في حديث لصحيفة "الوطن" القطرية

فضل الله: أعارض دخول أية قوات أجنبية إلى العراق

الوضع لا يسمح لأمريكا بفتح جبهات جديدة



أجرت صحيفة "الوطن" القطرية في عددها الصادر بتاريخ 28شعبان 1423هـ/24-10-2003م لقاءً مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناول أهم القضايا المطروحة على الساحة الإقليمية، ولا سيما الوضعين العراقي والفلسطيني، وتهديدات أمريكا لسوريا، والاعتداء الإسرائيلي عليها.

وفي ما يأتي نص الحديث كاملاً:

* يبدو من سياق التطورات الاخيرة أن الهجمة الأميركية الإسرائيلية تتجه نحو سوريا، وبالتالي لبنان، فما هي الأبعاد الحقيقية لهذه الهجمة وخلفياتها والاحتمالات المتوقعة في ضوء ذلك؟

ـ في الماضي القريب أو البعيد، كانت المسألة بالنسبة إلى لإدارات الأميركية المتعاقبة هي ممارسة الضغوط على الواقع العربي، ولاسيما السوري واللبناني لحساب إسرائيل في كل القضايا التي تتصل بالأمن الإسرائيلي وبالخطة الأميركية في تحويل إسرائيل إلى قوة إقليمية مهيمنة على الواقع كله، وهذا ما يظهر في شكل جلي في التزام أميركا بالأمن الإسرائيلي المطلق وفي التخطيط والتنفيذ لأن تكون إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة.

أما الآن، وبعد احتلال العراق الذي انضم إلى احتلال أفغانستان في واحدة من تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، والتي تحركت فيها شعارات الحرب ضد الإرهاب في العالم، فإننا نشاهد الولايات المتحدة الأميركية تمارس ضغوطها على المنطقة، ولاسيما على سوريا ولبنان وإيران، من أجل إسرائيل، باعتبار أنها الخط البياني المستمر في السياسة الأميركية، ومن اجل حماية احتلالها للعراق، عن أي مؤثرات سورية ولبنانية باعتبار أن الوضع السياسي والأمني في لبنان يمثل امتداداً للوضع في سوريا. ومن ناحية أخرى، فإن أمريكا ترى قدرة سوريا وإيران على إرباك وتعقيد وضع الاحتلال الأميركي للعراق، أو في الجانب الآخر على إراحة هذا الاحتلال طبقا للموقف السلبي أو الايجابي، لذلك فإنني أتصور أن المسألة الآن تتحرك في خطين:

خط حماية الحالة الإسرائيلية وحماية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وما حولها، وحماية الاحتلال الاميركي في العراق، ولكنني أتصور أن طبيعة الأوضاع الدولية والإقليمية لا تسمح للإدارة الاميركية بأن تقوم بتجربة عسكرية جديدة بالنسبة إلى سوريا وإيران، باعتبار أن فتح أي جبهة جديدة سوف يخلط الأوراق ويجعل أميركا تتحرك في دوامة من الصعب أن تشعر بالاستقرار في داخلها.

* كيف تفسر إذن الغارة الاسرائيلية على قرية عين الصاحب السورية، والرسائل السياسية والأمنية التي حملتها؟

ـ إنني أتصور أن الضربة التي وجهت إلى قرية عين الصاحب كانت ضربة استهلاكية لامتصاص الحالة النفسية لليهود في داخل الكيان المحتل، لأن عملية حيفا مثّلت صدمة كبرى للحكومة الصهيونية، باعتبار أنها لم تستطع أن تحفظ امن اليهود حتى مع كل هذه الاحتياطات التي أقامتها مع إنشاء الجدار العازل الذي ما زالت تفسره بأنه حالة أمنية وليس حالة سياسية، هذا مضافاً إلى حجم العملية الاستشهادية الذي كان يفرض ردا يمكن ان يستوعب كل هذه الاوضاع النفسية، كطرد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ياسر عرفات، مثلا، او احتلال قطاع غزة، وهذا ما لا تسمح به الظروف السياسية المحيطة باسرائيل او بالمنطقة، ولاسيما ان الجميع في المنطقة، وحتى في الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي ينتظرون تأليف الحكومة الفلسطينية الجديدة، لأنهم بالرغم من كل التهاويل التي يثيرونها، والشعارات التي يطلقونها لا يزالون بحاجة الى حكومة يمكن ان تضبط مسار الوضع الفلسطيني بطريقة او بأخرى، لذلك كانت عملية عين الصاحب - حسب فهمي للمسألة - عملية امتصاص للحالة النفسية في داخل الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى، لأن ذلك يعتبر بمثابة الصدمة التي تحرّك العنفوان اليهودي وتوحي أنه قادر على تجاوز المسألة الداخلية في فلسطين الى المنطقة التي لا تملك أمام قوة اسرائيل ان تقوم بردة فعل على هذه العملية.


ومن الطبيعي أن يصاحب هذا الأمر بعض الإشارات الاميركية، باعتبار أن التحالف الاستراتيجي بين اميركا واسرائيل واضح ومعروف، وما صاحب ذلك من إشارات اميركية لسوريا بأن اميركا تستطيع ان تضغط على سوريا عسكريا من خلال اسرائيل، كما ان اسرائيل تضغط على المنطقة من خلال اميركا في هذا المجال، وهكذا نستطيع أن نعتبر الموضوع رسالة اميركية اكثر من كونها رسالة اسرائيلية الى سوريا، لأن الجميع يعرفون ـ بمن فيهم اسرائيل ـ أن مسألة ارتباط الانتفاضة بتعليمات تأتي من سوريا نكتة سخيفة، رغم وجود بعض القيادات في سوريا، لأن هذه القيادات تتكامل مع قيادات الداخل، وقيادات الداخل هي الاساس، وزيادة على ذلك يجب ألاّ نغفل المعلومات الدقيقة التي تؤكد أن القيادات السياسية قد لا تعرف ما تقوم به القيادات العسكرية الجهادية الا بعد حين في هذا المجال. لذلك فإنني اتصور أن للمسألة بعداً اسرائيلياً داخلياً وبعداً أميركياً من خلال الاشارات التي ترسلها أميركا بشكل لا يسقط الموقف لكنه يثير الحذر والخوف.

* وهنا نلاحظ، سماحة السيد، أن هذه الممارسات والرسائل توّجت بالقرار الأميركي الأخير في شأن قانون محاسبة سوريا، فكيف تقرأون هذا القرار في ظل المعطيات الحالية ومدى انعكاساته على العلاقات الثنائية؟

ـ إنني أتصور ان قانون محاسبة سوريا ليس جديداً، ولكن الإدارة الأميركية كانت تمنعه تارة وتؤخره أخرى حفاظا على العلاقات الأميركية ـ السورية، غير ان التطورات التي حدثت بعد احتلال العراق، والمشاكل التي واجهت أميركا في هذا الاحتلال ـ من خلال خطوط المواجهة للجيش الأميركي حتى قيل ان أميركا غرقت في المستنقع العراقي، أو في الرمال المتحركة العراقية - جعلت من أميركا تزيد من ضغوطها على سوريا، من اجل ان تقدم سوريا تنازلات لحساب الاحتلال الأميركي للعراق، لكي تضبط حدودها بحيث تصبح حرساً لحدود الاحتلال الأميركي، أو تعمل على أساس تقوية الموقع الأميركي في الداخل، بما لسوريا من علاقات في الداخل، وبما لسوريا من امتداد في الواقع العربي.

ان مسألة محاسبة سوريا هي مسألة مرتبطة بحاجة أميركا إلى الضغط على سوريا لحساب تخفيف الضغوط التي تواجهها أميركا في العراق.

* كيف تنظرون الى مسألة ارسال قوات تركية الى العراق؟

ـ النظرة الأولى لهذه المسألة في عنوانها الكبير هي حاجة أميركا إلى قوات دولية تقوم بحفظ الأمن لحساب الاحتلال الأميركي بالرغم من كل الشعارات التركية بأننا لسنا قوات محتلة وما إلى ذلك، أما بالنسبة إلى تركيا، فالمسألة تتصل بالخطوط الأمنية والسياسية والاقتصادية لتركيا، أولا من جهة ان تركيا لا تزال تعيش هاجس الخطر الكردي، إن من خلال حزب العمال الكردي الذي يملك امتدادا بعدد الملايين، أو من خلال القلق التركي من مشروع كردستان العراق الذي يراد تحويله إلى دولة كردية. لذلك فإن تركيا تريد ان ترسل قواتها إلى العراق من اجل تطويق هاتين الحالتين السياسيتين، ثم هناك اطماع استراتيجية بالنسبة إلى تركيا، بخصوص قضية الموصل وكركوك، إضافة إلى ان تركيا تريد حصة في الاقتصاد العراقي من خلال إعمار العراق أو استثماراته وغير ذلك مما لا تستطيع الحصول عليه إلا من خلال أميركا باعتبارها الدولة المسيطرة على العراق في هذه الحالة.

لذلك فإني أعتقد أن هذه الأمور هي التي جعلت البرلمان التركي يوافق على مشروع الحكومة التركية المتكاملة مع الجيش التركي باعتبار ان القضية تتسع الى مستوى القضايا الوطنية الكبرى وعلى المستوى الاستراتيجي المستقبلي بخصوص علاقة تركيا بالوضع العراقي.

* هذا من ناحية التحليل، لكن من حيث الموقف، هل أنت مع أم ضد دخول قوات تركية الى العراق؟

ـ انني ضد أي قوات أجنبية تدخل العراق، ابتداء من القوات الأميركية والبريطانية وانتهاء بكل القوات الأخرى.

* حتى التركية؟

ـ طبعاً، لأن الشعب العراقي ليس شعباً قاصراً بل إن الشعب العراقي يملك تجارب واسعة في كل المجالات التي تحتاجها إقامة الدولة، لأن هناك طاقات فاعلة في العراق على مستوى كل الاختصاصات، ولأن هناك تجربة تاريخية في الحكم بغض النظر عن طبيعة هذا الحكم، ولأن هناك أيضا ثروة طبيعية متعددة الجوانب، وهناك امتداد بشري لا يحتاج إلى أي قوى بشرية أخرى، وأنا أتصور ان الشعب العراقي قادر على تقرير مصيره، لذلك رأينا ان المشاكل العراقية الداخلية التي تحدث بين وقت وآخر ليست بالمستوى الذي يمنع العراق من ان يتحول إلى دولة فاعلة ومستقرة، لأننا لو درسنا امتداد هذه الأحداث المتناثرة، وحالة العنف التي قد تتمظهر بتفجير هنا واغتيال هناك لرأينا أنها قد تكون ناشئة من بعض المجرمين من جهة أو من بعض المرتبطين بالأجهزة المخابراتية الدولية والاقليمية من جهة أخرى، أو من خلال بقايا النظام الذي يريد ان يثأر لنفسه، ولا سيما بعد إلغاء الجيش العراقي، وإلغاء حزب البعث وإلغاء قوى الأمن، ما يجعل هؤلاء في جهوزية تامة للتحرك مع أي جهة، لا سيما النظام السابق، لمواجهة هؤلاء الذين قطعوا أرزاقهم.

* كيف تنظرون إلى الاشتباكات التي حصلت بين أنصار مقتدى الصدر والمرجع الديني السيستاني؟

ـ إنني في الوقت الذي أشجب بكل قوة، أمثال هذه الاشتباكات لا سيما انه من الخطورة ان تحدث هذه الاشتباكات في الأماكن التي يحترمها ويعظمها ويقدسها كل المسلمين الشيعة في العالم، وحتى المسلمين من غير الشيعة، لأن الامام الحسين(ع) هو إمام المسلمين جميعا، لذلك فإن أية إساءة لهذه المقامات المشرّفة مهما كانت خلفياتها، ومهما كانت طبيعتها تمثل إساءة للإسلام وللمسلمين جميعا في أنحاء العالم كافة، ولا يجوز لأي فئة تحت أي تأثير أو تحت أي خلفية أن تقوم بما حدث في هذه القضية المأساوية، إلاّ أنني لم أطّلع على كل المعطيات كي أستطيع أن أعطي رأيا تفصيليا فيها، غير إنني أتصور ان الإعلام لم يكن دقيقا، حسب بعض المعلومات المتناثرة في هذا المجال، لكنني أتصور ان الشعب وقف ضد الذين قاموا بها أو المتهمين بأنهم كانوا وراءها، حتى الذين تشير إليهم أصابع الاتهام من خلال الاعلام تبرأوا منها، وأعلنوا أنهم سوف يعملون على أساس إعادة اللحمة وإزالة كل نتائج هذه المسألة.

لذلك أتصور ان هذه المسألة لن تأخذ حجماً كبيراً، لان الضوابط الموجودة في الشعب العراقي ، بغض النظر عن هذه الميليشيا أو تلك الميليشيا،تمنع من اتساع دائرة الموضوع.

* هل تعتقدون أن خريطة الطريق وصلت إلى نهاية الطريق، أم ان الأمل ما زال قائما في اعادة احيائها، وبالتالي هل تستطيع الحكومة الفلسطينية الجديدة لعب دور في هذا المجال أو غيره، مختلف عما قامت به الحكومة السابقة؟

ـ أما بالنسبة إلى خريطة الطريق، فقد كانت ملاحظاتي منذ البداية انها لمصلحة إسرائيل قبل ان تكون لمصلحة الفلسطينيين، ولا سيما بعد ان لاحظنا كيف ان رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش، اخذ بكل تحفظات وتعديلات رئيس الوزراء الإسرائيلي، آرييل شارون، بخصوص هذه الخريطة في الوقت الذي لم يوافق على ملاحظات الفلسطينيين. إذن في ضوء هذا، اقنع شارون حكومته الليكودية، بالقبول بخريطة الطريق، باعتبار أن هذه الخريطة بعد هذه التعديلات أصبحت لمصلحة إسرائيل.

أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فان هذه الخريطة تؤشر إلى دولة لا طعم لها ولا رائحة ولا لون، لأنها دولة لا يضغط بشأنها أي فريق من اللجنة الرباعية الخاضعة لأميركا وإسرائيل، بل تترك المسألة للمفاوضات بعد ان كانت "خريطة الطريق" خطة عملية كما صرح بوش، ومن الطبيعي ان الجانب الفلسطيني هو الجانب الاضعف، لذلك فإنني أتصور ان أميركا ومعها الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة سوف تعمل بطريقة أو بأخرى على ألا تموت خريطة الطريق، وان كانت لا تمثل طموح الشعب الفلسطيني.

أما قضية الحكومة الفلسطينية فانني أتصور أنها لابد ان تصل إلى نتيجة، لان المسألة الأساسية هي من يحكم القوى الأمنية؟ وهل الرئيس عرفات مستعد لان يقدم تنازلات عن صلاحياته؟ وهل الخطة هي تطويق الانتفاضة؟ لان المسألة بحسب بعض المحللين، أن عرفات يريد ان يثبت انه وحده الذي يملك الحل، ووحده الذي يملك تطويق الانتفاضة.


ماهي ملاحظاتك وتعليقاتك ووجهات نظرك ؟