قتلته (حياديته) بين السُنّة والشيعة وضغوط (الأطراف السياسية) دفع القاضي الى (التخلي عن الدعوى)!
عائلة اللواء (المعموري) تنتظر (عدالة القانون) والأميركان يتهمون المجلس والدعوة وجيش المهدي في بابل
شؤون سياسية - 18/01/2009
بابل-واشنطن-النور:
قتلته "حياديته" بين السُنّة والشيعة خلال قيادته للشرطة في محافظة بابل، لكنّ الأميركان يتهمون العناصر الحزبية التابعة للمجلس والدعوة وجيش المهدي باغتياله. وعائلته التي تنتظر "عدالة القانون" بعد نحو سنة مرّت على فقده، فوجئت بتخلي القاضي المختص عن الدعوى بعد أن تعرّض لتهديدات الأطراف المتنفذة المسؤولة عن جريمة اغتياله.
التفاصيل كثيرة ومتشابكة عن عملية "التخلص" من الطيار السابق الذي فُصل سنة 1991 بعد إعدام أبيه بتهمة الانتماء الى حزب ديني". وأخوه الذي يروي الكثير من المعلومات عن "ملابسات قضية الاغتيال والمحاكمة" قرر ترشيح نفسه لانتخابات المحافظة، ربما كما يقول خصومه "لينتقم من أعداء أخيه" لأنه يعتقد أن "الأقوياء" لا يسمحون للقانون بتطبيق عدالته ضد المجرمين.
وقال (نيد باركر) مراسل صحيفة لوس أنجلوس تايمز إن عائلة لواء الشرطة (قيس المعموري) مازالت تنتظر سماع صوت "عدالة القانون". وكان (المعموري) رئيس شرطة محافظة بابل السابق قد قتل، بسبب رفضه "الركوع" أمام ضغوط الأحزاب السياسية، طبقاً لما قاله أخوه. وأكد (باركر) أنّ سنة كاملة مرّت على مقتل (المعموري) وعائلته تنتظر أن يُعرض المشتبه بهم على محكمة مختصة!.
في غرفة استقبال معتمة ببيت محاط بالجدران الكونكريتية، كان (صفاء المعموري) يمسح الدموع عن عينيه، وهو يلوم نفسه وينتقدها، لأنه لا يشبه أخاه المتوفى، إذ هو رجل حتى أعداؤه يحترمونه. يقول (صفاء): ((كان قيس لا يخاف. وأنا لست مثله)). وأضاف موضحاً: ((من التهديد الأول، تركت كل شيء)).
ويشار الى أن اللواء (قيس حمزة المعموري) عُيّن مسؤولاً عن الأمن في محافظة بابل في وقت مليء بالمخاطر، عندما كانت الحرب الطائفية متفجرة في البلد. يومها كان منتقدوه يتهمونه بتسيير القانون على مزاجه، وطبقاً لهواه، لكنّ داعميه يقولون إن (المعموري) المسلم الشيعي كان يقود الأمور بالوقوف وسطاً بين العرب السنة، وبين الأحزاب الشيعية التي تهيمن على السلطة.
ويعتقد مراسل الصحيفة الأميركية –طبقاً للمعلومات التي استقاها ممن التقاهم في مدينة الحلة مركز محافظة بابل أن الرجل دفع حياته "ثمناً غالياً" لحياديته: فقبل نحو السنة، قتل عندما مزّقت قنبلة شديد القوة سيارته ألـ SUV المدرّعة. واعتقلت الشرطة 4 رجال مشكوك بأنهم زرعوا القنبلة، لكن أخاه (صفاء) يعتقد أنهم كانوا "مأجورين" من جهات أخرى!.
وبدا أخوه –كما يقول نيد باركر المحلل السياسي في لوس أنجلوس تايمز- يفكر بالكلمات التي ينتقيها وهو يتّهم من قتل أخاه بحذر واحتراس شديدين، عارفاً أن أخاه لم يعد موجوداً ليحميه من "الأقوياء". وقال: ((قيس لم يكن يتحمّل تدخل أي حزب يحاول التدخل في عمله. وكان ذلك واحداً من الأسباب التي أدت الى مقتله)).
ويتذكر (صفاء المعموري) كيف أنه كان جالساً في المحكمة خلال شهر أيلول الماضي، آملاً أن يرى الرجال الأربعة المتهمين بزرع القنبلة يدلون بإفاداتهم. وبدلاً من ذلك، طلب القاضي المختص إعفاءه من النظر بهذه القضية. قال (المعموري) ذلك مستشهداً بالضغوط السياسية التي تعرّضت لها المحكمة. كما تلا القاضي أيضا ادعاءات بأن المحتجزين تعرّضوا للتعذيب لانتزاع اعترافاتهم. وأضاف (المعموري) قوله: ((لقد أخافت الأطراف السياسية القاضي، وجعلته يترك الدعوى)). وأوضح قائلاً: ((ربما كان حزب سياسي في السلطة هو الذي مارس التهديد ضد القاضي، أو جهة لها ميليشيات)).
وبعد أن تنازل القاضي –يقول مراسل الصحيفة- حُولت القضية الى محكمة جنايات بغداد. وحُدّد موعد في آخر المطاف، وعندما "فشلت الشرطة في جلب المتهمين الى المحكمة يوم الأحد الماضي "الموافق 11 كانون الثاني 2009" تأجلت المحاكمة ثانية!.
يضيف المراسل: إن نتائج عملية الاغتيال وعجز العدالة عن أن تأخذ مجراها يكشف الكثير بشأن الفساد، والطبيعة غير الثابتة لقضايا العدالة في العراق؛ فبعد أكثر من خمس سنوات على إسقاط نظام الرئيس السابق (صدام حسين) ليس هناك أي شخص من الحزب الرئيس في الحكومة اتهم بانتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية، طبقاً لوصف (نيد باركر).
وقال إن المحاكمة يمكن أن تعطي معياراً مدى رغبة الحكومة في التدخل في دعاوى التحقيق، مما يُظهر أن أشخاصاً في الأحزاب الحاكمة في العراق قد ارتكبوا "جرائم". وعائلة (المعموري) ليست متفائلة بما ستسفر عنه المحاكمة بشأن اغتيال فقيدها اللواء (قيس المعموري). وتقول إنها لا تستطيع أن تفهم كيف أنّ "قادة الشرطة العراقية" الآن يطمئنون على أنفسهم، وهم يرون أن دم زميل لهم يضيع هدراً، كما أنّ العائلة مصابة بالذهول لأنّ الحكومة التي عيّنت (المعموري) وخدمها في أحلك الظروف، تتخلى عنه كنتيجة لضغوط الأحزاب المتنافسة!.
ويشدّد (صفاء المعموري) على القول: ((طالما هؤلاء الناس يحكمون في العراق، لا أعتقد أننا سنشهد محكمة عادلة)). ولم يُحدّد في كلامه من يقصد بالضبط بـ "هؤلاء الذين يحكمون" لكنّه يعني طبقاً لتفسير سابق في كلامه "جميع الأحزاب السياسية" التي تمسك بزمام السلطة الآن!.
وعلى عكس ذلك –يقول مراسل الصحيفة- فإن المسؤولين الأميركان قد أوصوا أن يصدر القاضي قراراً يحتج فيه على الضغوط السياسية. وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي أميركي في بغداد، ليس مخولاً للحديث بشأن القضية على الصعيد العلني، قوله: ((إنّ طلبه لتحويل القضية الى بغداد، أزعج بعض أطراف المؤسسة السياسية في بابل، ويمكن أن يعرّض الأمن الشخصي للقاضي للخطر)).
ويعتقد مراسل المراسل أن (المعموري) أثار عداء "اللاعبين الكبار في الأحزاب الوطنية الشيعية" بضمنها المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، وحزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء (نوري المالكي) ومليشيات جيش المهدي التابعة لرجل الدين (مقتدى الصدر). وحوالي قبل شهر من اغتيال اللواء (المعموري) كان قد واجه "المجلس والدعوة" بالتصدي لعناصرهما الذين داهموا مراكز الشرطة في منطقة بشمال محافظة بابل، وحاولوا الاستيلاء على الأسلحة.
ويقول (نيد باركر): في بيت الرجل الذي فقد حياته بسبب "صرامته" في تنفيذ القانون، تجلس أرملته وأخوه في غرفة الاستقبال، التي تزيّن أحد جدرانها صورة للواء (المعموري) وبجانبها آيات من القرآن الكريم. ووضعت نقطة حراسة في الخارج بعد أن أطلق مسلحون النار على البيت بشكل عشوائي في أيلول الماضي في أعقاب إعفاء القاضي لنفسه من الدعوى خلال المحاكمة.
ويؤكد مراسل لوس أنجلوس تايمز أن (صفاء المعموري) قرّر الترشيح للانتخابات المحلية في محافظة بابل هذا الشهر. ويعتقد خصوم أخيه أنه ببساطة يريد أن يستخدم حادثة اغتيال أخيه لمصلحته؛ أو أنه يحضّر لخطوة يصفونها بأنها خيالية أو "دونكيشوتية" للانتقام لشقيقه. بمعنى أنهم يسخرون من قدرته على فعل ذلك.
ويقول (صفاء المعموري): ((إنّ الأشخاص العدوانيين الذين قتلوا أخاه، يتوقعون أنه انتهى))!. ويستدرك قائلاً: ((لكنّ قائمتنا الانتخابية قررت إكمال مهمته)). ويؤكد مراسل الصحيفة أن (المعموري) يتحدث عن ماضي أخيه؛ طيار الميغ الذي أجبر على ترك القوة الجوية سنة 1991 عندما أعدمت الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الرئيس السابق (صدام حسين) أباه بتهمة الشك بعلاقته بحزب ديني. وقد أمضى العقد التالي لتلك السنة في أعمال مختلفة، بضمنها بيع السيارات، وفي سنة 2003، وبعد سقوط النظام السابق، رشحه الناس في الحلة ليكون قائداً لجهاز الشرطة.
وإثر ذلك –يقول المراسل- تتابعت قصص الشجاعة التي أكدها (المعموري). لقد نجا من عملية تفجير لبيته. وحالما أخرج هو وزوجته من بين الأنقاض، جمع رجاله لمداهمة المنطقة التي شك أن المهاجمين انطلقوا منها. لم يتردّد في أن يطارد "الأقوياء" حتى بعد أن جرى تهديده بالطرد من قبل مجلس المحافظة الذي يهيمن عليه أعضاء المجلس الأعلى الإسلامي الذي يقوده (عبد العزيز الحكيم). وقد امتدح الأميركان شجاعته، كما يقول مراسل الصحيفة.
ويقول (صفاء المعموري): ((إن أخاه أراد تنفيذ القانون في المحافظة، وليس قانون الأحزاب والميليشيات. وهذه الأحزاب لها أفكارها الخاصة ورؤيتها المحدودة لكيفية تطبيق القانون. إنّ المسؤولين عنها يريدون لوجهات نظرهم أن تسود، لكنه لم يوافق على ذلك)).
أما زوجته –يقول المحلل السياسي نيد باركر- فهي تتحدث عن موت زوجها، وهي تتلفع بعباءة سوداء، فيما يتصاعد حديثها بقسوة ضد الحكومة التي ظلمت زوجها، لكنّ (صفاء) يحاول تهدئتها. وبرغم ذلك تقول زوجة الفقيد (المعموري): ((لقد علّمنا قيس أن لا نخاف وأن نرضى بمصيرنا)). وأكدت قولها: ((لم يكن يعرف أي معنى للخوف)).
المصدر : النور - الكاتب: النور