تاريخ النشر :31/3/2009 3:47 PM
النبي لم يكن سنيا ولا شيعيا بل كان حنيفيا
المفكر المغربي محمد طيفوري لـ"آفاق":1
الخطر الشيعي في المغرب تهويل ومبالغة رسمية إعلامية وقطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران مرتبط ارتباطا وثيقا بمتغيرات ومستجدات الساحة المشرقية
محمد طيفوري
1
الرباط- أجرت الحوار: ياسمين صلاح الدين ـ خاص
اعتبر الباحث المغربي في الفكر الديني ومقارنة الأديان محمد طيفوري أن الحديث عن خطر شيعي في المغرب هو من قبيل التهويل والمبالغة التي تقوم بها بعض الجهات الرسمية وبعض وسائل الإعلام، مشيرا إلى أن التشيع قائم لكن ليس بالمستوى المروج له، خاصة في ظل عدم وجود إحصائيات رسمية حول الموضوع.
وقال طيفوري في حديث لموقع آفاق إن قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مؤخرا مع إيران "لا يعود إلى اسباب دينية أو طائفية وإنما مرتبط ارتباطا وثيقا بمتغيرات ومستجدات الساحة المشرقية وتحديدا منذ العدوان على غزة وما أفرزه من تشكيلات جديدة في الخريطة السياسية العربية".
وفيما يلي نص الحديث:
آفاق: أحب في الأول أن أسألك عن قرار المغرب بقطع علاقته مع إيران. لماذا هذا القرار في نظرك؟
محمد طيفوري: يأتي هذا القرار تحت غطاء نشر التشيع ودعمه في صفوف شرائح المجتمع المغربي من قبل جهات معينة حسب الرواية الرسمية، أما الواقع فيكشف عن حقائق مغايرة لما يروج له رسميا.
آفاق: تقصد أن خلف هذا القرار أسبابا سياسية وليست دينية أو مذهبية؟
محمد طيفوري: صحيح فالقضية سياسية تحت عباءة دينية وطائفية، إذ المتأمل في الأجندة السياسية المغربية مؤخرا يجدها مرتبطة ارتباطا وثيقا بشكل غير مكشوف عنه بمتغيرات ومستجدات الساحة المشرقية وتحديدا منذ العدوان على غزة وما أفرزه من تشكيلات جديدة في الخريطة السياسية العربية.
ومن الفرضيات التي نطرحها كباحثين بخصوص قطع العلاقات تباين موقف البلدين حول التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، كما يفترض أن يكون من ورائها ما توصلت إليه السلطات الأمنية في ملف بلعيرج، دون أن ننسى بعض التقارير التي صدرت حول التدين في العالم والتي ذهبت في اتجاه تحليل الوضع الديني بالمغرب بنوع من الإيجابية ما قد يزيد من حماسته في ترويج خطابه الديني المتسم بالازدواجية ( وكمثال هنا نذكر نسبة زيادة المجالس العلمية التي تجاوزت %130). إنها تأويلات نطرحها في انتظار وضوح الرؤية الحقيقية حول الموضوع.
آفاق: ثمة من يظن أن سبب التشنج السياسي بين المغرب وإيران يكمن في التقارب الذي تبديه هذه الأخيرة مع دول مغاربية ليست على علاقات جيدة مع المغرب مثل الجزائر؟
محمد طيفوري: لم لا، فكل الفرضيات ممكنة في هذه الحالة وإن كان هذا الاحتمال بحظوظ أقل نظرا لتعدد الدول ذات العلاقات الجيدة بالجزائر أكثر من إيران لكن لم يحدث معها نفس الأمر. ربما قد لا نبالغ إن قلنا أن الدبلوماسية المغربية تنهج مؤخرا قاعدة "عدو صديقي عدوي" فإيران على علاقة غير جيدة مع بعض الدول التي تعد حليفا استراتجيا بالنسبة للمغرب، ما يدفع هذا الأخير إلى إعادة النظر في خريطة علاقاته الخارجية بذرائع قد تكون أحيانا منطقية كما هو الحال في ما يخص وحدته الترابية وأحايين أخرى واهية كما هو الحال الآن.
ونحن نقول هذا لا نعيب على المغرب سعيه لمراقبة حقله الديني بيد أن الأمر غير المقبول هو أن تكون الانتقائية في تطبيق خطة المراقبة هاته، إن كانت هناك أصلا خطة مسطرة في هذا المجال. دون أن نغفل الفصل السادس من الدستور الذي يضمن حرية الاعتقاد لكل مواطن ما يجعل دعاة تأسيس المجتمع الديمقراطي الحداثي أمام مأزق يتعين عليهم حله؟؟
آفاق: بصفتك باحثا كيف تفسر استمرار التشاحن المذهبي القديم بين الشيعة والسنة إلى يومنا هذا؟
محمد طيفوري: إن الأمر لا يحتاج في نظرنا إلى تفسير مادام كل طرف يدعي أنه على صواب وأن غيره مخطئ دون أن يكلف نفسه حتى الاستماع لهذا الطرف المخالف، إذ يكتفي بالدفاع والذود عما ورثه عن آبائه وأجداده بكل ما أوتي من قوة متهما كل من خولت له نفسه طرح التساؤل من بني طائفته أو من طائفة مخالفة.
بل أكثر من هذا يجد الباحث في ثنايا النصوص الخاصة بالمنظومتين (السنية والشيعية) ما يدفع إلى هذا التشاحن والصراع ويحث عليه ـ والمقام لا يتسع هنا لإيراد أمثلة على هذا الأمر ـ من نصوص لا أصل ولا فرع لها في الدين بل وظفت تاريخيا لحسم معارك لا ناقة ولا جمل لمن يدافع عنها اليوم فيها. وهنا أود أن أشير إلى أوهام كثيرا خدعنا بها وهي ما يسمى ب"حوار الأديان" إذ كيف يتحدث هؤلاء عن هذا الأمر وهم غير قادرين على التحاور فيما بينهم إذ تتوفر الحدود الدنيا لإقامته، فما بالنا بالتحاور مع أديان وملل أخرى؟؟.
آفاق: قلت في إحدى دراساتك أن النبي لم يكن سنيا و لا شيعيا بل كان حنيفيا، كيف هذا؟
محمد طيفوري: تماما، فالنبي الأكرم لم يكن سنيا ولا شيعيا وأتحدى من يقول النقيض أن يأتي بإثبات واحد على دعواه، فالقرآن تحدث على أنه رحمة للعالمين وقبل ذلك نجد في سورة الحج الآية 78 "وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واعتصموا بحبل الله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير" آية لا يختلف حولها الطرفان ـ شيعة و سنة ـ لم تتحدث عن أي منها بل تحدث كغيرها من الآيات عن المسلمين وفقط. فما محل التصنيفات المبتدعة من الإعراب يا من يدافعون عنها؟
آفاق: و من أين جاء إفراز المذهبين السني والشيعي إذا؟
محمد طيفوري: مرد الأمر إلى الخلاف الطائفي السياسي التاريخي حول الخليفة وشروط الخلافة ونظام الحكم أهو شوري أم ملكي وراثي؟ عسكري أم مدني؟ في هذه القبيلة أو تلك؟ عموما لم يتجاوز الأمر صراعا سياسيا محضا لا يد للدين فيه من قريب أو بعيد، وذلك لكون هذه الأمور بكل بساطة مما سكت عنها المشرع وترك تدبيرها للمسلمين أنفسهم دون أن يلزمهم بنمط معين للخلافة والحكم.
هذا الأمر لم تفهمه مع كامل الأسف عقليات صيرت الدين إلى لائحة من الأوامر لا تتجاوز دائرتي "افعل/ لا تفعل" (حلال/ حرام) ما دفعها إلى البحث عن نصوص حول موضوع الصراع ألا وهو الخلافة في القرآن الذي حاولت جاهدة أن تفسر وتؤول في نصوصه ما شاءت بيد أن ذلك لم يشفي غليلها ما أرغمها على صناعة ووضع النصوص وأجدد التأكيد على لفظ صناعة.
وأدلتي فيما أزعم هنا كثيرة لعل أبرزها الخلاف الدائرة بين الصحابيين أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب حول هذا الموضوع إذ قال هذا الأخير للأول حاججتهم ـ الأنصارـ في الأحقية بالخلافة بالقرب من النبي وأنا أقرب الناس إليه دون أن يوظف هذا الزخم من النصوص التي تعج بها الكتب الصفراء والتي تفرد الخلافة لعلي بن أبي طالب. ما يعني أنها نصوص وضعت في زمن تال أي بعد وقوع الحوادث.
