ماذا وراء الحكم القضائي بحق احتكار حزب الدعوة لاسم «الدعوة»



كتابات - عطاء منهل



أرجو من القارئ أن يصبر علي حتى أبين تحليلي لما يختفي وراء الحكم القضائي لصالح «حزب الدعوة الإسلامية» لاسم «الدعوة»، لأن بداية المقالة تبدو وكأنها سرد لخبر، ليس إلا، ولكن سيتبين للقارئ ما هو مغزى هذا القرار، وما هو رأي كاتب هذه السطور كمطَّلِع على تاريخ حزب الدعوة والكثير من انشطاراته وتفريخاته، دون دعوى معرفة كل التفاصيل، ولكن معرفة القدر الكافي منها ليقدم هذا التفسير لهذا الحكم وانعكاساته المحتملة مستقبلا على الدعوة وعموم تيار الإسلام السياسي الآيل إلى الاحتضار آجلا إلم يكن عاجلا حسبما تفرضه سنن التاريخ أو الديالكتيك التاريخي، وبمشيئة الله تعالى، وبنمو الوعي الديمقراطي لشعبنا العراقي، وتعاضد القوى الوطنية الديمقراطية.



قرأنا اليوم خبرا عن النيوزماتيك نقلا عن المحامي والخبير القانوني طارق حرب الموكل عن «حزب الدعوة الإسلامية» (نوري المالكي) للمرافعة في قضية الدعوى المقامة من قبل الحزب ضد الكيانات السياسية الإسلامية التي تستخدم لفظ «الدعوة» كمفردة من مفردات اسم كيانها السياسي المسجل في المفوضية، مفاده أن الحزب قد كسب الدعوى ضد تلك الأحزاب بعدم السماح لها باستخدام مفردة «الدعوة» في اسمها، مما يترتب عليه إلزام المفوضية بشطب أسماء الأحزاب الأخرى التي تحمل نفس الاسم، والتي ربما لن يكون لها من الوقت ما يكفي لتقديم طلب بتعديل أسمائها. والأحزاب المعنية هي:



- منظمة أنصار الدعوة



- حزب كوادر الدعوة



- تنظيمات أبناء الدعوة



- حزب الدعوة العراقي



وحسبما أشار إليه الخبير القانوني طارق حرب أن القرار الذي أصدرته محكمة التمييز اليوم الأحد، هو قرار قطعي ونهائي ولا يخضع للتمييز أو الاستئناف.



وجاء تعليل الدعوى والحكم الصادر بموجبها على لسان المحامي الموكل من الحزب طارق حرب بالسببين الآتيين:



1. كون جميع الأحزاب المدعى عليها هي أحزاب حديثة العهد، وتأسست خلال السنتين الماضيتين، ما عدا «حزب كوادر الدعوة» الذي لم يتأسس هو الآخر بدوره بمدة أطول بكثير قبل الأحزاب الأخرى، إذ كان تأسيسه قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، وبالتالي فإن «حزب الدعوة الإسلامية» الأمانة العامة (نوري المالكي) هو الأصل، وأن بقية الأحزاب نشأت من بعده.



1. كون هذه التنظيمات تحمل جميعها اسم «الدعوة» من شأنه تضليل الناخب في الانتخابات.



جميع هذه الأحزاب، بما فيها الحزب المدعي والكاسب للدعوى والأحزاب المدعى عليها والمحكوم عليها بالحرمان من استخدام اسم «الدعوة»، وكذلك حزبان آخران هما «حزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق»، و«حركة الدعوة الإسلامية»، كلها هي أحزاب ذات منحى إسلامي، إنما تتفاوت في درجة التشدد والانغلاق، أو درجة المرونة والانفتاح. وقد شهدت مسيرة الحزب في المهجر الكثير من الانقسامات، وحمل أكثر الذين انشقوا عن الحزب نفس الاسم، لأن كلا منهم يدعي تصريحا أو ضمنا أنه هو «الدعوة» الأصل، فكانت أسماء مثل «كوادر الدعوة الإسلامية» ذو المنحى الإسلامي الديمقراطي والذي تحول إلى التيار الإسلامي الديمقراطي، و«حزب الدعوة الإسلامية ولاية الفقيه» (كاظم الحائري – عبد الحميد النجدي – كاظم المقدادي) الذي ولد ميتا، وكان ذا منحى مغال في الولاء لجمهورية إيران الإسلامية، إضافة إلى «الدعوة الإسلامية» بلا عبارة «حزب» قبلها (الشهيد عز الدين سليم/عبد الزهرة عثمان) والذي أصبح اسمه بعد التاسع من نيسان «حركة الدعوة الإسلامية».



