

و رب سائل يسأل , إذا كانت هذه المؤشرات على الإتجاه نحو المهنية في الإعلام الاستثماري العربي موجودة فلماذا لم نلمس مثل هذا التوجه في التعامل مع القضية العراقية و على مدى خمسة أعوام من التغيير ؟. إن مجرد ورود هذا التساؤل يدعو الى التفكر الجدي في قضية الاداء الإعلامي العراقي الرسمي أو الحزبي و متبنياته وتأشير غياب المفردة التي يهضمها الشارع العربي و تكون مقبولة من قبل الرجل العامي , هذا من جه , و من جهة أخرى يمكن أن ننحى باللائمة على الاداء السياسي و الدبلوماسي لكل من الحكومة العراقية و الإدارة الأميركية بحيث أن التطور في الإستقلالية العراقية لقراءة الواقع العربي على صعيد الشارع انعكس ايجاباً مباشرة على العلاقة العراقية العربية و من ذلك ما شهدناه مؤخراً من تقارب عراقي عربي رسمي و البدء باعادة فتح السفارات و غيرها.

من هنا يبرز دور الإعلام الرسمي العراقي كمتبن و مساهم حقيقي في قضية تأطير المنجز الحكومي و الديمقراطي بإطار مفهوم عربياً وعليه أولاً الا يخضع لإملاءات الرغبة الهائمة العامة في الشارع العراقي بالانتقام من الأداء العربي السيئ تجاه العراق، على الإعلام الرسمي أن يعمل ببراغماتية محضة بعيدًأ عن طلبات الجمهور المحلي و رغباته الدفينة.

كامل الدلفي : رئيس مركز الان للثقافة الديمقراطية

ان مشاكل السودان هي مثل مشاكل بلدان العالمين العربي والاسلامي وزد على ذلك منطقة العالم الثالث كافة، نابعة من ازمة الحرية تلك الازمة البنيوية والجذرية التى القت بظلالها على سايكلوجيا المنطقة المشار اليها، فهذه المشكلة من النوع القديم جدا بل والضاربة الجذور في التاريخ ، انها تتعدى ظهور الاديان التوحيدية والقوميات، ولو اننا مجبرون ان ننظر اليها بحسب الشكل الذي تتمظهر فيه فتارة تاخذ شكلا دينيا وتارة شكلا قوميا او مختلطاً من كلا الشكلين، الا انها بحقيقتها مظهر اول لأزمة الحرية.

القضية هي جبهة الصراع بين المتناقضات، حول استقرار الحياة وانسيابيتها لكل الانواع البشرية في رقعة جغرافية بغض النظر عن الهوية، وذلك لم يتم ولن يتم بسهولة، قبل عام قرأت كتابا عن الانثربولوجيا لمؤلف سوداني، ذهلت وانا اقرأ حقيقة التوزيع السكاني في السودان، فالعرب يشكلون فقط37 بالمئة من سكان السودان، اذن من اين اتى عمر البشير بكل هذه الاحقية في صهر الاخرين؟

لايمكن لنا فهم المشهد السوداني خارج هذا التقييم، ان البشير شأن صدام وعتاة العرب الحاكمين يخلقون اسبابا وفجوات هائلة للتدخل الدولي في شؤون بلدانهم، لانهم يجعلون انفسهم الطرف الاخر في معادلة الصراع الدولي الجديد فيماوراء حقبة الحرب الباردة، جميعنا يعرف تسيد الولايات المتحدة الاميركية على جبهة الصراع، ولديها ادوات عمل لا تضاهى في السيطرة على مقدرات الكوكب، وبحجج مختلفة منها نشر الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان، كشعار استعلائي يبيد كل من يقف في طريقه (صدام انموذجا) ، العراقيون اصحاب سابقة مع الاعلام العربي منذ حقب والى الان ،فاذا ما عرفنا ان المثقف الحر ظاهرة خيالية في الوطن العربي فلاغرابة في اي موقف يتخذه مثقف او اعلامي عربي في الدفاع عن هذا الديكتاتور او سواه ، لان الاعلام العربي هو كلب الحراسة في باب الاستبداد ولمؤسسة السلطة العربية الممتدة من البحر الى البحر، تفحص موقف الكتاب العرب ماذا ستجد فيه غير الارتماء المطلق في هذه الحاضنة، ان الاعلام العربي هو لوبي عسير وصعب ، يدافع عن اوهامه التاريخية، لابد ان نتذكركعراقيين موقف هذا اللوبي من قضايا العراق واهمها الابادة الجماعية للاكراد والشيعة عقيب انتفاضة اذار1991، ذلك الصمت المبرمج والاسطوري يكاد لاينسى، حينما اصدر كنعان مكية كتابه القسوة والصمت بعد الانتفاضة يصور فيه بطش النظام بالعراقيين وصفه ادونيس بالجاسوس الاميركي.

ومن ذلك نصنع قياساتنا ،فلا غرابة ان يجد الاعلام العربي من البشير مقدمة لمهنيته المضيعة