النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المشاركات
    4,251

    افتراضي العربي التائه , هل سيظل تائها

    العربي التائه

    هل سيظل تائها




    أعلن الرئيس الامريكي الجديد أوباما أنه سيوجه خطابا الى المسلمين في مطلع مايو المقبل وانه اختار القاهرة لتكون المنبر الذي يخاطب منه العالم الاسلامي , ومما لا خلاف عليه أن القاهرة والأزهر الشريف تحديدا كان ومازال منارة المسلمين وقبلة العلم والعلماء منذ إنشائه في القرن الرابع الهجري وحتى اليوم , لكن هذا لا يمنع من التساؤل , لماذا القاهرة ؟ ولماذا الآن ؟ وماذا يريد أوباما من العالم الاسلامي ؟ وبأي صفة سيتحدث معه ؟

    بداية تعيد هذه الزيارة الى الاذهان الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الامريكي السابق " زبغنيو برجينسكي " الى المنطقة بعد الاجتياح الروسي لافغانستان في نهاية السبعينات والتي كانت أيضا زيارة ذات أهداف (اسلامية) وتمخض عنها بعد لقاء وزير الخارجية باصدقاء أمريكا في المنطقة اعلان ( الجهاد الاسلامي على الالحاد المادي )

    وخرجت على اثرها قوافل الشباب المسلم ليكونوا في نصرة اخوانهم في افغانستان !!! تصحبهم فتاوى وأمنيات قديمة بأن تكون افغانستان هي أرض التمكين التي سيقيمون عليها دولة الاسلام الجديدة كما أقيمت أول مرة , مع وعود مؤكدة من الراعي الأمريكي أنهم لن يكونوا وحدهم هناك , وأن المكاسب والمغانم سوف تكون أكثر واكبر من ان توصف أو تعد , وقام المجاهدون بالمهمة خير قيام ونجحوا في هزيمة الجيش الروسي هزيمة منكرة وسقط الاتحاد السوفيتي وتفكك الى دويلات , وانهار حلف وارسو على اثر ذلك , وسقطت القوة العظمى الوحيدة التي كانت تنافس امريكا على السيادة العالمية , وانفردت أمريكا بالعالم وأعلنت أنها لن تسمح للارهابين بأن تكون لهم دوله على ارض افغانستان , فتعقبت بقايا المجاهدين في كل مدينة وقرية على الارض الافغانية وأمطرت أفغانستان بالقنابل والصواريخ وهدمت البيوت والمباني على من فيها ونجا من استطاع الهروب الى الكهوف والمغارات , ومن سقط في الاسر اقتيد الى جوانتانامو !!!

    أن أطماع الأمريكان والغرب الصليبي في العالم العربي والاسلامي قديمة وليس لها حدود ولم ولن تتوقف , وهم لم يكونوا يوما الصديق الوفي أو الشريك المخلص للعرب والمسلمين , كذلك هم يعملون بكل جهد وطاقة ويتبعون الاساليب العلمية المجربة أيضا لتحقيق أهدافهم وانجاح مخططاتهم , لذلك وقبل الدخول والتعمق في دراسة أوباما المنتظرة للشرق الأوسط وماذا يريد منها أعتقد أنه يجب قراءة التاريخ والماضي القريب مرة أخرى عسى أن نتعلم للمرة الأخيرة من أخطائنا وتجارب الآخرين معنا , فلم يعد لنا غير الأوطان والديار نعيش فيها بعد سرقت أموالنا وثرواتنا ونهبت , وضيّع خيرة شبابنا واولادنا وسفكت دماؤهم لانفاذ مخططات وأهداف أمليت عليهم من حيث لا يشعرون وصبت في النهاية في صالح أعدائهم وأعداء أمتهم وبلادهم.