أكثر من ذلك ثنائية الشيعة/ السنة لم تظهر إلا مع علي بن أبي طالب فإن كانت في الدين أو كان جوهرا أساسيا فلماذا تأخرت في الظهور إلى هذا الوقت أي لما لم تكن في زمن النبي أو أبو بكر أو عمر...
أختم بقولة كثيرا ما نكررها لكن مع الآسف قلة قليلة من فهمت مفادها هي أن قراءة بعض النصوص في كتب السنة الصرفة لم تكن تسعفنا على الفهم لكن حين قرأناها في كتب التاريخ فهمناها جيدا، ثم إننا قرأنا نصوصا في كتب السنة فقبلناها لكن حين قرأناها في كتب التاريخ لم نقبلها. إن القاعدة الرئيسية التي يمكن الاشتغال بها في التعامل مع النصوص التي بما فيها موضوع السنة والشيعة هي "قراءة النص على ضوء التاريخ وفي التاريخ على ضوء النص".
آفاق: يتلخص المذهب الشيعي في الإمامة والعصمة، و هما محل جدال لدى السنة. هل ورد في القرآن ما هو متعارف لدى الشيعة في مذهبهم عن الإمامة والعصمة و ما إلى ذلك؟
محمد طيفوري: كما سبق وأكدت يعد موضوع الخلافة من الأمور المسكوت عنها في النص المرجعي الذي هو التنزيل الحكيم، ما يعني أنها موضوع اجتهاد مجتمعي وأنا لا أقصد بلفظ الاجتهاد المفهوم الضيق أي مصدر من مصادر التشريع.
أما عن موضوع العصمة والإمامة لدى الشيعة فلها مقابل عند السنة هو القرشية ما يعني أن عملية الوضع والفعل التاريخي لم تسلم منها كلا المنظومتين. فيما يخص التأصيل لهذه الأمور في القرآن نجد المشتغلين بالموضوع حاولوا تأويل مختلف الآيات حتى تستجيب لما يسعون لتحقيقه، علما أن الآيات سكتت عن هذا الأمر الذي أدرج في دائرة المباح التي هي الأصل مقابل دائرة التقييد التي هي الاستثناء. خلاصة القول أن هذه الأشياء لا أساس لها في الدين بل جاءت وليدة ظروف سياسية وصراعات طائفية الإسلام بريء منها براءة الذئب من دم يوسف كما يقال.
آفاق: ثمة حديثا عن تغلغل شيعي واسع في المغرب، إلى أي حد يمكن تصديق ذلك؟
محمد طيفوري: إلى حدود هذه المقابلة ليست هناك إحصائيات رسمية أكاديمية حول الموضوع باستثناء تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية تحدثت فيه عن وجود 3000 شيعي بالمغرب، لكن كل ما نجده أمامنا بعض التقديرات الخاصة ببعض الباحثين المهتمين بالشأن الديني ونذكر بالخصوص الباحث محمد الغيلاني وسليم حميمنات ومنتصر حمادة وإن اختلفت تقديراتهم وطروحاتهم بخصوص القضية. كما نجد التهويل الذي تقوده بعض الجهات (أفرادا وتنظيمات) بخصوص هذا الموضوع. الأكيد أن التشيع قائم لكن ليس بالمستوى المروج له إعلاميا إنما نصيبه لا يتجاوز نصيب بقية الأنماط أو أقل.
آفاق: ما الذي يجعلك تظن أن المذهب الشيعي صعب انتشاره في المغرب المالكي؟
محمد طيفوري: أنا لم أرجع صعوبة الانتشار إلى المذهب المالكي بل الإشكال كامن في المنظومة الشيعة في حد ذاتها هذا من جهة ومن أخرى فمرد الأمر بكل بساطة إلى كون المغاربة متدينون بالوراثة فمن الصعب جدا أن تقف داخل أي شريحة من شرائح المجتمع المغربي على من تدين عن طريق القناعة النابعة من بحث وتقصي في جوهر الدين الذي يعتنقه، علاوة على ذلك فما يروج إعلاميا من سنية المنظومة ومالكية المذهب أقوال لا تتعدى المستوى الرسمي والقانوني أما عن الواقع الممارس واليومي أو ما يسمى ب"الإسلام الشعبي" فالأمر مختلف تماما حيث نجد فيه أنماط متباينة من "إسلام خرافي" و "إسلام سلفي" و "إسلام حركي" و "إسلام صوفي" ... الذي تشجعه الدولة في الآونة الأخيرة. كل هذا يفضي بنا إلى الإقرار بصعوبة الحديث عن انتشار أي مذهب كيفما كان في مثل هذه المجتمعات المركبة تركبا تتحكم في الهوية النفسية الاجتماعية قبل كل شيء.
آفاق: لكن ثمة شباب من دول المغرب العربي تشيعوا فعلا وصاروا يعلنون تشيعهم عبر اليوتوب و عبر مواقع شيعية. ما رأيك؟
محمد طيفوري: بداية الاستثناء لا يلغي القاعدة إنما يؤكدها كما يقول بذلك أهل المنطق ثم إن هؤلاء ثلة تمثل نمط من أنماط الإسلام المتحدث عنها سالفا وهو "الإسلام الشيعي" الذي استغل أهله الفرصة للظهور ما دام الموضوع حديث الساعة في المستويين السياسي والإعلامي لعل وعسى أن تكون للأمر مقاربة ما تفيدهم خصوصا وأن ما يروج من اشتغالهم في تنظيمات أمر مبالغ فيه إذ لا يتجاوز الأمر جمعيات معدودة على رؤوس الأصابع لا يكون هدفها المباشر نشر التشيع. ما يعني أن الشائع في الإعلام من وجود تنظيم شيعي بالمعنى الدقيق للكلمة مستبعد جدا لأسباب أبرزها اختلاف الشيعة أنفسهم حول برنامج محدد.
آفاق: الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري قال في تصريح سابق إن الشيعة خطر على المغرب، في نظرك أين يكمن الخطر؟ هل في التشيع نفسه أم في ولاء الشيعة لكل من إيران و لحزب الله؟
محمد طيفوري: اسمحي لي أن أتحفظ عن الحديث عن الخطر لأن الجهات الرسمية تبالغ أحيانا شأنها شأن بعض وسائل الإعلام مع كامل الأسف، إذ كيف يمكن الحديث عن خطر دون وجود إحصائيات رسمية حول الموضوع ما يجعل الكلام هنا فاقد لأي سند علمي، بل أكثر من ذلك شيعة المغرب التي يرى السيد خالد الناصري أنها تشكل خطرا على المغرب غير منسجمة ذاتيا مادامت تفتقد إلى تنظيم يجمعها، ما يجعل مرجعيات كل واحد منهم قائمة على قناعته الشخصية أي التباين في المرجعيات من مرجعية حسين فضل الله اللبناني أو مرجعية السيستاني أو الشيرازي فيما يكون مقلدو الخامنائي قلة قليلة أي أن الحضور الإيراني في مسألة تشيع المغاربة يكاد يكون ضعيفا حسب تصريح للباحث محمد الغيلاني لإحدى اليوميات المغربية. ونضيف أن هناك قدر لا بأس به من المتشيعين ممن لا مرجعية لهم لأسباب شخصية.
ثم إن جاز لنا الحديث عن الخطر نرفض ربطه بإيران أو حزب الله أو أي جهة أخرى لكون شعبية هؤلاء مستمدة أساسا من موقفها من المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي، وعلى هذا الأساس فشعبية الرئيس التركي طيب رجب أردوغان بالنظر لموقفه في منتدى دافوس أيضا مفادها نشر العلمانية بين المغاربة. أعذريني إن قلت لك إن مثل هذه التحليلات لا يقولها السفهاء فما بالك بالعقلاء. وإذا سمحنا لأنفسنا بالحديث عن الخطر فهو كامن في التشيع نفسه الذي يتعارض فيه "ولاية الفقيه" مع "إمارة المؤمنين" خصوصا وأن ذلك يهدد التصوف السني الذي يقوده المغرب في أوروبا وإفريقيا بل هو ركيزة مشروع الإصلاح الديني ويضع مقابل هذا العرفان الشيعي.