قبل تناول الموضوع في التحليل أود أن أشير أنه قد نقل عن الخبير القانوني والمحامي الموكل من المدعي طارق حرب اسم الحزب خطأ بعبارة «حزب الدعوة الإسلامي»، والصحيح هو «حزب الدعوة الإسلامية» بالتاء المربوطة للتأنيث، فـ(«الإسلامية» صفة لـ«الدعوة) وليس صفة لـ«الحزب»، ولا أدري ما إذا كان الخطأ من الخبير القانوني أم من وكالة الأخبار نيوزماتيك.



من جهة صحيح نستطيع أن نقول أن وجود أكثر من حزب يحمل نفس الاسم أو أسماء متشابهة، من شأنه فعلا أن يشوش على الناخب فينتخب حزبا مغايرا لما يريد، لاسيما في مجتمع كمجتعنا انخفض فيه مستوى التعليم بسبب الحروب وفترة الحصار والعنف وهيمنة القوى الراديكالية، ولكن أن يكون اشتمال اسم الحزب على مفردة مشتركة واحدة فقط كمفردة «الدعوة» كافيا للقول أن الأسماء متشابهة إلى درجة أن يكون احتمال حصول اللبس واردا بدرجة تبرر لإصدار هكذا قرار قضائي، فلا أظنه من الناحية القانونية يستند إلى دليل متين، وإن كان من الناحية الواقعية الاجتماعية لا يخلو من صحة.



لكن ألا يجعلنا هذا نتساءل ما إذا كان هذا لا ينطبق أيضا على مفردات تتكرر كثيرا في أسماء عدد غير قليل من الأحزاب العراقية، كمفردة «الوطني»، «الديمقراطي»، «الإصلاح» وغيرها؟ بل إن هناك من الأحزب ما تتشابه أسماؤها بدرجة كبيرة تقترب من التطابق، فكلها تحمل على سبيل المثال اللفظ المركب «الوطني الديمقراطي»، إذ نجد أمامنا من الأسماء المعروفة على أقل تقدير:



- الحزب الوطني الديمقراطي



- الحزب الوطني الديمقراطي الأول



- التحالف الوطني الديمقراطي



- وكان هناك بالنية اختيار اسم «التجمع الوطني الديمقراطي» لكيان سياسي يراد الإعلان عن تأسيسه، إلا إن المؤسسين رجحوا اسما آخر.



في تصوري إن الذي دعا حزب الدعوة إلى إقامة هذه الدعوى ما يشير إلى قوته من جهة، وما يشير إلى ضعفه من جهة أخرى. من مؤشرات القوة هو أن الحزب يشعر بعدما كان حضوره ضعيفا في الشارع العراقي نسبة إلى حضور الأحزاب الإسلامية الأكثر تشددا أو قل تطرفا منه كالتيار والمجلس، بعدما انحسر التيار بشكل ملحوظ وغدا المجلس مكروها في أوساط واسعة، أنه يشعر أنه استطاع أن يكسب قدرا أكبر من الشعبية بحكم ما حققه رئيس وزرائه نوري المالكي من نجاحات على الصعيد الأمني، وخاصة بعد تخليص الكثير من مناطق العراق كمدينة الثورة والبصرة من عبث التيار الصدري وأحزاب إسلامية متطرفة أخرى، وهذا ما يجعله يعول على اسم الحزب الذي ارتبط بنجاحات رئيس وزرائه المالكي في الآونة الأخيرة. ولكن من مؤشرات الضعف، وما يؤشر إلى عدم احتماله الحصول على أصوات كافية، لاسيما وإنه سيخوض الانتخابات بدون المجلس، مما يجعله يخاف حتى من انخفاض عدد الأصوات التي سيحصل عليها، ولو من جراء خطأ ضعيف الاحتمال بذهاب بعض الأصوات سهوا لأحزاب مشابهة له بالاسم، وإلا فلماذا الخوف من أحزاب صغيرة، والمؤشر الثاني على ضعفه أو على عدم حكمته التي عودنا حزب الدعوة عليها بقراراته، وهو إنه أبقى على تحالفه مع «حزب الدعوة تنظيم العراق». أقول إنه مؤشر ضعف، لأن حزب الدعوة غير منسجم مع حزب الدعوة تنظيم العراق، وهو في درجة من التنافر معه ليس بأقل تنافرا منه مع المجلس الأعلى، ومع هذا بقي مع هذا الحزب البائس والمتخلف رغم هذا التنافر بينهما، لأنه عاجز عن أن ينزل لوحده إلى ساحة المباراة الانتخابية. ولكن في نفس الوقت أقول لعل هذا يعتبر مؤشر غياب للحكمة أكثر منه مؤشر ضعف، لأن هذا التنسيق الانتخابي بينه وبين تنظيم العراق من المحتمل أن يقلل من الفرص الانتخابية للحزب بسبب أن الدعوة تنظيم العراق وبشهادة الكثير من أفراد حزب الدعوة مكروه شعبيا في معظم محافظات الوسط والجنوب. ولذا كان الأجدر بالحزب أن ينزل لوحده، أو أن ينسق مع «حركة الدعوة الإسلامية» باعتباره التنظيم الأكثر اعتدالا وعقلانية من «حزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق»، برموزه غير المحبوبة شعبيا (عبد الكريم العنزي، خضير الخزاعي، عبد الفلاح السوداني).





