 |
-
الموادعة.. امتطاء الحصان الخاسر
فاضل حيدر - القطيف
يستطيع المراقب للشأن السياسي في العربية السعودية التأريخ لحقبة مختلفة في حياة الشيعة وبالتحديد في المنطقة الشرقية، بدءً من شهر رمضان للعام الحالي 1429هـ وذلك برصد آفاق التطلعات السياسية وتفحص متغيرات المزاج الشعبي وتحولات مسارات التفكير الاستراتيجي. فقد استقبلت الأوساط الشيعية بمختلف توجهاتها وفعالياتها مقالات الدكتورين حمزة الحسن وفؤاد البراهيم بكثير من العناية والتتبع والاهتمام، بما خلق لها أصداء وتموجات تركت بصمات وتأثيرات واضحة في الشارع الشيعي عامة، وحين نقول ذلك لا نعني بالطبع ادعاء الإجماع على تأييد الرؤية التي قدمها البراهيم والحسن، بقدر ما نريد التأكيد على أن اتجاهات التفكير والنشاط الشيعي العام بدأت تأخذ بالاعتبار خيارات ومناهج مختلفة عن ما المألوف والسائد طوال السنوات الخمسة عشر المنصرمة، بسبب غياب حالة التعدد في المناهج بين الفاعلين في الساحة السياسية..
نعتقد، استناداً لسمات المجتمع الشيعي وما تختزنه الذاكرة الجماعية من موروث المقاومة والجهاد ورفض الخضوع للحاكم الظالم، أن بعث هذه الثقافة المتأصلة في نفسية الفرد الشيعي كفيل بتهيئة المناخ العام لحركة يقظة ثورية تتجاوز كافة رموز المهادنة وجميع أشكال التعاطي والعلاقة مع النظام الجائر.. فإن من شأن الرؤى الجديدة الآخذة بالانتشار واتساع رقعة معتنقيها ومؤيديها يوماً بعد آخر أن تُمهد لولادة تيار سياسي مناهض لفريق الموادعة، ومفارق له في آليات وأدوات الفعل وفي مناهج التخطيط وأيضاً في مستوى الأهداف والتطلعات الإستراتيجية. إذ يستند هذا التحليل إلى جسّ نبض الشارع الشيعي في طبقاته المسحوقة، ورصد تفاعلات بعض البؤر الجماهيرية الساخطة على النظام السياسي الحاكم وعلى تيار الخنوع والمهادنة نفسه.. دون الاستهانة بحجم تيار الموادعة المحتمي بالسير في ظل السياسات والقوانين الرسمية!.
كما بات بإمكان المتابع الحصيف لبوصلة النشاط الشيعي، التقاط النبض المتوتر لمشاعر الخشية المتولدة في صفوف فريق "الموادعة" وكذلك بعض التوجهات المحافظة الميالة بطبعها للدعة والسكون والاستقرار السلبي، كما يلحظ مبادرات فاقعة الافتعال وساذجة تستهدف الالتفاف على انتشار الرؤية التغييرية النضالية بين الجماهير الشيعية، في عملية مدروسة ومخططة تستهدف إماتة حسّ اليقظة لدى الجمهور، وإخماد جذوة التفاعل الشعبي مع خيارات العمل السياسي المعارض، الطامح لاسترداد الكرامة والعزة وكافة الحقوق السياسية والإنسانية المصادرة، فضلاً عن التطلع للاستقلال وتقرير المصير..