    فما هو الدور الجديد الذي يريد منا الأمريكي أن نلعبه لصالحه اليوم ؟

    في كتابه الشيق العربي التائه يحكي الاستاذ محمد حسنين هيكل تفاصيل المخطط الأمريكي لتدمير الاتحاد السوفيتي والايقاع به في الفخ الافغاني واستعمال المسلمين في قتاله والقضاء عليه , بداية من الاجتماع الأول لمجلس الأمن القومي الأمريكي عقب الاجتياح الروسي مباشرة لأفغانستان حتى تصريح برجينسكي لمجلة “لانوفيل أوبسرفاتور” الفرنسية :

    " أن العملية السرية التي قمنا بها كانت فكرة رائعة ، لقد أدت إلى دخول السوفيات في فخ تمنينا أن يدخلوا في مثله وقد دخلوا، فهل تريدون أن أقول لكم انني آسف على مخطط وضعناه ونفذناه ونجح بامتياز ؟ "



    العربي التائه

    الاستاذ محمد حسنين هيكل

    الورقة السابعة

    بريجنسكي مهندس الجهاد في افغانستان
    أنجح عملية مخابرات في القرن العشرين





    في الساعة الثانية من صباح يوم 27 ديسمبر 1979 انعقد مجلس الأمن القومي بحضور الرئيس “كارتر” لبحث “الدخول العسكري السوفياتي في أفغانستان واستعراض الخيارات المفتوحة أمام الولايات المتحدة للردعليه”.
    وكانت جلسة مجلس الأمن في الواقع حوارا نشيطا بين مستشار الرئيس للأمن القومي “زبغنيو برجينسكي” وبين الأميرال “ستانسفيلد تيرنر” مدير وكالة المخابرات المركزية، وطبقا للوثائق الأميركية وضمنها مذكرات “كارتر” ووزير الخارجية “سايروس فانس” (ومذكرات برجينسكي نفسه) فإن اجتماع مجلس الأمن القومي استقر على الخطوط التالية:

    1. أن ما عرضه مستشار الأمن القومي وما توافر لدي وكالة المخابرات المركزية الأميركية ووكالة الأمن القومي ومخابرات وزارة الدفاع تقطع كلها بأن حجم التدخل العسكري السوفياتي في أفغانستان كثيف، وبالتالي فإنه “ضمن الاحتمالات التي لا يمكن استبعادها أن يكون الهدف التالي لهذه القوات عملا سوفياتيا في اتجاه الخليج حتى بحر العرب والمحيط الهندي، وذلك تهديد للمصالح القومية الأميركية”.

    2. إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتدخل علنا ضد السوفيات في أفغانستان لأنها لا ترتبط مع هذا البلد بأي اتفاقيات دفاع مشترك، ثم إن تدخلها الصريح حتى مع تجاوز الاعتبارات القانونية، يمكن أن يؤدي إلى صدام مباشر مع الاتحاد السوفياتي ويمكن أن يستفز من ردود الفعل السوفياتية، ما يجعل الخطر على الخليج (حتى بحر العرب والمحيط الهندي) محققا وليس محتملا فقط.

    3. إن الولايات المتحدة مدعوة إلى تعزيز وجودها المسلح في الخليج، تحسبا لكل الاحتمالات، ولذلك فإن سفراءها المعتمدين عليهم الآن أن يطلبوا من “الأطراف المحليين” أن يسمحوا بهدوء وبغير صخب إعلامي بتفعيل تفاهمات واتفاقيات سابقة في التعاون العسكري مع الولايات المتحدة.

    4. إن الولايات المتحدة عليها أن تشجع عناصر المقاومة في أفغانستان على تكثيف نشاطها بما يمكنها من تعطيل الجيوش السوفياتية، ثم الانتقال من حرب التعطيل إلى حرب التوريط أي حرب استنزاف ترغم السوفيات في النهاية على الانسحاب من أفغانستان عسكريا في ظروف غير ملائمة سياسيا.

    5. وبما أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تظهر فاعلا رئيسيا في النشاط العسكري المعادي للسوفيات في أفغانستان حتى لا يؤدي ذلك إلى صدام مسلح بين القوتين فإن عليها (الولايات المتحدة) أن تجد قياد ة بديلة لهذه الحرب الخفية في أفغانستان، ولابد أن تكون لهذه القيادة أهلية تعطيها نوعا من مشروعية “التدخل عمليا” ضد السوفيات في أفغانستان.