أما لماذا لم يشمل حزب الدعوة في دعواه القضائية كيانين سياسيين يحملان اسم «الدعوة»، هما «حزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق» المشار إليه آنفا، و«حركة الدعوة الإسلامية»، فبالنسبة للأول فقد ذكر ذلك المحامي الموكل من الحزب طارق حرب بسبب وجود تنسيق سياسي وانتخابي بين «الدعوة» و«الدعوة تنظيم العراق». أما لماذا لم تذكر «حركة الدعوة الإسلامية»، فربما لأنه من الصعب إثبات أنه حزب حديث النشأة، لأن هذا الحزب (الحركة) يمكن أن يثبت أنه هو الأصل، لاسيما وإنه ينتسب إلى قائد الحزب يوم اتخذ الحزب قرارا بالهجرة، ألا هو الشهيد عبد الهادي السبيتي. ولكن في نفس الوقت ربما أرجأ الحزب بقيادة المالكي دخول النزاع القضائي لحين استغنائه عن «حزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق»، ليقيم في مرحلة مقبلة دعوى ضد كلا التنظيمين الحاملين لاسم «الدعوة»، ألا هما «تنظيم العراق» و«حركة الدعوة» وذلك لنفس السبب الذي كسب به دعوته ضد أحزاب الدعوة الصغيرة المذكورة هذه المرة. وعندما يكون قد أخلى المشهد السياسي العراقي من كيانات متسمية باسم «الدعوة» وهيأ الأجواء إلى التحول الذي تنقل بعض الأوساط إن المالكي يخطط له، سيغير اسمه، ولو بالاحتفاظ بمفردة الدعوة، ولكن بعد تجريدها من البعد الديني، كأن يكون اسمه الجديد «حزب الدعوة الوطنية»، بمعنى أن تكون دعوته وطنية في مقابل الدعوات الطائفية والعرقية.



ولكن لنتساءل لماذا يحرص حزب الدعوة أصلا على احتكار اسم «الدعوة»، في الوقت الذي ينتظر منه أن يعيد النظر في اسمه هذا، لأنه كما يعي الكثيرون من داخل الحزب لم يعد الاسم المناسب، كون «الدعوة» مصطلحا دينيا، والتسمّي به يناسب مؤسسة للوعظ والإرشاد الديني، ولا تناسب حزبا سياسيا، فأين هذا من أخبار الرغبة في التحول إلى حزب علماني كما تشيع بعض الأوساط القريبة من المالكي، بعدما شخصوا أن تيار الإسلام السياسي قد أفلس، وما عليه إلا الإقرار بهذا الإفلاس بحل الأحزاب الدينية أو تحولها إلى أحزاب مدنية، وإن كان التحول لن يكون إلا عبارة عن عمليات تجميل في تصغير الأنف ونفخ الشفتين دون تغيير المحتوى إلا بشكل محدود ومحدود جدا.



جوابا على هذا السؤال أقول لعل الحزب ما زال في هذه المرحلة محتاجا إلى اسم الحزب لاسيما بعدما ارتبط بالنجاحات الأمنية للمالكي، إضافة إلى ارتباطه باسم الشهيد محمد باقر الصدر وقوافل الشهداء الذين لم يكن الحزب وفيا لهم ولعوائلهم. ثم إذا ما حقق الحزب ثمة نجاح يذكر في الانتخابات القادمة سيعمد ربما إلى عقد مؤتمر عام يعلن فيه تغيير اسمه إلى اسم مدني ينسجم أكثر مع هذه المرحلة ومضفيا بعض المساحيق الديمقراطية والمدنية على نظامه الداخلي، ولكن ستكون عمليات التجميل هذه على الأغلب بعد فوات الأوان وبالتالي غير مجدية.



وشخصيا لو سئلت هل أتمنى لحزب الدعوة الفشل في الانتخابات القادمة أم أتمنى له النجاح، فأقول أتمناهما كلاهما؛ أتمنى للشعب العراقي أن يفشل حزب الدعوة كجزء من فشل عموم أحزاب الإسلام السياسي لصالح القوى الوطنية الديمقراطية، هذا من جهة، ولكني أتمنى له الفوز الانتخابي النسبي من جهة أخرى، وذلك عندما يتعلق الأمر بالتنافس الداخلي بين أحزاب الإسلام السياسي الشيعية، أي بالخصوص أتمنى له الفوز في مقابل المجلس الأعلى الأكثر تشددا وأكثر خطورة على المشروع الوطني وعلى عملية التحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية الدستورية.



ataa.manhal@yahoo.com