ولا يفوتنا التقاط ورصد المساعي المستميتة والمشبوهة للفريق الموادع وتجنيده لمختلف إمكاناته بهدف الحيلولة دون انتشار تعدد الرؤى والخيارات لدى المجتمع الشيعي.. ابتدأت ردة الفعل العنيفة لمواجهة إرادة التغيير الجماهيرية عبر فرض الحصار الإعلامي على مقالات البراهيم والحسن في المواقع المحسوبة على فريق الموادعة، وبأساليب تحايلية مقيتة ليس أقلّها إخفاء موقع نشرها وطمره بمواد غير ذات أهمية بغية الحدّ من عدد القراء والمتابعين، بعد أن كان يتم إبرازها وتثبيتها نظراً لأهميتها كمادة وأيضاً لمكانة الدكتورين الحسن والبراهيم في سلّم الحركة الشيعية المعارضة.. ووصولاً للامتناع عن نشر أية مقالات لهما ولأي مادة إعلامية تؤيد طرحهما من أي كاتب كان، ونحتفظ بالأدلة دون الرغبة في فتح معارك جانبية نعتبرها غير ذات جدوى للطائفة!!.
يعي الجمهور الشيعي ويدرك أن فريق الموادعة ليس فقط يجتهد وينشط في تفعيل خياراته البائسة والانهزامية، بل يسعى جاهداً لمحاصرة الرؤى والخيارات الرافضة لمهادنة السلطات الطاغية، ويجتهد ما وسعه لإقصاء المشاريع المتمسكة بحقها الإنساني والشرعي في ممارسة العمل الجهادي المعارض كوسيلة تحرر وخلاص من نير العبودية تحت حكم آل سعود، كما لا تذخر الموادعة جهدها لحجب الرأي الآخر المختلف مع أطروحاتها العقيمة لتسوق على المجتمع الشيعي رؤيتها المجتزأة وقراءتها الأحادية لأوضاع الطائفة، ظناً منها أن ذلك كفيل بإغماض عين الجماهير ووعيها عن الأخذ بخيارات الجهاد المتاحة والممكنة في ميدان العمل السياسي النضالي.
شهدنا مؤخراً هبّة منقطعة النظير لدى رموز ونشطاء الفريق الموادع نحو امتطاء صهوة العمل الحقوقي عبر فرقعات إعلامية بُثت عبر أكثر من وسيلة وموقع، دُشنت بمقالتي (الشيعة ومهمات المرحلة) و(دافعوا عن حقوقكم) ضمن زاوية كلمة راس على شبكة راصد الإخبارية وقد تم فيهما استخدام مصطلحات كانت غائبة طوال سنوات من قاموس الفريق الموادع، وقد كنا سنبارك تفعيل ماكنة العمل الحقوقي لولا تفريغه من محتواه الجوهري عبر استمرار النفخ في بعض البنود الحقوقية الأولية التي يرتضيها الرسمي ولا تشكل عليه كلفة أو خطورة، حيث ينهمك الموادعون بتضخيمها على حساب البنود الأخرى من الحقوق الأساسية المغيّبة من قاموس الطرف الموادع، إذ يتم تكرار إنتاج خطاب حقوقي مجتزأ يكتفي بإبراز ما يتعلق بالحقوق الإنسانية الأولية ويستبعد استحضار مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتعلقة بالحقوق السياسية على وجه الخصوص، في عملية التزام صارمة بسقف مطالب متدنية هي ذاتها الذي صرّح النظام لجمعيته وهيئته الرسميتين الاشتغال عليها.
ومن المفارقات المذهلة مباركة البعض إصدارات الجمعية والهيئة في مجال التثقيف الحقوقي واعتباره ذلك إنجازاً وطنياً، وإغفاله حالة التناقض الحاد بين عملية التنظير والنشر وبين الواقع المزري للانتهاكات الحقوقية في كافة الدوائر والأجهزة والوزارات الرسمية ذات العلاقة المباشرة بحياة المواطنين اليومية وفي مقدمها وزارة الداخلية بكل أجهزتها ومؤسساتها المتغولة.