    6. بما أن المقاومة الأفغانية التي أدى نشاطها إلى خلخلة الأوضاع في أفغانستان بما أوصل إلى التدخل السوفياتي مقاومة إسلامية، فإنها لابد أن تستمر كذلك وتتصاعد باستنفار كافة أصدقائها ومناصريها في العالم الإسلامي والدول الإسلامية، والوصول في ذلك إلى حد تكوين تحالف إسلامي واسع يحمل عبء محاربة ضد السوفيات في أفغانستان.
    وهذه المقاومة لابد لها من مصدر سلاح وذخيرة لا ينقطع، وحين سأل أحد الحاضرين عن مصدره كان الرد عليه (من برجينسكي): لابد أن نحصل عليه من أي مكان، نشتريه، نستأجره، نسرقه إذا استدعى الأمر.

    7. ومن الأفضل أن يكون السلاح سوفياتي الصنع حتى يصعب اتهام الولايات المتحدة بأنها مصدره، وذلك يعطيها فرصة أن تقول للسوفيات إذا سألوها، إن هذا سلاح سوفياتي تحصل عليه المقاومة الإسلامية من الاتحاد السوفياتي أو قواته في أفغانستان “أي من عندهم”!
    إن المملكة العربية السعودية قدمت من قبل دعمها إلى العناصر الإسلامية في أفغانستان، وفيما تقول به التقارير، فإن المملكة العربية السعودية التي تشعر الآن بضغط الثورة الإسلامية في إيران عليها، وترى أن سقوط الملكية في إيران نذير شؤم للأسرة الحاكمة على استعداد لأن تتخلى عن حذرها التقليدي وتوظف “موارد المملكة المعنوية والمادية” في “جهاد إسلامي مقدس ضد الإلحاد السوفياتي، وإذا تحمست المملكة للدعم فإن السلاح يمكن ضمانه بالشراء من مصادر عديدة (والمال عصب كل أنواع الحروب بما فيها الجهاد الإسلامي!).

    8. ومن باب الاحتياط لاحتمال أن تتحرج المملكة “بترددها الدائم” في الخروج وحدها إلى هذا الجهاد المقدس، فإنه من الضروري تدعيمها مبكرا بشراكة إسلامية واسعة راسخة وقوية، بحيث يكون من ذلك إغراء لها بدور قيادي على رأس تجمع إسلامي يخوض “الجهاد” دفاعا عن الدين والشرع.
    والسعودية في الواقع جاهزة لهذا الدور إذا وجدت تشجيعا عليه؛ لأن الثورة الإيرانية حركت قلقا إسلاميا في المملكة وتظهر في وسطه قيادات متشددة من الوهابيين الذين علا صوتهم بالنقد لتصرفات الأسرة الحاكمة في ثروة المملكة، كذلك فإن الثورة الإيرانية كان لها ردود فعل في المناطق الشرقية من المملكة وهي مناطق شيعية المذهب وعلاقتها بالنظام من الأصل متوترة.
    ولم أكن أتصور درجة عداء الوهابيين للمذهب الشيعي حتى لقاء مع الملك فيصل في فندق فلسطين بالإسكندرية في شهر يونية 1971، وخلال حوار طال أكثر من ساعتين سمعت الملك فيصل يمتدح شاه إيران “محمد رضا بهلوي” بحرارة ويستفيض في وصفه كرجل ذكي و”مقدام” ثم يستدرك فجأة قائلا بالحرف:
    “لا عيب فيه طال عمرك إلا أنه شيعي”!
    إن مصر يمكن إقناعها بأن تتقدم سندا قويا للسعودية في “تدخل إسلامي معاد للسوفيات في أفغانستان”، والرئيس “أنور السادات” متحفز في أي وقت للعمل ضد الاتحاد السوفياتي وهو بالفعل منهمك في نشاطات متنوعة في هذا الاتجاه بموجب اتفاق “نادي السافاري” الذي يضم السعودية والمغرب وإيران ومصر وفرنسا، ومع أن تجمع السافاري يركز نشاطه على أفريقيا فإنه ليس صعبا إقناع الرئيس السادات بفتح جبهة أخري لهذا النشاط يقوم عليها عمل جهادي ضد السوفيات في أفغانستان.

