![]()
حديقة الحيوانات في بغداد: اي مصير ينتظرها في ظل الانهيار الأمني؟
لاهاي - صلاح حسن الحياة - 12/02/07//
ما زلت أتذكر أول زيارة لي إلى حديقة الحيوانات في بغداد، كان ذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً. الشيء الوحيد الذي لا يمكنني نسيانه هو الأسد الذي كنت أراه للمرة الأولى على مسافة ثلاثة أمتار لا أكثر. تشاء الصدف إن يكون المسؤول عن قفص الأسد موجوداً لتقديم الطعام، فسألته إن كان ثمة علاقة ما بينه وبين الأسد، فأجاب نعم، وأضاف: «ان هذا الأسد يفهم العربية واسمه سامي». لم أصدق ما قاله الرجل وكان هو يشعر بذلك، وقبل ان اطلب منه ان يقدم لي الدليل على ذلك اقترب من الأسد وناداه «سامي... ازأر... ازأر» في هذه الاثناء بدأ الأسد بالزئير الخفيف وبعد قليل أصبح صوت زئيره يسمع في معظم مناطق بغداد القريبة من حديقة الزوراء.
في اليوم التالي أخبرت كل من أعرفه بقصة الأسد، بطبيعة الحال لم يكن هناك من يصدق هذه القصة. لكنني في النهاية اقنعت عدداً من الاصدقاء وقررنا ان نزور حديقة الحيوانات كي اثبت لهم ذلك. ذهبنا مباشرة إلى قفص الأسد واقتربت من السياج الحديدي في مواجهة «سامي» وصحت به بصوت مخنوق: «سامي... ازأر... ازأر» وبالفعل بدأ سامي بالزئير وارتفع صوته في كل مكان وأخذت اللبوة التي تشاركه القفص بالزئير ايضا فأصبح الضجيج لا يطاق، ثم لذنا بالفرار خوفاً من قدوم الحراس.
كيف نشأت الحديقة
انشئت حديقة الزوراء في عام 1973 على مساحة تقدر بثمانية وثمانين الف متر مربع وكانت تحتوي على 516 نوعاً من الحيوانات المختلفة بالإضافة إلى الحيوانات المحلية والطيور والاسماك، حيث عدّت في ذلك الوقت من اأبر الحدائق في منطقة الشرق الأوسط . ومنذ الأيام الاولى لافتتاحها بدأت الحديقة تستقبل آلاف العوائل يومياً لأنها اكبر مساحة خضراء في العراق وحققت ارباحاً لا يستهان بها. وبعد أقل من سنة بدأ الناس يطلقون عليها اسم «حديقة العشاق» نظرا الى العدد الهائل من الشبان والفتيات الذين أصبحوا يلتقون هناك. لكن تلك اللقاءات العاطفية لم تستمر طويلاً بسبب انتشار رجال الامن وشرطة الآداب.
بدأ الإهمال يصيب الحديقة بعد نشوب الحرب العراقية - الايرانية التي استمرت ثماني سنـــوات دامية، فلم تــعد العوائل تذهب إلى هناك وأغلب الشبان سيقوا إلى الحرب. عدد الحيوانات أخذ يتناقص أيضا بسبب توقف الاستيراد وانعدام الرعاية وقلة الخبرات والمعدات والأدوية. وقد خسرت الحديقة أنواعاً نادرة من الحيوانات لا يمكن تعويضها.
إلا إن المأساة الحقيقية حصلت بعد دخول القوات الاميركية إلى بغداد وسقوط نظام صدام حسين، إذ تقع الحديقة إلى جانب المنطقة الخضراء التي تحولت إلى ساحة حرب وتعرضت إلى قصف مباشر لان القوات العراقية كانت متمركزة فيها. ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد، فقد اندلعت عمليات السلب والنهب التي طالت كل دوائر الدولة المنهارة، بما فيها الحيوانات الأليفة في حين تركت الحيوانات المفترسة بلا ماء أو طعام لمدة ثلاثة ايام. واقدم الجنود الاميركيون على قتل بعض الحيوانات المفترسة التي تحررت من اقفاصها بسبب القصف والتدمير، لم يبق في الحديقة سوى نمرين وثلاثة اسود ودبين وذئب وقط بري وبعض الخنازير التي قام المشرفون على الحديقة بقتلها وتقديمها طعاما إلى الحيوانات المفترسة.
