يوم الغدير .. ذكرى تنصيب الحاكم الاول الشرعي للمسلمين
عبدالرضا الوائلي


اعتاد البشر على سنن فطرية عقلية ، منها الخلافة او النيابة عندما يرحل القائد اوالرئيس اوالشيخ لقبيلة او لعشيرة اولمجموعة وحتى الدول التي سبقت عصرظهور الاسلام كانت ايضا تعمل بنظام الخلافة ويسمى عندهم نظام توريث الحكم لمن يخلف الملك او الرئيس وهكذا....

وعندما جاء الاسلام لم يلغ السنن الفطرية التي لاتتعارض مع الشريعة السمحاء، وانما جاء من اجل تقويم هذه السنن ، واذا اعدنا النظر في مبدأ النيابة نجد هذا المبدأ ايضا له قوانين وطرق يجب مراعتها على سبيل المثال اذا كان ابن الشيخ او الملك غير مؤهل عملياً – يعني غير قادر- ليس له الحق ان يخلف اباه في قيادة العشيرة او يحكم المملكة او الدولة لانه ببساطة لايتمكن من ادارة هذه المهمة ، هذا يعني ان النيابة منصب حساس ومهم ، ويجب على المتصدي لهذا المنصب ان يكون قدر المسؤولية والاهلية ، حتى في عصرنا هذا في الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية تعمل بنظام النيابة سواء كانت رئاسية او برلمانية ، اذاً العقل والعرف يقر هذا المبدأ ، وهنا نسأل لمن ينكر ولاية الامام علي (ع) من بعد النبي هل الرسول (ص) غفل عن هذا الامر !؟ بحيث يترك امة كاملة حديثة العهد بالاسلام من غير ان يولي امرها الى شخص مؤهل قيادياً فضلاً عن المقام الذي يتمتع به هذا الشخص لدى الله والرسول !؟ .

وهل يعقل من النبي الاكرم الحكيم (ص) ان يترك هذه الامة من بعده في متاهة وحيرة من امرها ؟ بحيث كل طائفة تجتهد وتفعل برأيها ، اين الرسول من سيرة الانبياء والرسل وهو العالم باحوالهم وافعالهم كنبي الله موسى (ع) عندما ذهب لميقات ربه خلف اخاه هارون(ع) على قومه وهي فترة زمنية قصيرة ، فكيف برسول يرحل عن امة بجسده ولم يرجع لها !، هل من المنطقي أن هذا الرسول (ص) لايخلف عليها من هو قدر المسؤولية والمنصب!؟ كثيرة هي الاسئلة التي تدعم فعل النبي بتنصيبه خليفة من بعده ، وكثيرة ايضا هي الاسئلة التي تفند وتدحض مقولة القوم بعدم التنصيب ، والسؤال هنا لماذا هذا الانكار من قبل الاخرين بولاية الامام علي (ع) بعد الرسول(ص) ولمصلحة من هذه الامة اختلفت من بعد الرسول؟ والجواب : دوافع عديدة تقف وراء هذا الاختلاف وعلى المهتم والباحث ان يبحث بنفسه ليجد الاسباب، اعتقد هذا الامر يتطلب شجاعة ادبية فكرية من الباحث.

يوم الغدير هو يوم المسلمين جميعا وليس للشيعة فقط ، هذا اليوم الرسول (ص) نصب فيه الامام علي(ع)على المسلمين حاكماً من بعده ، فهو يوم انتقال السلطة الشرعية ، وهويوم الاعلان الرسمي من قبل الحاكم الفعلي لهذه الامة آنذاك بولي عهده المفترض .

كثيرة هي النصوص التي تصرح بتنصيب الامام علي (ع) حاكماً على المسلمين ،هذه النصوص ذكرت في كتب العامة والخاصة . لعل البعض يتوهم ان يوم الغدير هو مختص بالشيعة فقط ، وهو كذلك هو يوم الشيعة ولكن من الناحية العملية واما من الناحية العلمية والشرعية هو يوم المسلمين اجمعين ،ربما البعض يرفض كلامنا جملة وتفصيلا وهو محق كونه ينطلق من معتقد لايتفق مع نظرية الشيعة واعتقادهم ، وهؤلاء يتصورون ان المذهب الشيعي مذهب صنع بارادة خارجية ليست اسلامية عربية ، كما حالنا اليوم البعض يتصور التشيع نشأ وانتشر من دولة ايران الشيعية ، وهذه مغالطة تاريخية واضحة ، وانما الصحيح التشيع نشأ في عصر الرسول (ص) وفي حياته الشريفة ، كما هو منصوص في كتب السيرة والتاريخ المعتبرة ، وبالتالي مقولة الاخرين سوف تتعرى وتنفضح امام النص او الدليل النقلي والعقلي . من الافضل ان نذكر بعض النصوص التي تثبت نشأة التشيع في عصر النبي (ص) قبل ذكر بعض النصوص الواردة في يوم الغدير.

متى نشأ التشيع ؟

كتب اكثر من كاتب وباحث في هذا الموضوع وقد اشبعوا وابدعوا في كتاباتهم لهذا الموضوع واعطوا حقه العلمي ، منهم السيد الشهيد الصدرالاول في كتابه نشأة التشيع والشيعة ، والمرحوم الشيخ احمد الوائلي في كتابه هوية التشيع ، وغيرهم من الاعلام الذين كتبوا ودافعوا عن المذهب الشيعي ، واكتفي هنا بذكربعض النصوص بعيداً عن التنظير والتسطير.

النصوص:

1- ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة النبي بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي ( ص) فأقبل علي ( ع ) فقال النبي ( ص ) : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة : فنزل قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) . الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 376 .

2- أخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) قال النبي ( ص ) لعلي ( ع ) هم أنت وشيعتك .نفس المصدر السابق.

3- روى ابن حجر في صواعقه عن أم سلمة:كانت ليلتي،و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم عندي فأتته فاطمة فتبعها علي رضي الله عنهما فقال النبي:«يا علي أنت و أصحابك في الجنة،أنت و شيعتك في الجنة».الصواعق 161 طبع كلية القاهرة.

ويوجد الكثير من النصوص والروايات التي تنص وتدلل على نشوء التشيع كانت في عهد الرسول (ص) ونكتفي بهذا المقدار من عرض النصوص المذكورة اعلاه.

نصوص يوم الغدير:

1- الحافظ أبو نعيم الأصبهاني المتوفى ( 430 ).روى‏ في كتابه ما نزل من القرآن في عليّ قال :

حدّثنا محمد بن أحمد بن عليّ بن مخلد المحتسب ، المتوفّى‏ ( 357 ) ، قال : حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدّثني يحيى الحِمّاني ، قال : حدّثني قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخُدري رضى الله عنه :أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى‏ عليٍّ في غدير خُمّ وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقُمّ ، وذلك يوم الخميس ، فدعا عليّاً ، فأخذ بضَبعيه ، فرفعهما حتى‏ نظر الناس إلى‏ بياض إبطي رسول اللَّه ، ثمّ لم يتفرّقوا حتى‏ نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) الآية ..

2- الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفى ( 463) روى‏ في تاريخه ( 8/290 ) عن عبداللَّه بن عليّ بن محمد بن بشران ، عن الحافظ عليّ بن عمر الدارقطني ، عن حبشون الخلّال ، عن عليّ بن سعيد الرملي ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الورّاق ، عن ابن حوشب ، عن أبي‏هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . وعن أحمد بن عبداللَّه النيري ، عن عليِّ بن سعيد ، عن ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن مطر ، عن ابن حوشب ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال « من صام يوم الثامن عشَرَ من ذي الحجّة كُتب له صيام ستّين شهراً » ، وهو يوم غدير خُمّ لمّا أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيد عليّ بن أبي طالب ، فقال : « ألستُ أولى‏ بالمؤمنين ؟

قالوا : بلى‏ يا رسول اللَّه .

قال : من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » .فقال عمر بن الخطّاب : بخٍ بخٍ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى‏ كلِّ مسلم . فأنزل اللَّه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) الآية .

3- أخطب الخطباء الخوارزمي المتوفى ( 568 ) قال في المناقب ( ص‏80 ) : أخبرنا سيّد الحفّاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إليّ من همدان ، أخبرني أبو الفتح عبدوس بن عبداللَّه بن عبدوس الهمداني كتابةً أخبرني الشريف أبو طالب المفضّل بن محمد الجعفري بأصبهان ، أخبرني الحافظ أبو بكر بن مردويه إجازة ، حدّثني جدّي‏، حدّثني‏عبداللَّه بن إسحاق البغوي ، حدّثني الحسن بن عليل الغنوي ، حدّثني محمد بن عبدالرحمن الزرّاع ، حدّثني قيس بن حفص ، حدّثني عليّ بن الحسن العبدي ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخُدري أنَّه قال :إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم دعا الناس إلى‏ غدير خُمّ أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمَّ ، وذلك يوم الخميس ، ثمّ دعا الناس إلى‏ عليٍّ ، فأخذ بضَبْعه ، فرفعها حتى‏ نظر الناس إلى‏ إبطيه ، حتى‏ نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) الآية .

4- الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 في تفسيره ج 3 ص 428 ، قال بعد ذكر حديث الغدير : فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب ؟ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب و ومحمد بن علي.

وهناك نصوص كثيرة معتبرة لايسع المقام من ذكرها وردت في كتب الحديث والتاريخ عن طريق اهل السنة والجماعة ، ومن يريد المزيد من الاطلاع والمعرفة حول احاديث الغدير ندعوه الى قراءة كتاب الغدير للسيد عبدالحسين احمد الاميني (قدس سره) وغيره من الكتب التي تناولت موضوع الغدير باستفاضة .

خلاصة المقال اقول: ان يوم الغدير هو يوم التلبيغ عن الحكومة التي تخلف حكومة النبي(ص) ولو خير لهذه الحكومة ان تمسك بزمام الامور مباشرة بعد الرسول الاعظم (ص) لكان حال المسلمين يختلف تماماً عما هو عليه الآن فضلاً عن الماضي ، ولكن قدر لهذه الحكومة الشرعية ان تحكم في وقت متأخر عن رحيل الرسول (ص) ، وقد قدم الامام علي (ص) نموذجاً رائعاً للحاكم الاسلامي في ولايته بالرغم من المنغصات التي كانت في ايام خلافته .


عبدالرضا الوائلي