 |
-
د. الشهابي- بين حزب الدعوة وأحرار البحرين
لعام 1979 يعني للشاب الشيء الكثير، فهو العام الذي انتصرت فيه الثورة الاسلامية ضد نظام الشاه في ايران، وبالتالي فهو، في نظره، عنوان لانتصار المظلومين على الظالمين، وهو العام الذي حقق فيه نصف دينه، وارتبط فيه بشريكة حياته التي كتب لها ان تشاطره همومه وآلامه في ما هو آت من السنوات العجاف، وهو العام الذي كان بداية لعهد جديد في العالم الاسلامي بدخول الاسلام السياسي على خط المعارضة من بابها الاوسع، ووصول عملية البناء الذاتي والتربية الفردية لدى التنظيمات الاسلامية في اغلب مناطق العالم الاسلامي الى مرحلة النضج ، والتمهيد بذلك لخوض غمار السياسة بأطر جيدة. اما بالنسبة للشاب على الصعيد الشخصي، يعني ذلك العام نهاية عهد شبابه بتربته، فلن يرى هذه الارض منذ الآن حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. لقد قضى آخر رمضان له في بلده مستمتعا بصحبة اخوته ورفاق دربه، وكانت معنوياته هذا العام مرتفعة لانه حقق احدى امنياته، وارتبط بزوجة ستكون له نعم الرفيق في طريق المعاناة الطويل. الشاب بدأ بعد عودته من بلده عامه الثالث في بحث الدكتوراه بجامعة سيتي في لندن، واستقر في شقة متواضعة مع زوجته، وبدأ حياة جديدة ستكون لها انعكاساتها لاحقا. قبل بضعة شهور، كان الشاب واحدا من اربعة من النشطاء أوكلت لهم مهمة ادارة التنظيم السري في العاصمة البريطانية،وهم حيدر العبادي وعبد الفلاح السوداني وحسين العلاق، والعبادي هو الذي سيصبح لاحقا وزيرا في الحكومة المؤقتة التي شكلت بعد اسقاط نظام صدام حسين. التنظيم يومها كان دوليا، ولم يختص بقطر دون آخر، وان كان حزب الدعوة الاسلامية قد تشكل في العراق في نهاية الخمسينات على ايدي ثلة من العلماء والمثقفين من بينهم الشهيد السيد محمد باقر الصدر رحمه الله. وكان من بين مهماته في اجازته الصيفية التي قضاها في بلده وتزوج خلالها، التواصل مع تنظيم الداخل، ومواصلة العمل مع الاعضاء العائدين في شهر الصيف الى وطنهم، بالاضافة الى التداول في مستقبل العمل التنظيمي في ظل اكبر تطور تشهده المنطقة، متمثلا بالثورة في ايران. الاجواء كانت تتجه نحو اللامعلوم، فالتنظيم يسعى للابقاء على سريته، مع دعمه النشاط الاسلامي العلني، بينما بدأت شخصيات تعمل بصورة فردية في العمل السياسي المعارض للنظام، وان كانت اهدافها آنذاك محصورة بالقضايا ذات الطابع الاخلاقي و الديني الصرف. الشاب غير مفوض بالانفتاح الكامل على ادارة التنظيم في الداخل، ومهمته مقتصرة على ما يقتضيه بقاؤه القصير هناك من تنسيق عام ومناقشات غير ملزمة للوضع العام ووجهة المسيرة السياسية والتنظيمية وما ستؤول اليه الاوضاع في المنطقة. جمعية التوعية كانت بالنسبة له، واحدة من المؤسسات التي ارتبط بها منذ شبابه وبالتالي قضى جل اوقات فراغه فيها وشارك في بعض فعالياتها.
لدى عودته من بلده واستقراره في عاصمة الضباب، كانت الاجواء واعدة بمستقبل متحرك على المستوى التنظيمي والسياسي. يومها كان اغلب الشباب يتفاعل مع مجريات الثورة الاسلامية في ايران، خصوصا انها كانت تعيش حالة من التوتر بسبب الاغتيالات المتواصلة لرموزها مثل آية الله مرتضى مطهري ومحمد مفتح. وفي خريف ذلك العام انتقل الى رحمة ربه آية الله السيد محمود طالقاني، الذي كان من اكبر رموز الثورة ويحظى باحترام وتأثير واسعين في اوساط الطلبة والمثقفين، وان كانت بعض آرائه لم تتفق مع قائد الثورة، الامام الخميني رحمهما الله. شارك الشاب مع زوجته في مسيرة كبيرة في شوارع العاصمة البريطانية لتأبين الطالقاني، وكانت بالنسبة للزوجة الشابة، تجربة لم تكن تتوقعها. فهي التي لم تعش يوما عالم السياسة من قريب او بعيد، وها هي اليوم تعيش في عمقها من اول ايام زواجها. الشاب لا يطلع زوجته على عمله التنظيمي. وكثيرا ما كانت تسأله عن فترات غيابه التي لا ترتبط بالدراسة او العمل الاسلامي المكشوف في رابطة الشباب المسلم او ما يرتبط بالجمعية الاسلامية بالجامعة. لكنه عودها ان تقلل من الاسئلة، فهناك أمور لا حاجة لها لمعرفتها. وقد علمه العمل التنظيمي مبدأ يقول ان "المعلومات تعطى للآخرين حسب الحاجة وليس حسب الثقة". لكنها تجد نفسها مطالبة بطباعة منشورات سياسية ضد نظام العراق في البداية، بأسماء وعناوين مستعارة، لان التنظيم لم يعلن عن وجوده بعد. وثمة منشوران كان لهما الأثر لاحقا في عمل تنظيمي آخر يشارك فيه الشاب. فقد كتب الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر في 1979، منشورين سريين حول الوضع العراقي يستنهض فيهما العراقيين لتغييره، وذيلهما باسم "أحرار العراق"، طلب الشاب من زوجته طباعتهما ووزعا على نطاق واسع.
في مارس من ذلك العام وصل الى العاصمة البريطانية الدكتور موفق الربيعي (أبوعلي) ، قادما من العراق لمواصلة دراسته التخصصية في الطب العام، وعاش مع الشاب في شقة واحدة. وكان على صلة محدودة ببغداد، حيث كان التقى مع الشهيد الصدر قبل مغادرته، ومع بعض الرموز الاخرى مثل الدكتور حسين الشهرستاني الذي كان يعمل بالمشروع النووي العراقي. الدكتور الربيعي كان يرفض الانضمام لقيادة التنظيم لانه، حسب قوله، يمثل السيد الصدر في بريطانيا. وبعد استشهاد المرجع الشهيد الصدر وافق على الانضمام الى قيادة التنظيم التي كانت قد أعيد تشكيلها لتدير عمل حزب الدعوة في اوروبا وامريكا. ونظرا للملاحقة الممستمرة من النظام العراقي للحزب وكوادره، وعدم وجود قرار مركزي بالاعلان عن وجود التنظيم، استمر الحزب يعمل سرا، ويحرك الامور تحت مظلات اخرى وعناوين مختلفة. وفي أول خطوة للتنظيم في اوروبا عقد في بداية العام 1980 بالشقة التي كان يسكن الشاب فيها، مؤتمر حضره ممثلون عن بعض الاقاليم، من بينهم المرحوم محمد خضير من الكويت. أدار المؤتمر ليث كبة ولم يكن عضوا في قيادة التنظيم بعد ولكن تم اختياره من قبل القيادة في اوروبا. في 1979 حقق التنظيم اربعة امور مهمة. اولها تشكيل قيادة جديدة توسعت لاحقا لتضم كلان من حيدر العبادي (أبو ياسر)، وموفق الربيعي (أبو علي)، ليث كبة (أبو سامي)، جاسم حسين (أبو فراس)، وعبد الفلاح السوداني (أبو مصعب)، بالاضافة الى الشاب الذي كان مسؤولا عن الملف الخليجي في التنظيم. وثانيها: تشكيل مظلة للعمل السياسي ضد النظام العراقي، تضم ائتلافا يضم حزب الدعوة وحركة جند الامام، تحت اسم "حركة التحرر الاسلامية في العراق". جاء التأسيس في اجتماع عقد بشقة الشاب، وضم كلا من زهير الاعرجي وحيدر العبادي وسعيد الشهابي وموفق الربيعي وليث كبة وحسين العلاق (من حزب الدعوة) وسعد جواد ومحمد الحسني ومعن الجميلي ورشيد كاظم (من جند الامام) والثالث اصدار اول مطبوعة اسلامية معارضة باسم "المجاهدون" كان الشاب مسؤولا عن اخراجها بالتعاون مع الدكتور الربيعي، وتقوم زوجة الشاب بطباعتها على الآلة الكاتبة. ورابعها الدخول في المعترك السياسي العلني بتنظيم اعتصامات ومظاهرات في العاصمة البريطانية اولها مسيرة انطلقت من الهايد بارك في ابريل 1979. كان الشاب واخوته الخليجيون هم الذين تقدموا تلك التظاهرة التي تعرضت لاعتداء من البعثيين الذين جيء بهم في باصات من مدن بريطانية عديدة. وقد انخرط مع الشاب عدد من رفاق طريقه من بينهم محمد جميل الجمري وأنور الحربي (من الكويت) وحسن الصغير وعمار المحروس والسيد بدر علوي وعبد الهادي جعفر وغيرهم. كان هؤلاء في طليعة الناشطين ضد نظام البعث آنذاك، حيث يوزعون المنشورات وينظمون الاعتصامات والتظاهرات ويجمعون التبرعات. فمثلا كان عمار المحروس يذهب كل جمعة الى المسجد المركزي في لندن ليوزع نشرة "المجاهدون" وليجمع التبرعات من المصلين. ومن هذه التبرعات يتم تمويل الانشطة المتعددة. وأسجل للتاريخ ان هذه الثلة كانت رأس الحربة في انطلاق العمل السياسي والاعلامي ضد نظام صدام حسين، لأن العراقيين كانوا يخشون على انفسهم وعائلاتهم من انتقام النظام. اما الجيل الذي سبقهم فقد وزع اول منشور ضد نظام البعث في العام 1976 بعد اعدام العلماء الخمسة، وكان من بينهم عبد الحسين المتغوي وحميد منصور وعبد النبي الفردان، بالاضافة الى الشاب نفسه. في ديسمبر من ذلك العام، حدث او ل امتحان صعب لحركة التحرر الاسلامية في العراق. فقد عاد احد اعضائهامن سفرة الى بيروت، واعتقل في المطار ومعه كمية صغيرة من مادة متفجرة. اعتقل (( ج )) في مطار هيثرو، بعد ان اكتشفت المادة في ثلاث علب معجون الحلاقة، وهو صاحب اللحية الكثة. الحركة لم يكن لديها علم بما فعله ذلك الشاب، ولم تكن ضالعة فيه. اعتقل (( ج )) وحكم عليه بالسجن عشر سنوات قضى اكثر من ثلثيها ثم أبعد. وخلال التحقيقات الاولية اعتقلت الشرطة البريطانية ثلاثة آخرين من اعضاء الحركة بعد العثور على اسمائهم في مفكرة (( ج )) ، ولكن اطلق سراحهم لعدم ثبوت اي دور لهم مع الشخص المعتقل.
تواصلت ايام الشاب بلياليه في خضم العمل الاسلامي السياسي. فقد شارك في الاعداد لاول تظاهرة ضد الاحتلال السوفياتي لافغانستان وذلك في ديسمبر 1979، وتابع اخبار اعتقال الشهيد السيد الصدر واعدامات اعضاء حزب الدعوة. وكان ايضا من المهتمين بحركة المرحوم السيد عباس المهري في الكويت، ابتداء من التجمعات في المساجد حتى ترحيله الى ايران. وشعر بان الوضع يزداد خطورة في الخليج عندما حدثت حادثة جهيمان العتيبي، الذي قيل انه ادعى بانه المهدي المنتظر، واحتل ومعه اكثر من 400 من اتباعه المسجد الحرام وتمترسوا داخله، ولم تحسم الازمة الا بتدخل قوات فرنسية استقدمت لهذا الغرض، وقتل جميع اعضاء المجموعة داخل الحرم. الخليج بدا على موعد مع حركة واسعة من الاضطراب، كما يبدو.
الاخبار ترد من البلاد بان الوضع يزداد توترا، فالشيخ العكري ما يزال معتقلا منذ عودته من ايران في نهاية اغسطس من ذلك العام ومعه الشيخ علي العصفور (والد الشهيد الشيخ جمال) والحاج عيسى شريفي، وكيل الامام الخميني في البحرين حيث اودعوا السجن بجزيرة جدة، والاجواء ملبدة بالسحب السياسية بكثافة. يستلم الانباء عن تزايد اعداد ابناء بلده الذين هاجروا لتفادي غضب النظام وسلطة قانون امن الدولة الذي بدأت العائلة الحاكمة في تطبيقه بشراسة. يتدبر الامر مع اخوته في التنظيم حول قضايا الامة عموما وقضايا المنطقة خصوصا تداعيات الثورة وانعكاساتها على الشعوب المجاورة. في ابريل 1980 الانباء تقول ان الشهيد الصدر قد اعتقل ونقل الى بغداد، فيصدر قرار بالاعتصام امام مؤتمر اسلامي كبير، يحضره وزير الاوقاف العراقي آنذاك، عبد الله فاضل، يقام بقاعة "ألبرت هول" الشهيرة. وفيما المجموعة متوجهة لمكان الاعتصام اذا بانباء غير مؤكدة تتحدث عن اعدام الشهيد الصدر، فينقلب الاعتصام الى حالة من الهيجان، ويتم اقتحام قاعة المؤتمر وترفع الشعارات ضد نظام صدام حسين. وما ان ينتهي الاعتصام حتي تبدأ الاتصالات على الصعيد العالمي للبحث في مصير الشهيد الصدر، فيتأكد خبر اعدامه، وتسود حالة من الحزن الشديد.
العالم يقف على كف عفريت هذه الايام، فالكل يتابع ما يجري في ايران. الطلبة الايرانيون اقتحموا في نوفمبر الماضي (1979) السفارة الامريكية في طهران، واحتجزوا عددا من الدبلوماسيين، واحدث ذلك ازمة للولايات المتحدة لم تشهد مثلها من قبل، وقبل انتهاء العام يكلف الشاب بالسفر الى كندا لبدء عمل تنظيمي هناك، ويرجع فرحا بما انجزه.
كان العام 1980 قد شهد توترا شديدا جدا. الشاب منخرط في عمله الاجتماعي والسياسي، من خلال الجهات التي يعمل من ضمنها، فبالاضافة الى الجمعية الاسلامية ورابطة الشباب المسلم، والتنظيم، شارك مع آخرين من كافة البلدان في تأسيس "لجنة التضامن الاسلامية" التي تنظم المسيرات للاحتجاج ضد الاحتلال السوفياتي لافغانستان والانقلاب العسكري في تركيا والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، ودعم الثورة في ايران. وتضم اللجنة عددا من رموز الاخوان المسلمين مثل الدكتور علي الطاهر والدكتور غازي صلاح الدين (الذي اصبح لاحقا وزير الاعلام في السودان وما يزال كذلك) والدكتور محمود الخاني (اخوان سوريا) وتنظيم واسطي (من الجماعة الاسلامية في باكستان) ومحمد عبد السلام من بنغلاديش، والمرحوم الدكتور امانيار ممثل المجاهدين الافغان في لندن وغيرهم. وفي اطار عمله التنظيمي، أسس الشاب مع اخوته نشرة "صوت العراق" باللغة العربية و نشرة "الدعوة كرونيكل" بالانجليزية، وكان يشرف على اصدارهما بانتظام حتى العام 1985 بالتعاون اساسا مع الدكتور الربيعي والدكتور ليث كبة. الوضع في العراق متوتر جدا منذ حادثة جامعة المستنصرية التي حاول فيها احد الاشخاص اغتيال طارق عزيز، وصدر على اثرها قرار باعدام من ينتمي لحزب الدعوة او يتعاطف معه او يروج لافكاره.
الاتصال مع التنظيم في البحرين مستمر، من خلال المسافرين او الكتابة بالحبر السري. ولدى انتشار خبر اعدام الشهيد محمد باقر الصدر في البحرين خرجت المظاهرات والاحتجاجات ضد المؤسسات العراقية، مثل الخطوط الجوية العراقية والسفارة ومصرف الرافدين. وأقام علماء البحرين مجلس فاتحة بمسجد مؤمن، وفي اليوم الاخير خرجت مسيرة في شوارع المنامة وحدثت مصادمات شديدة مع الشرطة. اعتقالات واسعة وتعذيب رهيب يدشن مرحلة جديدة في البلاد. يتصل به اخوته ليخبروه بان اسمه ورد على لسان بعض المعتقلين، وينصحونه بعدم العودة الى البلاد. كان يعتقد انه اجراء مؤقت، ولكن الظروف اللاحقة تؤكد له ان هذا الوضع الامني سوف يتواصل. كان من نتيجة تلك الاحتجاجات اعتقال الكثيرين من بينهم الشاب جميل العلي. وبعد أيام قليلة يصدم الشعب باستشهاد هذا الشاب تحت التعذيب الوحشي، وتسلم جثته الممثل بها الى اهله، فيتم تصويرها لابراز اول دليل موثق على ضلوع جهاز الامن الذي يديره ايان هنرسون في التعذيب على نطاق واسع. وما هي الا ايام قليلة اخرى حتى تسلم جثة الشهيد كريم الحبشي مبضعة بأدوات التعذيب. الاتصالات مستمرة لمواجهة هذه الحقبة التي تزداد سوادا، والبلاد على مرجل من نار. تعتقل مجموعة الشيخ جمال العصفور التي تضم ايضا كلا من جعفر المحاري وسلمان رمضان (من دار كليب) ومحمد مرهون، وهما مهندسا طيران بطيران الخليج، وعلي العسبول من الماحوز. وفي ليلة العشرين من صفر من ذلك العام تم اعتقال الشيخ ناصر الحداد مع مجموعة من اخوته وقضوا سبع سنوات في السجن. وما هي الا بضعة شهور حتى تسلم جثة الشيخ جمال العصفور شهيدا بعد المعاملة الرهيبة التي لقيها على ايدي السجانين. كان ذلك في العام 1981.
لقد كتب على الشاب (كما كتب على غيره من المواطنين الذين بدأوا في الهجرة بأعداد تتصاعد باضطراد) ان يقضي شهر رمضان هذا العام في الخارج. رمضان هذا العام له طعمه الخاص في عاصمة الضباب، فالشباب يجتمعون في رابطة الشباب المسلم بمنطقة تشيلسي، يتعبدون ويقرأون دعاء الافتتاح، ويستمعون الى كلمات من علماء ومثقفين من مختلف البلدان. وتبدو مشاركة شخصيات محسوبين على الثورة في ايران نقطة جذب يومها للشباب. لم يعد الشاب يهتم بنوع الطعام او الشراب، بل اصبح منهمكا مع اخوته في تدبير امورهم، لكنه يلحظ ان اوضاع المنطقة تفرض على كل مجموعة الاهتمام بمشاكل بلدانها، بعيدا عن العمل الجماعي الذي كان سائدا في السبعينات. فها هو يتداول مع اخوته ما ينبغي عمله لمواجهة الوضع المتردي في بلده. حالة الاستقطاب داخل التنظيم تتفاقم بسبب تفاوت اوضاع البلدان التي ينتمي لها اعضاؤه، فيطغى المحلي على الاقليمي بشكل ملحوظ. رمضان ينتهي، ولكن حوادث جمة تاخذ موقعها في حياة الشاب، منها احتلال السفارة الايرانية في لندن من قبل مجموعة تطالب بتحرير منطقة خوزستان، قيل انها مدعومة من العراق، وهي الحادثة التي مهدت للحرب العراقية-الايرانية في وقت لاحق من ذلك العام (سبتمبر (1980 الشاب مندفع مع اخوته في التنظيم لمتابعة هذه القضايا عن قرب والتفاعل معها بما يناسب الموقف، فقد كان يحضر عصر كل يوم مع اتحاد الطلبة الايرانيين للاحتجاج ضد احتلال السفارة حتى انتهت الازمة بمقتل اثنين من موظفيها مع الافراد الذين قاموا بالعملية. الحرب العراقية – الايرانية تندلع لتضع المنطقة كلها على اعصابها، وتدفع الى المزيد من التوتر والاستقطاب السياسي والديني. الحزب يكلف الشاب ومعه الدكتور ليث كبة بالسفر الى الولايات المتحدة لتأسيس فرع للتنظيم هناك، ويقضي الاخوان اسبوعين متجولين بين المدن، ويعودان بعد ان أنجزا المهمة واصبح هناك فرع لحزب الدعوة في امريكا. تذكره تلك المهمة بالمهمة التي قام بها العام الماضي عندما سافر الى كندا ووضع لبنات التنظيم هناك.
الوضع في البلد يزداد تعقيدا وتأزما. يحل العام 1981 ومعه المزيد من الازمات والاعتقالات. لقد قرر النظام فرض قانون امن الدولة بكل شراسة، فالاعتقالات تتم على الظن والشبهة، والوضع اصبح لا يطاق. الشاب واخوته يتدبرون الامر، وقد بدأوا باصدار بعض البيانات السياسية بشكل سري جدا، وبدأوا يبعثونها بأساليب جديدة، حيث تطبع على اوراق خفيفة وتوضع في بطاقات عيد الميلاد وترسل بأسماء اجنبية الى عناوين معروفة. لقد تبلورت لديهم فكرة انشاء حركة سياسية تنازل النظام القمعي بأساليب اعلامية وعبر اتصالات سياسية. فاستقر الرأي على اسم "حركة احرار البحرين الاسلامية"، وبدأت البيانات تذيل بهذا الاسم. في هذه الاثناء كان الوضع يزداد سوءا بسبب تصاعد العمل المناويء للسلطة. فقد اعلنت دول مجلس التعاون تشكيل مجلس التعاون الخليجي في خطوة اعتبرت يومها محاولة لحماية العائلات الحاكمة في الظروف التي سادت منذ اندلاع الحرب بين ايران والعراق، وساد الشعور بانه تشكيل امني في الدرجة الاولى.
الفصل الاخير من ذلك العام 1981 احتوى مشاهد للمسرحية التي اعلن عنها النظام باعتقال العشرات من ابناء البحرين واخوتهم من دول خليجية اخرى، بتهمة التخطيط لانقلاب ضد العائلة الحاكمة. . وبذلك دخلت البلاد فصلا مأساويا جديدا، فقد استقر قرار العائلة الحاكمة على توجيه التهمة لـ 73 شخصا على رأسهم السيد جعفر العلوي بتهمة الانتماء للجبهة الاسلامية لتحرير البحرين. وكانت تلك التهمة الخطيرة ستؤدي الى اعدام بعضهم لولا التطورات السلبية للجانب العراقي على جبهات القتال لاحقا. وكانت اوضاع الحرب العراقية – الايرانية التي دفعت بصدام حسين الى واجهة الاحداث قد شجعت حكومة البحرين على الاستبسال في مواجهة المطالبين بالاصلاح، ولم يكن مستبعدا اقدامها على اعدام بعض المعتقلين لتخويف الآخرين وردعهم عن معارضتها. وهنا اصبح الشاب واخوته امام مهمات صعبة جدا، فهم مطالبون تنظيميا بتقوية تماسك الحزب، وتحديث آلياته واطروحاته، وفي الوقت نفسه مطالبون بالدفاع عن ابناء شعبهم الذين اصبحوا يرزحون في قيودهم وراء القضبان. والتزامهم بالعمل السري بدا لفترة مانعا لهم من الاعلان عن حركة سياسية علنية، خصوصا ان ايا منهم لا يقف على ارضية صلبة من حيث المعاش والوضع الامني. وهكذا انتهى ذلك العام على انغام جديدة تتسم بالخطورة والتوتر، خصوصا مع اكتظاظ السجون بالمعتقلين السياسيين وتواتر الانباء عن ممارسة التعذيب بحقهم بأبشع صوره. ودع الشاب عامه الثاني في المهجر، ومعه زوجته التي رزق منها حتى الآن بمولودتين، بينما هو يسعى لاكمال بحثه وانهاء دراسته في اقصر فترة ممكنة.
منقول من منتدى الدراز
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |