[mark=CCCCCC]في كتاب جديد له بعنوان: “إيران الصعود الذي لا يقاوم”، رأى فيه بأن إيران تبقى حسب رأيه البلد الأكثر استقراراً وقوة في المنطقة
[/mark]
[mark=669966]المسؤول السابق لـ (“سي أي إيه” في الشرق الأوسط )[/mark] ينصح بلاده بالتفاوض مع إيران والكف عن الخطاب التحريضي ضدها أو خوض حرب لا طائل منها
2008-12-27 05:05:17 م
يعتبر روبرت باير من المسؤولين السابقين لوكالة المخابرات الأمريكية “سي أي إيه” في الشرق الأوسط خلال الفترة الواقعة بين عامي “1976-1997” وله مؤلفات مهمة على صعيد السياسة الأمريكية الخارجية مثل “سقوط السي.أي.إيه” و”الذهب الأسود” و”البيت الأبيض”. وها هو ينشر كتاباً جديداً بعنوان: “إيران الصعود الذي لا يقاوم”، يتناول فيه المسألة الايرانية وكيف يجب على الولايات المتحدة أن تنظر اليها في المستقبل.
ويشجع الرئيس القادم على الكف عن الخطاب التحريضي ضد إيران لتجنب الحرب معها لأنها تبقى حسب رأيه البلد الأكثر استقراراً وقوة في المنطقة، ويجب على امريكا أن تعترف بذلك قبل أن تخوض حرباً لا طائل منها.
وكان لمجلة “نوفيل أوبسرفاتور” الفرنسية اللقاء مع روبرت باير:
في القرن التاسع عشر كان تعبير “اللعبة الكبرى” يشير الى التنافس بين الامبراطورية البريطانية والامبراطورية الروسية من أجل السيطرة بشكل خاص على ايران، أما اليوم، فنجد ان ايران نفسها هي التي تتطلع لتصبح تلك الامبراطورية الجديدة، فهل ترى أنها وصلت بالفعل الى هذا الدور الامبراطوري؟
- اعتقد أنها لم تصل الى هذا الحد لكنها لن تتأخر في الوصول اليه. وأما ما أريد توضيحه، فهو أن النفط يعتبر الشيء الأهم بالنسبة لنا نحن الأمريكيين لأننا نبحث عن نفط رخيص واعتمادنا عليه أكثر من الفرنسيين. ومن هذا المنطلق فإن ايران يمكنها ان تتحكم بمنافذ الخليج عن طريق اغلاق مضيق هرمز والمساس خلال دقائق بالمنشآت النفطية، وبالتالي حرمان سوق النفط العالمية من 17 مليار برميل. والواقع أنني لا اتصور ان تقوم ايران بذلك، لكنه يبقى بالنسبة لها قوة ردع، بإمكانها منع الولايات المتحدة من غزو أو مهاجمة هذا البلد. علاوة على ذلك هناك الكثيرون من المناصرين لإيران في المنطقة، ولنكن واضحين، لقد خاض العرب حرباً ضد “اسرائيل” ولم يفلحوا، في حين استطاع حزب الله المدعوم من ايران وحده هزيمتها ولذا سيتوجب على العرب الالتفاف حول ايران التي ستصبح بدورها امبراطورية “بالوكالة” وهو أمر تستطيع ان تثبت فيه جدارتها بشكل كبير.
من ناحية ثانية، أرى ان الشعب الايراني شعب ذكي وحضارته العريقة شاهدة على ذلك، ولذا فهو أكثر انفتاحاً دون شك على الحداثة، ويحسب خطواته على المدى البعيد في مواجهة عدوه الأمريكي.
أما عن الوضع كما أراه فيمكن تلخيصه في الآتي: يجب على الولايات المتحدة ان تعترف بأن ايران هي الدولة الأكثر استقراراً في المنطقة والأكثر تأثيراً، ولذا فإما ان تحاربها لثلاثين سنة مقبلة وإما أن تتوصل معها الى اتفاق تعايش يجنبها ويلات كثيرة، ومن هنا اقول لا بد لأمريكا أن تتفاوض مع ايران دون توان.
