السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
للحياة والموت شرائعهما الخاصة لكل واحدة منهما وأيضا رجالاتهما , لا يمس كل من الشرائع والرجال ظلم وبغي النسيان مهما طغى وتجبر وبنى دولا وأمست الشمس تشرق وتمسي على أرضه , فللحياة قوانينها وشرائعها السامية الهادفة إلى إحياء اليابسة وتعميرها أينما وجدت أنواع النفوس " لها " واستقرت عليها , حتى بذل المجتهدون وشمر أهل التقوى والزهد عن سواعدهم السمر والبيضاء وسهروا الليل وأقاموا النهار بالعمل الصالح , دون أن يكون للعرق واللغة بصمة نملة في تخريب بناء الحياة واستمرارها لكل البشر والمخلوقات الأخرى أو سبيلا لخرق هذه الوحدة المتماسكة روحيا مع بعضهم البعض .
إن لكل مخلوق على وجه البرية عقيدة متسامية وغاية في الروعة , قد اشتركت في صياغتها أساليب مختلفة جديرة بالاحترام والتقدير والولاء لكل واحدة منها والى درجة التقديس وتتجاوز إلى درجة العبادة لبعض منها .
لقد كان الإنسان والسماء الدور البناء والمشترك وأحيانا دورا أحاديا في تقرير العقيدة الملائمة للعصور التاريخية المتعاقبة على وجود الحياة على كوكب الأرض , وهذا الدور الأحادي أو المشترك له أيضا الدور الفعال والممدوح في وضع عقائد قتل النفس دون تعرض المصدرين إلى الانتقاد أو الانتقاص من شرفيتهما أو وضعهما موضع السخرية , بل إنهما الاثنان مندوبان إلى أحقية المدح والثناء الجميل بل والدعوة إلى اعتناق أي احد منهما .
إن موضوع " عقيدة قتل النفس " قد يبدو غريبا............!, ولعل التساؤل الحاصل : هل هناك شريعة محددة أو عقائد تدعو إلى قتل النفس ؟ ! .
الجواب : نعم !!! وبكل تأكيد إن هناك عقائد قتل إلى حد الإشباع !! .
ولكن الفرق بين هذه العقائد السامية " قتل النفس " المعروفة عالميا إنها تختلف عن عقائد الحياة السامية , وهذه الاختلافات كبيرة وواضحة لا التباس فيها ...
أولهما : فيما يتعلق بالزمن .
عقائد وجود الحياة تبدأ وتنمو وتتغير في أحكامها " فطرة أو تعلم " من ولادة الإنسان " الطفل " حتى غيابه عنها , أما من خلال الموت الطبيعي أو بفعل ممارسة الاعتقاد بأحد عقائد قتل النفس السامية , ومن هذا المثال البسيط يمكن أن نصل إلى نتيجة مؤداها إن شرائع قتل النفس ذات زمان محدود على غير عادة العقائد الحياتية التي تتصف بأنها دائمية رغم تداخل شريعة القتل وأخذ بعض الزمن منها لإحلالها محلها , وهذا " الاحتلال " لا يلحق الضرر في العقيدة الأصلية ولا يمكن لأحد أن يصف العقيدة الأصلية " الحياتية " إنها عقيدة من عقائد الموت .
ثانيا : فيما يتعلق بالمكان .
إن عقائد الحياة عقائد قارية بل لها القدرة على استيعاب جميع قارات العالم البشري سواء مجتمعا أو متفرقا " مكانيا " , بيد إن أي من عقائد الحياة لها القوة والقدرة الاستيعابية لكل سكان الأرض بشرط الرضا تجاهها وتفهم سننها وقوانينها , أما شرائع قتل النفس فإنها محدودة مكانيا جدا , وإذا حدثت وشملت العالم بأسره فهذه من النوادر وان حصلت .
