الاتفاقية وصولة الفرسان و”الانتحاريات”
أبرز الاحداث الامنية في 2008



بغداد/ أصوات العراق: اتفق برلمانيون ومواطنون على ان عملية صولة الفرسان التي خاضتها القوات العراقية ضد المجاميع المسلحة في البصرة نهاية اذار مارس الماضي، كانت نقطة التحول في مسار الوضع الامني في العراق، وفي حين قال برلمانيون ان الاتفاقية الامنية تمثل ايضا حدثا مهما وبارزا، رأى صحفي ان ظاهرة “الانتحاريات” هي احدى المعالم البارزة في المشهد الامني العراقي.
وأبتدات ابرز الاحداث الامنية في العراق، مطلع العام 2008 حين سقط نحو ستين قتيلا واصيب نحو 280 اخرين في تفجير بناية بمنطقة الزنجيلي بمدينة الموصل شمالي العراق، اعقبه سقوط قرابة الـ98 قتيلا و208 جرحى في عمليتين نفذتهما انتحاريتان في سوقين شعبيين بالعاصمة بغداد.
ومع التصريحات التي اطلقها رئيس الوزراء نوري المالكي بعزمه على ملاحقة عناصر القاعدة في الموصل بعد حادثة الزنجيلي، توقع المراقبون ان تكون الموصل مرشحة لعمليات عسكرية واسعة، ولكن المفاجأة كانت بتحويل المالكي للعملية العسكرية المتوقعة من اقصى الشمال (الموصل/ 405 كم شمالي العراق) الى اقصى الجنوب (البصرة/590 كم جنوبي العراق)، لمواجهة العناصر المسلحة التي تنتمي لجيش المهدي في البصرة بدلا من عناصر القاعدة في الموصل.
وحين اطلق المالكي بنفسه من مدينة البصرة حملته الامنية التي سماها (صولة الفرسان)، التهبت مدن العراق الجنوبية واجزاء من العاصمة بغداد بعمليات قتالية انتهت باتفاقية وقعها ممثلون عن التيار الصدري مع عدد من قادة الائتلاف العراقي الموحد يوم 12 ايار مايو، وتضمنت الاتفاقية مجموعة نقاط تتعلق بدخول القوات الامنية العراقية مدينة الصدر (شرقي بغداد) والسيطرة عليها مقابل العفو عن عناصر التيار، فضلا عن بند يتعهد فيه الائتلاف العراقي بالضغط على الحكومة للالتزام بالاتفاقية.
القت نتائج العملية بظلالها على الاوضاع الامنية والسياسية في البلاد، إذ اعتبرت العديد من الاطراف السياسية ان حكومة المالكي لا تتبع اسلوبا طائفيا في تعاملها مع المجاميع المسلحة سواء كانت سنية او شيعية، وهو ما ساهم ايضا في تغيير الخطاب السياسي لجهات عدة من ضمنها احزاب سنية شاركت بشكل اوسع في الحوارات والاتفاقات السياسية في مرحلة اطلق عليها رئيس الجمهورية جلال الطالباني تسمية (الربيع السياسي)، كما غيرت ، فضلا عن .
في نفس الشهر الذي انتهت فيه مواجهات (صولة الفرسان)، اعلن المالكي من مدينة الموصل عملية اخرى اطلق عليها (زئير الاسد في صولة الحق) لتعقب مسلحي تنظيم القاعدة، ووصف قائد عمليات محافظة نينوى هذه العملية حينها بانها ستكون “كبيرة”، وبان ارتال القوات ستمتد من العاصمة بغداد إلى الموصل.
وانطلقت في 29 تموز يوليو عملية عسكرية اخرى لتعقب مسلحي تنظيم القاعدة في محافظة ديالى شمال شرقي العراق، وكانت ديالى حينها تعتبر احدى المعاقل المهمة المتبقية لعناصر القاعدة الذين لجأوا ديالى هربا من ملاحقة عناصر الصحوة في محافظة الانبار، والتي تسلمت ملفها الامني من القوات الامريكية مطلع شهر ايلول سبتمبر، لتكون اول محافظة ذات اغلبية سنية تتسلم ملفها الامني بعد ان تسلمت العديد من محافظات الجنوب ملفاتها الامنية في وقت اسبق.