احد الصحافيين العراقيين جازف بحياته واجتاز الأسلاك الشائكة التي وضعتها القوات الاميركية ودخل الحديقة وقام بإقناع هذه القوات بضرورة نشر صور للحديقة المتضررة من اجل الحصول على مساعدات. وبالفعل أطلق مناشدة دولية نجحت بالحصول على اول شحنة مساعدات تصل من دولة الكويت تحتوي على أطعمة وأدوية، بعدها توالت المساعدات وحضر خبراء حدائق من بعض الدول لتقديم المساعدة.
أسود ونمور في القصور الرئاسية
عدي، النجل الأكبر لصدام حسين، كان يملك عدداً كبيراً من النمور والاسود ومزرعة كبيرة للخيول الاصيلة الباهظة الثمن. وكانت لديه نمرة عزيزة على قلبه اسمها سحر يصطحبها معه في سيارته الفاخرة ذات السقف المكشوف إلى أحياء راقية في بغداد مثل المنصور وكرادة مريم ويقودها بسلسلة من الذهب إلى المطاعم حيث يتعشيان سوياً وسط رعب العراقيين الذين يفرون مذعورين عند رؤية النمرة المدللة. وقد وجد في قصره ثلاثة اسود وتسعة اشبال وثلاث نعامات افريقية وبعض الدببة وقرد نادر وبجع وقطط برية وكلاب متوحشة نقلها الأميركيون كلها إلى حديقة الحيوانات ومن ضمنها النمرة المدللة. أما الخيول الجميلة الباهظة الثمن فقد كان عددها سبعين حصاناً من اجمل الخيول العربية الاصيلة سرق أغلبها اثناء الحرب ولم يتبق منها سوى ستة عشر حصاناً تقف اليوم في العراء لعدم توفر اصطبلات في حديقة الحيوانات.
افتتاح الحديقة من جديد
بعد النداءات الكثيرة التي أطلقها العراق من اجل إعادة ترميم الحديقة، استجابت مجموعة من المنظمات العالمية، ووصلت مساعدات ومعدات وأدوية من جنوب افريقيا وبريطانيا وكندا وبعض الدول العربية. وبنى المشرفون على الحديقة أقفاصاً جديدة من الاقفاص ورمموا القديم منها لاستيعاب حيوانات جديدة تبرع بها بعض الدول والمنظمات كهدايا. وبعد شهور طويلة من العمل الشاق افتتحت الحديقة من جديد وقام تيد موريس ممثل بريمر بحضور جمهور غفير بقص الشريط وسط اجراءات أمنية مشددة انتشر فيها جنود المارينز حول الحديقة. وعندما انتقلت السلطة إلى العراقيين تولت بلدية بغداد الإشراف على الحديقة وخصصت مبالغ كبيرة لشراء حيوانات وطيور جديد ولزراعة المزيد من الاشجار وترميم المباني التابعة لها وتوفير كوادر كفوءة للاهتمام بالحيوانات.
سوء الاحوال الامنية في بغداد هو السبب الوحيد الذي يمنع الناس من الذهاب إلى الحديقة التي عادة ما تمتلئ بالزوار أيام العطل والأعياد ومواسم الامتحانات على رغم أنها مؤمنة الآن بشكل كامل. الموسم الوحيد الذي يقل فيه عدد الزوار هو فصل الصيف بسبب ارتفاع الحرارة إلى درجات تفوق الخمسين درجة. يشكل الأطفال ثمانين في المئة من الزوار، ورؤية الحيوانات بالنسبة إليهم متعة حقيقية وانبهار لذيذ لا يوصف، اذ تقوم المدارس الابتدائية والمتوسطة بتنظيم رحلات منظمة للحديقة.
محمية طبيعية
بعد صدور قانون الاستثمار الجديد في العراق سيتم شمول الحديقة بجانب كبير من المشاريع الاستثمارية. وهناك شركات عربية قررت الاستثمار في هذا المشروع من اجل إنشاء غابات بغداد وحديقة خاصة تطلق فيها الحيوانات من الأقفاص لتعيش بحرية على غرار حدائق الحيوان في أوروبا. وتقدمت شركة إماراتية بمشروع إنشاء غابات استوائية مخصصة لطيور من البيئة ذاتها ولا حاجة لوضعها في الأقفاص لأنها لن تغادر هذه البيئة التي تتمتع بالحماية ووفرة الطعام والدفء. توجد في العراق إمكانات كبيرة لنجاح مثل هذه المشاريع، لكن لا احد يعرف متى سيبدأ العمل بها، خصوصاً والاحتلال الاميركي ما زال قائماً والحرب الأهلية على الأبواب والإرهاب في كل مكان!