هناك ثلاثة شرائع تبيح القتل , تبيح قتل النفس , تتيه بين شرائعها نداء الرحمة ... تضيع بين ضجيجها رقة القلوب .. تتهاوى الإنسانية مثل قطر السراب ... حرقة الظمأ وألم العذابات من سننها ... لكن هذه الشرائع الثلاث من غريبها إنها لا توجد علاقة تربط فيما بينهما , والمهم في أمرها إنها تبيح قتل النفس بلا ذم أو عتاب .
أعتقد إن الكثير يتعجب لهذا الحديث إن هناك ثلاثة شرائع تبيح قتل النفس سواء من الإنسان أو الحيوان , ولكنها حقيقة قائمة لا مناص من إنكارها وحقيقتها دعوة قتل للإنسان والحيوان معا . إذن لنعلم ما هي تلك الشرائع والنظر فيها فيما لو اعتنقها البعض أو يحاول اعتناقها , ولكن قبل الاعتناق والتصديق بها أجد إن تلك الشرائع صعبة للغاية لا يمكن لأحد أن يعتنقها ويؤدي فرائضها وطقوسها إلا ببذل غاية الجهد وبذل الغالي والنفيس وهي كما يلي :
الشريعة الأولى : إن الشريعة الأولى التي تبيح قتل الإنسان هي شريعة إنسانية لا تحمل القاتل أي ذنب أو أي ملاحقة قانونية وبأي شكل من الإشكال , بل يعتبر بريء وان قتل ألف من البشر !!, بل إن هذه الشريعة لها أدبيات وأخلاقيات وقوانين رائعة جدا قد تكرم بعض القتلة وتعطيهم أمتياز خاص لا يرتقون به من خلال أي عقيدة أو شريعة تحرم القتل , وهذا التكريم هو تقليد القتلة أوسمة البطولة والشجاعة , بل حتى إن البشر جميعا على اختلاف دياناتهم وقومياتهم ولغاتهم يؤيدون ذلك التكريم الذي يستحقه " القاتل " بل لا يسمى قاتلا بل يدعى " بطل " وقد يكرم هذا البطل من شعب آخر لأجل شجاعته البطولية والتي لا عيب فيها من قتل الناس وان كان القتل على شكل جماعي .
إن هذه هي الشريعة الأولى التي تبيح قتل الإنسان في ظرف خاص ولها مناسبة واحدة وليس مناسبات , لها أرض تحدد سلفا من أجل أقامة طقوسها ... إنها بلا شك شريعة الحرب .
شريعة الحرب ضد شريعة السلم , ولكن لها سنن خاصة ومحددة جدا لا يمكن لأحد أستغلالها والادعاء إن القتل الذي مارسه هو انتمائه إلى شريعة الحرب .
وبأختصار شديد فإن أول قانون من شريعة الحرب يجب أن يكون القتل تحت الأسنة والحراب قديما , حيث تتخالط وتتشابك الأيدي والاسنه مع بعضها وتتنازع الأقدام لمواقعها حتى يصبح الجمع لا يعرفون من المدافع والمهاجم , وحديثا تحت صوت المدافع وهدير الطائرات وأزيز الرصاص , رجل مقابل رجل أو رهط من الرجال أمام آخرين , والنتيجة تحت تلك الظروف الاستثنائية هي القتل بلا هوادة أو رحمة .
أما القانون الثاني من شريعة الحرب إنها تحقن دماء " الأسير والمغرر به والأعزل عن السلاح " خلال ممارسة طقوسها وما بعد ذلك أيضا . القانون الثالث من شريعة الحرب ورغم وحشيتها إلا إنها نهت عن التمثيل بجثث الموتى ومهما كانت نتائج الحرب .
وأما القانون الرابع وهو يتعلق ما بعد وقف الطقوس الدينية وهو عقد معاهدة الصلح والسلم وإعادة كل الأسرى والذين لجأوا لأسباب مختلفة دون التعرض إليهم , وإعادة رفات الجنود الذين ضحوا بحياتهم إلى ذويهم أثناء أداء القداس . وبعد ذلك يكون القتل محرما ويعتبر ذلك من الأعمال الخارجة عن الأخلاق بل وتعتبر القائمين بذلك أعمال جبانة لا تعد أعمالا رجولية أو بطولية لحد التشهير بالقائمين بهذه الأعمال وهي بحد ذاتها خروجا على تعاليم عقيدة الحرب .
مهما كانت نتائج الحرب وأسبابها وما يرافق أيامها , فإنه ليس هناك جيش منتصر أو جيش مهزوم , فان المنطوين تحت اللواءين يريد كل واحد منهما إيقاع أفدح الخسائر بالآخر حيث لم يبخل أي احد منهم بجهد دون أن سيره في سبيل نجاح هذا الكرنفال الديني , حتى قيل عن الحرب إنها " خدعة " , وهذا يعني ليس لها حقيقة ثابتة .
أما الشريعة الثانية والتي تبيح قتل النفس فهي شريعة هجينه مزيج من نتائج حلول شرائع أخرى , إنها مجموعة من السنن المختلفة الغير متقاربة مع بعضها , إنها شريعة القصاص وهي أرق من أختها شريعة الحرب حيث تخلو من قداس القتل الجماعي ولكنها نتاج من عمل خطأ او مقصود أدى الى اعتناق هذه العقيدة , إنها عقيدة " العين بالعين والسن بالسن والنفس بالنفس " ولكن من يعفو ويصفح هو رهبان وقديس وشيخ العقيدة , وليس إلى هذا الحد فهذه العقيدة تعطي مزيجا رائعا من الكرم في مجال الشكر والفضل والعرفان ليس من أحتكار الأربعة الواردة صفاتهم آنفا بل يصيب آخرين لم يفقدوا عينا أو سنا أو نفسا , ألا وهم القائمين بعقد اتفاقية الصلح والوصول إلى نتائج توافقية وترضية بين الطرفين المتنازعين وحسب تعاليم ووصايا العقيدة , حتى إن العقيدة " القصاص " وعدت هؤلاء بالشرفية في دنياهم وان تكون أخبارهم قصصا رائعة تتناقلها الأجيال جيل بعد جيل وديارهم يقصدها كل ذي حاجة من شؤون الدنيا ومحط رحال المتخاصمين لدفن خصومتهم تحت بساط النسيان والبدء بحياة ومعاشرة جديدة يسودها الود والتعاون والتفاهم وحتى قيل في هذا المجال " بعد كل خصام مودة " .
الشريعة الثالثة : هي شريعة الغابة وأبطالها من الحيوانات , ورغم ذلك فإنها ليس فيها من شريعة القصاص أو الحرب من خصال , فهي شريعة من أجل البقاء , تمارسه الغابة مع مخلوقاتها ليس من أجل تبديد حياة سكانها بل هي حاجة خاصة .
لنا الحق أن نتساءل الآن ! على أي عقيدة يقتل أبناء العراق ؟
إن العقائد الثلاث ترفض أن يكون " الخطف والتفجيرات الانتحارية وقتل الأطفال واغتصاب النساء " من ضمن طقوسها الدينية , ولا أعلم إن كانت هناك شريعة تدعو إلى ذلك .
إن منفذي العمليات الإرهابية لا يمتون بصلة إلى الروح الإنسانية فقد مسخت عقولهم وأرواحهم قبل أبدانهم , وأمسى هؤلاء يحملون عقول الثعالب وأرواحا ملئها الأحقاد والمقت والضغينة , دخلوا إلى العراق أسراب وجماعات , بعد أن ملئوا شوارع مدنهم بالأمس وتكاثرهم سفاحا بلا هوية , فارادوا ان يغيروا مجرى التاريخ بلغة الاجرام والقتل والاغتصاب والاعتداء من خلال الاعمال الإرهابية التي لا يخشون بها لا العباد ولا رب السماء .