وشهدت مدينة الموصل، وبالتحديد منطقة الزنجيلي التي ابتدأت بها اعنف التفجيرات عام 2008، شهدت في ايلول سبتمبر حادثة اخرى اثارت ردود افعال واسعة، حين قتل ثلاثة من الصحفيين وسائقهم كانوا يسجلون برنامجا لصالح قناة الشرقية التلفزيونية على أيدي مسلحين مجهولين اختطفوهم ثم القوا بهم في منطقة البورصة القريبة من الزنجيلي.
وكان السابع من شهر تشرين الاول اكتوبر، موعدا لاول حادثة اغتيال تستهدف برلمانيا عراقيا بصورة مباشرة، اذ اغتيل النائب عن الكتلة الصدرية الدكتور صالح العكيلي في منطقة الحبيبية عند مدخل مدينة الصدر (شرقي بغداد) بانفجار عبوة ناسفة على السيارة التي كان يستقلها، وهو ما اثار ردود افعال غاضبة اتهمت فيها الكتلة الصدرية جهات حكومية بالتخطيط لها، فيما اعلنت الداخلية العراقية عن اعتقالها عدد من المشتبه بهم، تبين فيما بعد انهم نفذوا عملية الاغتيال.
وكانت الكتلة الصدرية تحوز على 30 مقعدا في مجلس النواب العراقي( 275 مقعدا)، انخفضت الى 29 بمقتل العكيلي، والكتلة كانت ضمن قائمة الائتلاف العراقي الموحد قبل ان تنسحب منها قبل اكثر من عام لخلافات مع قيادة الائتلاف حول اتخاذ القرارات، كما سحبت وزارئها الستة من الحكومة العراقية.
وفي الشهر نفسه، وبالتحديد في 15 تشرين الاول، كشف الادميرال في الجيش الامريكي باتريك دريسكول، عن نية أدارة الجيش الامريكي سحب 35 الف جندي خلال الفترة الزمنية المقبلة، خاصة بعد زيادة قدرة قوات الامن العراقية وارتفاع عددها خلال العام الحالي بـ150 الف عنصر جديد في وزارتي الداخلية والدفاع.
وبعد هذا الاعلان بـ33 يوما فقط، أي في 17 تشرين الثاني نوفمبر، وقعت الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة اتفاقية تنص على انسحاب القوات الأميركية من العراق نهاية العام 2011، وصوتت عليها بواقع 27 صوتا مقابل صوت رافض واحد، اعقبها اقرار البرلمان العراقي للاتفاقية في 27 من الشهر نفسه بأغلبية 149 صوتا من أصل 198 نائبا حضروا الجلسة، مقابل 35 صوتا رافضا، ثم صادق مجلس الرئاسة على الاتفاقية في الرابع من كانون الاول نوفمبر، لتكتمل الاجراءات لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ في اليوم الاول من عام 2009.
وخلال العام 2008، كانت هناك سلسلة من الاحداث الامنية التي حصدت ارواح الاف الضحايا العراقيين على شكل تفجيرات بسيارات مفخخة او عبوات ناسفة او اغتيالات مباشرة، وربما كان بروز ظاهرة “النساء الانتحاريات”، ساهم في تنفيذ العشرات من العمليات التي قتلت المئات من العراقيين، خصوصا في محافظة ديالى التي قال مسؤول امني فيها لـ(اصوات العراق) ان اكثر من 25 عملية نفذتها نساء انتحاريات ، فضلا عن وجود كتيبة كاملة من الانتحاريات يقوم بتدريبها تنظيم القاعدة في سلسلة جبال حمرين.