إيران والعرب
من لبنان الى غزة، ومن جنوب العراق الى سوريا، نجد أن ايران تفضل التدخل من وراء الكواليس، فهل تعتقد ان ايران هي “امبراطورية ما بعد الاستعمار”؟
- الواقع أنني أرى أنها امبراطورية هجينة قائمة في الوقت نفسه على التسلح فائق الحداثة وعلى استراتيجية حرب العصابات والحرب غير المتكافئة، ومن هنا فإن الايرانيين تجنبوا التدخل المباشر في لبنان خلال الحرب السابقة بين حزب الله و”اسرائيل” في العام 2006.
وحتى في البصرة، لا نلمح وجوداً ايرانياً جلياً علماً بأن ايران تتحكم تقريباً في كل شيء هناك. ومن هنا أرى ان ايران تمارس أسلوب التطويق لأنها استطاعت أن تقنع العرب بأنها الوحيدة القادرة على محاربة الاستعمار، وبالتالي اعتقد ان هذا السلوك ينم عن توجه “ما بعد استعماري” أكثر مما يوحي بالاستعمارية. ان السر عند ايران هو أنها تولي حلفاءها “حزب الله مثلا” السلطة والتقدير، فشخص مثل السيد حسن نصر الله لا يتلقى تعليمات بل هو رجل يعتمد على قوته الذاتية في اثبات قيادته المتينة لحزب مثل حزبه، وفي هذا الصدد نلمح جيداً ان نصر الله يسير على هذا النهج ولا يتراجع عنه.
واعتقد أن نظام “تفويض الصلاحيات” الذي تعمل ايران عليه لا يأتي من خلال انفاق المال أو الاجبار، بل يكون من خلال ايمان مشترك بين الأمتين الايرانية والعربية يتمثل في سعي ايران الى التوجه لجيرانها العرب برسالة مفادها أنها الوحيدة القادرة على وضع حد نهائي للهيمنة الغربية في منطقة الشرق الأوسط بل وهي الأمل الوحيد الجدير بالتصديق.
كيف تفسر هذا التخبط العشوائي الذي يفتقد عدم التبصر والروية من قبل الولايات المتحدة تجاه ايران؟
- الولايات المتحدة مصابة بعمى مقصود وهو ما قادها الى أزمة الرهن العقاري، والواضح ان هذا الأمر المفرط في التفاؤل لا أساس له، لأنه هو الذي قاد الى غزو العراق وجعل صحيفة “النيويورك تايمز” تدعم هذه الرؤية.
اعتقد أن هذا العمى هو ثمرة لجهل تام بالحضارة أو الثقافة الايرانية التي وبكل أسف انحصرت عند الادارة الأمريكية في شخصية أحمدي نجاد فقط. واذكر أنه عندما صدر كتابي الجديد في امريكا نظر اليّ الناس على أنني شخص مصاب بالجنون، لكنني اصر على ضرورة اعتبار ايران كمحاور مهم وإلا فإننا سنخوض معها حرباً طويلة وخاسرة وهو بالطبع ما لا تقبله الولايات المتحدة لنفسها، لأنه عليها ان تحرك أكثر من مليون جندي وتنفق في هذه الحرب التي لا طائل منها حتى آخر دورلار لديها وفي نهاية المطاف باسم ماذا؟ باسم الديمقراطية أم باسم الصهيونية؟ إنه الجنون بعينه.
ولو حدث ذلك فإن منطقة الخليج ستصبح على صفيح ملتهب وسيصل سعر برميل النفط الى 400 دولار، أما الاقتصاد الأمريكي فإنه سيتلقى صدمة جديدة مدمرة.
ألا ترى أن ايران تعاني مشاكل جديدة: تضخم متزايد، اقتصاد يعتمد بنسبة 80% على النفط، نقص في البنية التحتية الصناعية، نفور متزايد من قبل الشباب تجاه رجال الدين، أزمة اجتماعية، فساد اداري، انقسامات داخلية بين المحافظين والمعتدلين، فكيف لبلد هش كهذا ان يتمكن من تطوير استراتيجيته نحو الامبراطورية؟
- على الرغم من نقاط ضعفه، تعتبر ايران بلداً قادراً على تجييش مليون رجل من أجل الحرب سواء من القوات المسلحة النظامية أو من رجال الحرس الثوري، من دون ان نحسب الميليشيات المدعومة من ايران في الخارج. وعلى الرغم من أن الكثير من الايرانيين لا سيما الطلاب منهم لا يتفقون مع النظام القائم، إلا أنهم يوافقون على السياسة الخارجية التي تتبعها الحكومة. من ناحية ثانية يتمنى الايرانيون التوصل الى تحرر على الطريقة الغربية لكنهم رغم ذلك يرتبطون ارتباطاً شديداً بقوميتهم القديمة والقوية ويعملون على دعمها سواء كان ذلك في لبنان أو العراق أو في منطقة الخليج.
إيران وباكستان
تعتقد ان اخطر بلدان العالم اليوم هي باكستان لكنك تنصح الأمريكيين بالتفاوض مع ايران لأنها حسب رأيك الأكثر استقراراً والبلد الذي يمكن الاعتماد عليه نوعاً ما؟
- هذا صحيح، ففي باكستان مع من تتحاور؟ هناك مناطق كثيرة لا تخضع لسيطرة الدولة على الاطلاق، علاوة على ذلك، فباكستان بلد غير متجانس بل هو فسيفساء يرقد فوق برميل بارود والأمثلة على ذلك عديدة، فهناك كره متبادل بين سكان كراتشي، ولاهور، من دون الحديث عن بلوشستان، أما اسلام آباد فهي عاصمة مصطنعة ومنقطعة بسكانها عن بقية الشعب، ولذا اعتقد أن البلد يمكن في أية لحظة ان ينفجر في حرب أهلية أو صدامات مدمرة.
من جهة أخرى، ثمة بعض البلدان النفطية التي يمكن أن تتأثر لو هبط سعر النفط الى العشرة دولارات، وهنا أجد ان البلد الوحيد الذي يمكن ان يصمد هو ايران لأن لديه شعباً متعلماً في غالبيته ويمتلك تكنولوجيا متقدمة ويكفي الانفكاك عن سياسة احمدي نجاد كي يجد البلد نفسه في وضع اقتصادي وسياسي جديد اقرب الى الواقع منه الى الخيال وعندها ستصبح ايران حليفاً مثالياً للولايات المتحدة.
وأذكر أنني عملت بالاتفاق السري الذي وقعته ايران في العام 1986 مع فرنسا “باسكوا ومارشياني” من أجل تحرير الرهائن الفرنسيين، وعلى الرغم من أنه كان اتفاقاً صلفاً إلا أنه جعل ايران تكف عن مهاجمة المصالح الفرنسية بشكل مباشر أو غير مباشر منذ ذلك الحين. ولذا فإيران يمكن ان تكون محاوراً جيداً للولايات المتحدة.
هل تعتقد ان الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب باراك أوباما سيتمكن مع فريق عمله الجديد من اللعب بالورقة الايرانية كما اعتادت الادارات الأمريكية السابقة؟
- خمسة وزراء للخارجية لم يفلحوا من قبل باللعب بهذه الورقة كما يجب، وفوتوا الفرصة على الأمريكيين، لكنني اعتقد أن أوباما يمثل الأمل الاسمى لتغيير جذري في هذا المجال، وربما يحتاج ذلك الى تفكر وروية في واشنطن حيث يهيمن لوبي سياسي واعلامي يسوق الشعارات نفسها “القنبلة الذرية الايرانية، هولوكوست جديد” مع العلم أن احمدي نجاد لا يمثل سوى طائفة بسيطة من الحرس الثوري بأفكاره المتصلبة. وفي النهاية اقول إنني لم أؤمن بالقنبلة النووية الايرانية مثلما لم أؤمن بأسلحة الدمار الشامل في العراق، إنها دائماً الدعاية ذاتها واعتقد أن حرب العراق افهمت الأمريكيين بأنه من المستحيل من الناحية الاقتصادية خلق قوة استعمارية حقيقية لأن ما فعلته أمريكا أدى الى تقويض القوة الحقيقية وهيبتها على الصعيد العالمي، كما أن الأزمة الاقتصادية الراهنة يمكن ان تزيد من هذا الضعف ولو عاشت الولايات المتحدة على وهم امتلاك المال وامتلاك السلطة اللامحدودة في العالم فإن ذلك سيقودها بلا شك نحو حتفها.
عن مجلة “نوفيل اوبسرفاتور” الفرنسية_