    وهناك مغريات إضافية تقنع الرئيس السادات بذلك:
    إن الثورة الإسلامية في إيران تشغل باله (أي الرئيس السادات) خشية زيادة نفوذ الجماعات الإسلامية في مصر ولو بالعدوى. وهو (أي الرئيس السادات) غاضب من الثورة الإيرانية لأنها أنهت حكم أسرة “بهلوي” وعزلت صديقه “محمد رضا بهلوي” شاه إيران.
    إن الرئيس السادات راغب إلى أقصي درجة وإلى آخر حد في التعاون مع الولايات المتحدة عن اعتقاد لديه من أيام إدارة نيكسون وكيسنجر بأن “99% من أدوار حل قضية الشرق الأوسط في يد الولايات المتحدة وحدها”. وهو لم يقصِّر في إعلان ما يعتقده ولا في التصرف على أساسه.

    وكانت هذه العلاقة بين الرئيس “السادات” وبين شاه إيران من مفارقات السياسة المصرية وعجائبها ! ذلك أن شاه إيران كان باستمرار وبغير انقطاع أقرب الأصدقاء إلى إسرائيل، كما أن بترول إيران كان وقود أسلحة الجيش الإسرائيلي في البر والجو والبحر طول معارك السويس 6591، وسيناء 7691، والاستنزاف 8691 إلى 0791، والعبور سنة 1973.
    ولكن الرئيس “السادات” روى في معرض دفاعه عن استضافته لشاه إيران في مصر بعد طرده من الولايات المتحدة الأميركية وليس فقط من إيران بقوله: “إنه استضاف شاه إيران حتى يرد له جميلا سبَّق به “الرجل” إلى مساعدة مصر وتمثل بشحنة بترول كان المجهود الحربي في أكتوبر 3791 يحتاجها وطلبها (الرئيس السادات) من شاه إيران، فقام الشاه بتحويل إحدى ناقلات البترول الإيرانية بكامل حمولتها من عرض البحر إلى مصر بدلا من وجهتها الأصلية.
    وتلك واقعة فيها من العواطف أكثر مما فيها من الحقائق (فيما أعرف عن مسار الحرب وقد كنت قريبا منه، مقيما طول الوقت تقريبا في قصر الطاهرة الذي كان الرئيس السادات يمارس منه قيادته، كذلك لا يظهر للواقعة أثر في الملفات الرسمية ذات الصلة، وقد بحثت فيها زيادة في طلب التأكيد)، والأرجح أن الرئيس السادات كان يحاول البحث عن ذريعة لاستضافة الشاه، ومع أن الذريعة الإنسانية كانت تكفيه إلا أنه قصد في مواجهة المناخ المتعاطف مع الثورة الإيرانية ذلك الوقت، أن يستدعي الوطنية المصرية لتسهيل قبول قراره باستضافة الشاه.
    والمدهش في الأمر أن إطار الواقعة مستعار من قصة حقيقية جرت سنة 1965 أثناء الخلافات بين مصر والولايات المتحدة على اتفاقيات توريد القمح بمقتضي القانون رقم ب. ل 480. وذلك أنه في نهاية صيف ذلك العام أوقفت واشنطن شحنات القمح إلى مصر، وطلبت مصر شراء قمح سوفياتي، ولم يكن لدط الاتحاد السوفياتي فائض، لكن رئيس الوزراء “اليكسي كوسيجين” بعث يقول: “إن المحصول السوفياتي من الحبوب هذه السنة جاء أقل من المتوقع، مما اضطر الاتحاد السوفياتي أن يدخل سوق القمح مشتريا من السوق الكندي، لكنه بالنظر إلى تعرض مصر لضغوط أميركية، فإن القيادة السوفياتية أمرت بتحويل شحنات قمح مشتراة للاتحاد السوفياتي إلى مصر، وسوف تتوجه البواخر الحاملة للقمح وهي الآن في المحيط الأطلسي إلى ميناء الإسكندرية على البحر الأبيض بدلا من الذهاب إلى ميناء “أوديسا” على البحر الأسود!”.
    وهذه الواقعة منشورة في وقتها معلنة ومسجلة (الصفحة الأولط من الأهرام، العدد الصادر صباح 25 يونيه 1965).

    ويظهر أن الرئيس “السادات” في رغبته لمساعدة شاه إيران، استعار له مشهدا من قصة العلاقات المصرية السوفياتية وأعاد صياغته بما يناسب هواه في ظرف مختلف.
    وذلك مسلك يستطيع علم النفس تفسيره في “حالة” تقوم فيها “الرغبة” باستعارة مشهد من واقعة حقيقية وتقوم ب: “تلبيسه” على واقعة أخرى وهو نوع من إعادة تركيب الصور وتوظيف قدرتها على خلق الانطباع (حتى وإن كانت الصورة مركبة!)
    وعلى أي حال فقد انتهت مداولات مجلس الأمن القومي الأميركي برئاسة “جيمي كارتر” صباح 27 ديسمبر 1979 بتوجيه رئاسي يقضي ب:
    “أن يتوجه مستشار الرئيس للأمن القومي “زبجنيو برجينسكي” إلى منطقة الشرق الأوسط بادئا بالقاهرة لمقابلة الرئيس “أنور السادات” والبحث معه في تنظيم جهد إسلامي شامل يساند المقاومة الإسلامية الأفغانية في مواجهتها لجيش الاحتلال السوفياتي، ثم يتوجه مستشار الأمن القومي بعد القاهرة إلى الرياض لمقابلة الملك خالد وولي العهد الأمير “فهد” ووزير الدفاع الأمير “سلطان” ويجري معهم محادثات تضمن حشد موارد السعودية ونفوذها لقيادة “جهاد إسلامي” ضد الشيوعية في أفغانستان، وإذا نجح “برجينسكي” في مهمته مع الرئيس السادات فإنه يستطيع أن ينقل إلى القادة السعوديين ما يطمئنهم إلى أنهم ليسوا وحدهم (في ساحة الجهاد)”.
    “وأخيرا يتوجه مستشار الأمن القومي إلى باكستان ليقوي موقف الحكومة فيها بموارد السعودية ونفوذها وبثقل مصر ووسائلها وحتى تثق هذه الحكومة في إسلام اباد أنها سوف تكون وسط عمل إسلامي يلتف فيه من حولها ويجمع على أرضها قوى الإسلام وإمكانياتها”.
    وكان ذلك حلم باكستان الذي بدا بعيد المنال والآن أصبح في متناول اليد!
    وطوال الأسبوع الأول من شهر يناير 1980 كان “زبجنيو برجينسكي” مستشار الرئيس “جيمي كارتر” للأمن القومي في زيارة سرية ممتدة للشرق الأوسط.
    يوم 3 يناير قابل الرئيس “أنور السادات” لمدة ثلاث ساعات ونصف الساعة، وفي اليوم التالي 4 يناير كان في جدة يقابل الأمير “فهد” والأمير “سلطان”، ويوم 5 يناير وصل “برجينسكي” إلى إسلام اباد ليرتب الأرضية للجهاد باسم الإسلام ضد الإلحاد.
    لكن العملية كما اتضح الآن كان وراءها أكثر مما ظهر منها لأن الجهاد الإسلامي الذي أعلن ضد الاتحاد السوفياتي لم يكن رد فعل طبيعيا لدخول الجيش السوفياتي، وإنما كان: خطوة وسط سياق جرى قبلها واستمر بعدها:
    كانت الخطوة الأولى قرارا أميركيا بإزعاج السوفيات في جمهورياتهم الجنوبية من قواعد في أفغانستان.
    والخطوة الثانية تصعيد هذا النشاط وتكثيفه إلى درجة تضطر السوفيات إلى التدخل العسكري.
    وأخيرا تجيء الخطوة الثالثة وهي إعلان الجهاد عندما يقع الدخول السوفياتي المأمول والمطلوب.
    وذلك سياق الحقائق التي تكشف أخيرا أن “برجينسكي” كان يتستر عليها بأستار سميكة من الغموض، لكنه أخيرا فتح خزائن ذاكرته (وأوراقه) واعترف في حديث طويل مع المجلة الفرنسية “لانوفيل أوبسرفاتور” اعترافا كاملا وافيا وقد جرى الحديث بالنص التالي:
    سؤال: إن المدير السابق لوكالة المخابرات الأميركية “روبرت غيتس” كتب في مذكراته التي صدرت أخيرا بعنوان “من الظلال” أن المخابرات الأميركية بدأت تساعد “المجاهدين” في أفغانستان بشكل مكثف قبل ستة شهور من دخول الجيش السوفياتي إلى ذلك البلد، وقد كنت أنت في تلك الأيام مستشارا للأمن القومي لرئيس الولايات المتحدة، ومعنى ذلك أنك تعرف وأنه كان لك دور، فهل ما ذكره “غيتس” صحيح؟
    برجينسكي: نعم. طبقا لما تقول به السجلات الرسمية، فإن الولايات المتحدة لم تدخل بثقلها في أفغانستان إلا سنة 1980 بعد أسابيع من دخول القوات السوفياتية إلى كابول، لكنه في التاريخ الحقيقي (بصرف النظر عما تقول به السجلات) فإن التدخل الأميركي لمساندة “المجاهدين” بدأ قبل ذلك بستة شهور.
    إنني يوم 3 يوليه سنة 1979 عملت على إصدار توجيه رئاسي من “كارتر” بتقديم كل المساعدات الممكنة إلى العناصر المعادية للسوفيات في كابول، وفي ذلك اليوم كتبت للرئيس مذكرة قلت فيها: “إن موقف السوفيات يزداد صعوبة في أفغانستان مع كل يوم، وأعتقد أننا إذا رفعنا الضغط درجة، فاعتقادي أن الاتحاد السوفياتي سوف يرغم على التدخل عسكريا ومباشرة في أفغانستان”.
    سؤال: معنى ذلك أنك فعلت ذلك عامدا لاستفزاز السوفيات؟
    برجينسكي: ليس بالضبط، نحن لم نقم ب”زق” الروس حتى يتدخلوا، ولكننا عارفين بما نفعل رفعنا درجة احتمال تدخلهم وقد حصل.
    سؤال: هل معنى ذلك أن الروس كانوا على حق في تبرير دخولهم إلى أفغانستان على أساس أنهم اضطروا إليه لمواجهة عملية سرية تقوم بها الولايات المتحدة ضدهم؟ كانوا يقولون ذلك ولم يكن أحد يصدقهم والآن يظهر أن فيما قالوه شيئا من الحقيقة، وذلك أمر يدعو إلى الأسف!
    برجينسكي: الأسف على ماذا؟ أن العملية السرية التي قمنا بها كانت فكرة رائعة، لقد أدت إلى دخول السوفيات في فخ تمنينا أن يدخلوا في مثله وقد دخلوا، فهل تريدون أن أقول لكم انني آسف على مخطط وضعناه ونفذناه ونجح بامتياز؟
    يوم تدخل الروس بجيشهم في أفغانستان كتبت للرئيس “كارتر” مذكرة قلت له فيها: “إن أمامنا الفرصة الآن لكي نجعل الاتحاد السوفياتي يذوق مرارة الكأس التي شربناها في فيتنام، والحقيقة أننا ولمدة عشر سنوات جعلنا الروس ينزفون دما ولا يستنزفون جهدا فقط؛ فهم حين دخلوا أضروا باقتصادهم وأرهقوا سلاحهم وأضعفوا معنويات جنودهم وأضروا بهيبتهم، وذلك أدى في النهاية إلى تمزق الإمبراطورية السوفياتية.
    سؤال: هل تعرف أن ذلك معناه أنكم أعطيتم السلاح للإرهابيين الذين أصبحوا أعداءً لكم؟ ... أنكم خلقتم بذلك صورة الإسلام الإرهابي.
    برجينسكي: أيهما أفضل للغرب: انهيار الاتحاد السوفياتي، أو ممارسة الإرهاب بواسطة بعض الجماعات الإسلامية؟ أيهما أخطر على الغرب: طالبان أو الاتحاد السوفياتي؟
    سؤال: لكن الإرهاب الإسلامي يمكن أن يتحول إلى موجة عالمية؟
    برجينسكي: هذا كلام فارغ، يخلط بين الإسلام وبين ظواهر العولمة، لننظر إلى الأحوال الإسلامية بدون تهييج، هناك دين له احترامه وله أتباع يقدر عددهم بمليار ونصف المليار من الناس، لكن الدين لا يجمع هؤلاء سياسيا في التحليل الأخير. ما الذي يجمع مسلما أصوليا من السعودية، أو مسلما عسكريا من باكستان، أو مسلما معتدلا من المغرب، أو مسلما متعلما من مصر، أو مسلما قبليا من وسط آسيا؟ لا شيء يجمع هؤلاء إطلاقا، لا يجمعهم إلا ما يجمع المسيحيين في العالم وهو في الواقع لا شيء!
    هكذا تكلم الرجل الذي “صمم” و”هندس” “مشروع الجهاد الإسلامي في أفغانستان” متواصلا فيه مع استراتيجية أميركية ثابتة جرى وضعها من قبل زمنه وزمن رئيسه “جيمي كارتر” بهدف كسب معركة كان عليها أن تدور في أفكار الناس وعقولهم، والهدف أن تتفوق الرأسمالية الأميركية ومثالها الإمبراطوري.
    وتلك معركة بدأها “دوايت أيزنهاور” (ومعه الأخوان فوستر وآلان دالاس) وواصلها “جيمي كارتر” (ومعه برجينسكي وستانسفيلد تيرنر) وأخيرا وصلت المعركة إلى “جورج بوش” (ومعه دونالد رامسفيلد وكونداليزا رايس)، وكان وصولها إلى “بوش” في ظروف متغيرة ذابت فيها ثلوج كثيرة فوق جبال أفغانستان، وذابت قربها إمبراطوريات.
    وكان الدفتر الأول من دفاتر الأزمة قد بلغ آخره وانطوى، وانفتح غلاف دفتر ثان على بقية لمعركة إطلاق الأفكار قبل إطلاق النار على أن إطلاق النار في الدفتر الجديد جاء أكثر من إطلاق الأفكار!
    وكان الدفتر الأول تسجيلا لتطور العمليات لكن الدفتر الثاني يجيء ومعه نتائج الحسابات وهي خسائر على طول الخط وحريق “في المخازن” كما هي العادة مع الخسائر حين يريد “بعضهم” إخفاء مسؤوليته عنها بالإهمال أو بالجريمة وتحويل الدفاتر والأوراق من شاهد صادق وأمين إلى رماد صامت وحزين ينتظر هبة ريح تطويه في النسيان!

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    الدولة
    alexahdria
    المشاركات
    13

    افتراضي

    مقال جميل ورائع شكرا على نشره

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 03-08-2007, 16:58
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-11-2006, 11:07
  3. ماهي علاقة غوس بمجريات السقيفة:غوس: سبب استقالتي سيظل سرا!!
    بواسطة طركاعة1 في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-05-2006, 11:18
  4. الملف الأمني العراقي سيظل تحت إشراف أمريكي
    بواسطة محمدعلي العراقي في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-03-2005, 09:28
  5. خبير اقتصادي: نفط العراق سيظل يتدفق لـ250 سنة
    بواسطة الكاشف في المنتدى واحة الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 30-09-2004, 13:55

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني