بعد اكتشاف إختراق التنظيم العالمي للإخوان المسلمين لـ "الجزيرة"
رامسفيلد قاد معركة ناجحة ضد القرضاوي
الجمعة 28 نوفمبر 2003

سيف الصانع من دبي: نجحت حكومة قطر في تمرير التغييرالجذري في مجلس إدارة تلفزيون "الجزيرة"، دون ترك ضجة إعلامية، كما هو متوقع، مع امتداداته الدولية والاقليمية.
التغيير مثّل محاولة قطرية حثيثة لمحاصرة النفوذ الاخواني الذي اكتشف انه يلعب دورا مؤثرا على القناة ويمرر طروحاته.
الحكومة القطرية في تشكيلها للمجلس الجديد استبعدت وجوها وأدخلت وجوها كان ضمن من دخلوا لمجلس الادارة، الصحافي المعروف قاسم جعفر، الذي يعد شخصية ليبرالية غير مؤدلجة، وسيكون له دور مؤثر في الايام المقبلة.
وقالت أنباء استقتها "إيلاف" من دبي أن ادارة القناة المملوكة بالكامل لحكومة الدوحة، تعمل حاليا، على تفكيك شبكة تنظيم الاخوان المسلمين العالمي والذي احد ركائزه مفتي "الجزيرة" ومنظرها الديني الشيخ يوسف القرضاوي. المخابرات القطرية التي مررت المعلومات، وكشفت تلك الحالة وجدت أن هذه الشبكة فاعلة، ومتنفذة في القناة، وتوجه أخبارها وبرامجها لمصلحة التنظيم.

القطريون تنبهوا إلى ذلك بعد إنكشاف علاقات الاخواني تيسير علوني بتنظيم القاعدة حسب الاتهامات الموثقة التي وجهها له الإدعاء الإسباني. وتؤكد جهات مطلعة أن تبادل المعلومات بين الاستخبارات الإسبانية والقطرية قد نبه القطريين إلى هذه الشبكة، فوضعوا بعض الشخصيات الإدارية النافذة في القناة تحت الرقابة الإستخباراتية، الأمر الذي أدى إلى الإمساك بخيط التنظيم الأخواني الداخلي الذي كان يعمل تحت إشراف وتوجيهات الشيخ القرضاوي نفسه .
ويقول مراقبون سياسيون هنا في دبي أن الحكومة القطرية تجدُ الكثير من الحرج في علاج هذه القضية. فالأمريكيون الذي وجهوا نقداُ لاذعاً لتوجهات الجزيرة، وكذلك قناة العربية، على لسان وزير الدفاع رامسفيلد، أعطى القيادة القطرية انطباعاً مؤكداً أن فضيحة اختراق الأخوان المسلمين لقناة الجزيرة قد علمَ بها الأمريكيون، وأن رسالة رامسفيلد الأخيرة كانت موجهة لهم "كإنذار أول" للتخلص من هذا الاختراق الأصولي الذي يرى فيه الأمريكيون خطراً على مصالحهم الحيوية القائمة في العراق. وفي الوقت نفسه تجدُ الحكومة القطرية أن تخلص قناة الجزيرة من الأخوان المسلمين يعني أن تتخلص هذه القناة من ركائز إدارية وأخرى إعلامية، سيلقي تغييبها بظلاله سلبياً على أداء هذه القناة، لاسيما وأن استبدال هذه الكوادر بكوادر أخرى محترفة يحتاج إلى زمن و تدرج .
وفي محاولة من حكومة قطر لمعالجة هذا الوضع المحرج، من خلال إمساك العصا من منتصفها، إضطلعَ الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة بمهام الإدارة اليومية بنفسه، مسنودا بإدارة جديدة معتدلة، فغير أولَ ما غير لغة الخطاب السياسي للقناة بالنسبة للمقاومة العراقية، التي كانت في السابق تدعمها القناة سواء من خلال التغطية الإخبارية، أو من خلال البرامج الحوارية المفبركة، مواكبة للتوجه التقليدي الإخواني المعادي للأمريكيين. وقد لاحظ المراقبون أن أخبار هذه القناة في المدة الأخيرة، وبعد إضطلاع الشيخ حمد بن ثامر بمهام الإدارة مباشرة، أصبحت تبرزُ تذمر العراقيين من "عشوائية" ما يُسمى بالمقاومة العراقية، وعدم تفريقها في عملياتها بين جنود الإحتلال والعراقيين. وكان هذا التغير واضحاً للجميع.
والجدير بالذكر أن مجموعة من المذيعين ومقدمي البرامج من غير ذوي التوجه الإسلامي، كسامي حداد مسيحي الديانة ومقدم ومعد برنامج "أكثر من رأي"، وكذلك فيصل القاسم درزي المذهب ومقدم ومعد برنامج "الاتجاه المعاكس" كانوا يشتكون كما تردد من فرض بعض المواضيع وشخصيات الحوار عليهما، بالشكل الذي يُـفضي إلى خدمة توجهات الأخوان المسلمين السياسية. أما أحمد منصور، مقدم ومعد برنامج "بلا حدود" والإخواني المؤدلج كما هو معروف، إضافة إلى معد ومقدم برنامج "الشريعة والحياة" ماهر عبدالله والذي هو الآخر إخواني الاتجاه فقد كان واضحاً تبنيهما لاتجاه الأخوان المسلمين، والتبشير به. جهاراً نهاراً دون أية مواربة.
وقبيل نشوب المعركة بين النظام البعثي السابق في العراق والقوات الأمريكية، كانت "الجزيرة" قد انتدبت اثنين من مؤدلجي الأخوان لتغطية الأحداث إلى بغداد، وهما ماهر عبدالله وتيسير علوني ، للتأكد من توظيف هذه الحرب بما يخدم الاتجاه الأخواني. كما أن موقف قناة "الجزيرة" من حرب أمريكا ضد طالبان كان متحيزاً وبشكل واضح إلى جانب ملالي طالبان .
وتؤكد مصادر قريبة من أمير قطر تحدثت لـ "إيلاف" هنا في دبي أن الأزمة التي تمر بها الحكومة القطرية بعد إنكشاف مدى تغلغل تنظيم الأخوان المسلمين في القناة بشكل فجائي بالنسبة للقطريين، تتمحور حول شخصية الشيخ القرضاوي نفسه. فهو يحظى بمكانة إسلامية عالمية واسعة، فضلاً عن أن هذه القناة قد دأبت وبشكل أسبوعي تقريباً، منذ إنشائها، إلى تلميع صورته، وتكريس مكانته العلمية، حتى بدى مرجعاً فقهياً عالمياً لا تُرفضُ له فتوى، وفارساً دينياً لا يُشقُ له غبار. ولأنه أحد أهم كوادر قيادات التنظيم العالمي للأخوان كما هو معروف، إذا لم يكن أهمهم على الإطلاق، فإن التخلص من اختراق تنظيم الأخوان المسلمين للقناة يعني حتماً أنه سيخلق أزمة عميقة مع الشيخ القرضاوي نفسه. وهذا ما يُحاولُ أن يتحاشاه رجل القرار القطري، نظراً لسطوة وقوة ومكانة الشيخ القرضاوي داخل قطر وخارجها، خصوصاً بعد أن إستطاع خلال بقائه لعقود في قطر من سحق نفوذ ومكانة أسرة "آل محمود" القطرية ذات التوجه السلفي الوهابي، والتي كانت في السابق هي المسيطرة على الشؤون الدينية في قطر. كما أنه تمكن في غفلة من القيادات القطرية من إنشاء شبكة من الإخوانيين تتحكم الآن ليسَ في قناة الجزيرة فحسب، وإنما في كل الشؤون الدينية في الجهاز البيروقراطي القطري، وكذلك منابر المساجد، فضلاً عن الجهات ذات الطابع التربوي والتعليمي. إضافة الى امتداداتها، داخل بعض الوجوه الشابة في العائلة الحاكمة القطرية.
ومن واشنطن ترى الدوائر الفاعلة هنا، أن حملة الكراهية، ضد الغرب لا تقودها جماعة الاخوان المسلمين، والاحزاب الاصولية المتحالفة معها، بل أن القوميين وبقايا البعثيين يساهمون بدور مميز، وربما سيكونون في "القائمة المقبلة" على حد تعبير تلك الدوائر.