ويرى مدير تحرير صحيفة الاهالي سامان نوح، إن “ظاهرة النساء الانتحاريات كانت بارزة على صعيد الاحداث الامنية في العراق، اذ انها قدمت دليلا واضحا على تراجع قدرة تنظيم القاعدة على تنفيذ العمليات وفقا لاسلوبه التقليدي القائم على الهجمات المباشرة او تفجير سيارات مفخخة يقودها انتحاريون او مركونة بشكل منظم قرب التجمعات المدنية”، ويعزو نوح هذا التراجع الى “فقدانهم (عناصر القاعدة) لقاعدتهم الرئيسية في محافظة الانبار بعد مطاردة عناصر الصحوة لهم، فضلا عن قلة التحاق المسلحين العرب بالتنظيم وتنفيذ الهجمات الانتحارية التي كان ينفذها في الغالب مسلحون من السعودية والكويت وليبيا وغيرها من البلدان التي تضم متشددين اسلاميين، وهذا ما يمثل السبب الرئيسي في بروز ظاهرة الانتحاريات اللواتي وجدت فيهن القاعدة، التعويض الفعال لفقدانها للانتحاريين العرب، وهو ما تسبب ايضا في نفور اوسع من قبل العراقيين لاساليب تنظيم القاعدة”.
ويعتقد عضو لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب عباس البياتي، ان “من اهم المؤشرات التي طرأت على الوضع الامني في عموم العراق هو سلسلة عمليات فرض القانون في بغداد والبصرة وديالى والعمارة والموصل التي نقلت الاتجاه الامني نحو الاستقرار، الامر الذي ادى الى ايجاد حالة معنوية ومادية لدى الشعب العراقي الذي رأى ان الدولة قد استردت من خلال هذه العمليات هيبتها وسلطتها”.
ويضيف البياتي في حديثه لـ(اصوات العراق) أن “تجهيز وتسليح القوات الامنية العراقية وزيادة اعدادها من اهم المتغيرات خلال العام الحالي، كما ان اقرار الاتفاقية الامنية التي وقعت بين العراق والولايات المتحدة، أشرت بشكل واضح على ان الجانب العراقي مؤهل للسيطرة على الاوضاع الامنية في عموم البلاد”.
ويتفق مع البياتي، نائب رئيس لجنة الامن والدفاع في البرلمان عبد الكريم السامرائي الذي يقول ان “من اهم المؤشرات على التحسن الامني في عموم العراق هو القضاء على المجاميع المسلحة التي كانت تقوم بالقتل والخطف والابتزاز من خلال العمليات التي نفذتها الحكومة العراقية”.
ويضيف السامرائي لـ(اصوات العراق)، إن من ابرز المتغيرات في الاوضاع الامنية “هو تحسن اداء القوات الامنية بعد تطهيرها من المليشيات، وكذلك الانتشار الكبير والواضح لقوات الجيش والشرطة، فضلا عن تعاون المواطنين مع الاجهزة الامنية الذي ساهم في دعم الثقة فيما بينهم”، مبينا ان كل هذه الامور “كانت عاملا مساعدا في تحسن الوضع الامني في العراق”.
ويتابع السامرائي ان “أوامر القاء القبض والاعتقالات اصبحت تجري بموجب اوامر قضائية، وفيها مراعاة لحقوق الانسان، وهذا واحد من المؤشرات الايجابية”.
من جهته، يرى المستشار الاعلامي في وزارة الدفاع محمد العسكري ان “تطور القدرات القتالية والامنية للقوات العراقية، كانت من ابرز المتغيرات في الساحة العراقية بعد ان نفذت قواتنا معظم العمليات العسكرية في بغداد والبصرة وديالى والعمارة والموصل، وهذا ما أسهم بشكل كبير في التحسن الامني في عموم العراق”. مستدركا ان “تعاون المواطن مع الاجهزة الامنية ساهم في تغيير المعادلة، اذ ان العراقيين يرفضون الان ايواء أي من الجماعات المسلحة، بل صاروا يبلغون عن اماكن تواجدهم ويتعاونون مع الاجهزة الامنية”.
ويضيف العسكري ان “تواجد قوات الصحوة في محافظة الانبار ومحافظات ومدن عراقية اخرى كانت في اوقات سابقة غير آمنة، ساهم ايضا في تغيير الاوضاع الامنية الى الافضل وتدعيم الاستقرار بهذه المناطق”.
المواطنون العراقيون، وهم المعنيون الاساس بالاوضاع الامنية في البلاد، اشاروا الى ان الاوضاع تغيرت نحو الافضل بشكل كبير، وهو ما انعكس على طبيعة الحياة في شتى مدن العراق، الا ان مواطنا مسيحيا رأى الامر مغايرا، فهو يعتقد ان عام 2008 كان عاما مميزا في ما سماها “سلسلة استهداف المسيحيين”.
ويقول اسكندر يوسف ان “حملة الاستهداف الدامية التي تعرض لها المسيحيون في الموصل كانت قاسية، وهي جزء ما نعتقد انه مخطط لتغيير طبيعة المدينة وتفريغها من المسيحيين”، منتقدا في الوقت نفسه “الاجهزة الحكومية في محافظة نينوى التي عجرت عن توفير الحماية للمسيحيين، وهو ما جعلنا نعتقد ان التحسن الامني الذي يتحدثون عنه ليس أمرا حقيقيا”.
ويخالفه الرأي الشاب الثلاثيني محمد محسن الذي يسكن احدى مناطق الرصافة ببغداد، ويقول “المتغير الذي نثق به ان القوات العراقية هي التي تسيطر على الارض في مناطقنا”، مبينا ان هذا التغير “أبتدا مع انتهاء عمليات صولة الفرسان والاحداث التي رافقتها في بغداد، اذ انسحب المسلحون من الشوارع بعد ان كانوا يسيطرون عليها تماما، ولم نعد نلحظ وجودهم بشكل علني وبارز مثلما كان الامر عليه قبل العمليات”.
ويتابع محسن “الان انتهى العداء الطائفي بين اهالي بغداد، لم نعد نتوجس او نخاف حين نسير في شوارع الاعظمية او نتوجه لمقار عملنا في أي مكان من بغداد”، معتقدا ان ظاهرة المفخخات والعبوات “ستقل حتما مع الوقت، وهي لا تقارن بمخاطر الاستهداف على الهوية الطائفية التي كانت تستنزفنا ويروح ضحيتها العشرات من العراقيين كل يوم”.
ويقول المهندس بسام احمد الي يسكن مدينة دهوك الشمالية، ان “التفجير الانتحاري الذي اودى بحياة العشرات من العراقيين في مطعم عبد الله شمال كركوك، كان الحدث الامني البارز بالنسبة لنا كأكراد، خصوصا وان كردستان والمناطق المحيطة بها كانت تشهد استقرارا واضحا طوال السنوات الماضية”، مستدركا “لكن لا غرابة ان تستهدف الجماعات المسلحة تجمعا يضم سياسيين كرد وعرب وتركمان يسعون الى تقوية الروابط بين مكونات محافظة كركوك، لان الحوادث الامنية كما اثبتت التجربة تهدف الى تعميق الفرقة بين العراقيين وشل وتعطيل العملية السياسية التي ارى انها الان افضل”.
وكان انتحاري فجر نفسه نفسه بحزام ناسف في م11 كانون الاول ديسمبر الجاري، داخل مطعم شعبي شمالي محافظة كركوك، ما ادى الى مقتل 47 واصابة 100 جريح في رابع ايام عيد الاضحى.
وجاءت الدراسة الاحصائية التي نشرتها مجموعة احصاء القتلى العراقيين IBC يوم السبت الماضي، لتظهر أن أعمال العنف هبطت في العراق من أعلى مستوياتها في العامين 2006-2007، وأن على الاقل من 8.300 الى 9.000 مدنيا قتلوا في العراق في العام 2008، ووجدت الدراسة ان 25 مدنيا كانوا يقتلون في اليوم الواحد في العام 2008.
وكان هذا العدد اقل بكثير مما كان عليه في العامين 2006-2007، عندما قتل على الاقل 84.000 مدني، فيما يقول جون سلوبودا المؤسس المشارك للمركز ان هناك اخفاضا كبيرا جدا في اعداد قتلى العنف قياسا للعام الماضي، وكان هذا الانخفاض اكثر بروزا في بغداد.
وقال سلوبودا إن انخفاض العنف في العام 2008 عكس بطء عمليات القتل “بين المجتمعات” او “القتل الطائفي”، التي ارتفعت في اعقاب تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء في شباط فبراير 2006.