إن ما تستهدفه الدولة عبر إنشائها للهيئة وللجمعية الوطنيتين لحقوق الإنسان، أن تتكفلا برفع يافطات حقوقية شكلية وهامشية تتم مصادرة الحقوق الفعلية للمواطنين من وراء ستارهما.. فكم نستغرب أن يقبل بعض الموادعين لأنفسهم أن يصبحوا جزء من لعبة العمل الحقوقي الرسمي آنف الذكر، فيسهموا عبر عضويتهم في هذه اللجان الحكومية بدراية وسبق إصرار في تشويه وتغييب الحقائق وقلب موازين العمل الحقوقي في أذهان الجمهور.. في وقت استنكف أغلب الرموز الوطنية والإصلاحية من ذوي الانتماءات الفكرية والسياسية ـ غير الشيعية ـ الارتماء في أحضان الهيئة أو الجمعية، خصوصاً مع إدراكهم بأن تأسيس هاتين المؤسستين جاء بعد قرار تجميد الترخيص لطلبات فعاليات وطنية مستقلّة بتأسيس لجان وجمعيات حقوقية، في خطوة قصدت منها الدولة سحب البساط من أيدي الفعاليات الوطنية والقفز على مبادراتهم في المجال الحقوقي..
إن توقيت الموادعة لبدء حشد الجهود باتجاه العمل الحقوقي، رغم الإشكاليات الواردة عليه من حيث عدم التكامل والشمول وانحباسه ضمن أطر ضيقة تنتقي من الحقوق التي نصّت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية ما لا يكلفها الاصطدام مع النظام الحاكم، إنما جاءت هذه الخطوة ضمن برنامج يُراد له محاصرة التيار النضالي الناهض مؤخراً والآخذ بالاتساع ضمن البؤر الشعبية والجماهيرية المستعدة لرفع راية الجهاد وخوض غمار العمل السياسي المعارض..
لا يحتاج الشيعة في السعودية بالضرورة لعمليات البحث أو الرصد ولا لبذل جهود طائلة لحصر قضاياهم الحقوقية المنتهكة بشكل صارخ فهي واضحة للعيان وكثرتها كفيلة لتملئ مئات الملفات، ومع ذلك لا نجد من الفريق الموادع خطوات فعلية لتبني القضايا الحقوقية الرئيسية وإبرازها في المحافل الدولية أو في خطابهم المحلي مع الجمهور الشيعي فضلاً عن الدفاع عنها أمام أركان السلطة والمسئولين، فأين هم من قضية الشهيد أحمد الملبلب المقتول ظلماً على أيدي رجال هيئة الأمر والنهي وهي قضية ما تزال ساخنة منذ بضع سنوات.. و ما هو دورهم العملي لإطلاق سراح السجناء الشيعة بما فيهم المنسيون.. وعشرات القضايا الأخرى المغفلة والمستبعدة عن دائرة اهتمامهم وأنشطتهم.
إن الاكتفاء بالتنظير والنشر حول الثقافة الحقوقية ـ رغم أهميته ـ فهو مجرد اشتغال برفع اليافطات للتغطية على حقيقة الخواء والجبن عن تبني القضايا الحقوقية الأصلية ونكوص عن الدفاع الحقيقي ضد الهجمات الشرسة التي تنفذها أجهزة السلطة الأمنية والسياسية ضد مصالح الطائفة الشيعية وحياة وممتلكات أبنائهم.. إن الاحتفاء بمظاهر العمل الحقوقي لن يكفل استرجاع الحقوق السياسية الجوهرية للطائفة وعموم المواطنين، وعلى كل حال فهو عمل لا يضير النظام في شيء لأنه مجرد طنين دعائي قد يتربّح منه ذوي المطامع الوجاهية لاستدامة تمرير الخداع والتضليل على الجماهير، وإشغالهم عن العمل الحقيقي من أجل قضاياهم الحقيقية.
قد لا نستغرب هذا الامتطاء القديم/ الجديد على صهوة الحصان الخاسر، حين النظر لحقيقة مشروع المهادنة والاستسلام، وما ينطوي عليه من استبطان الخوف والهلع والضعف عن مقاربة أية مواجهة مع السلطات، فهذه بعض الدلائل على افتقاد فريق الموادعة للإرادة الجادة والرغبة الصادقة لتخليص المجتمع الشيعي من نير العسف والظلم والتنكيل الذي يتعرض له بشكل يومي على أيدي سلطات الجور في السعودية.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |