يبدو أن الكراهية الشديدة التي يكنها الشيخ القرضاوي للشيعة لا تمنعه من أن يطمس تراث شيوخه وأساتذته الذين احتضنوه وتلقى عنهم علومه ودروسه , ولم لا بعد أن تنكر لما كتبه هو بخط يده في كتابه مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الاسلامية عن الشيعة بقوله ( ... ولذا كانت ثمرة هذا كله: الفقه الجعفري بما فيه من استنباط واختلاف، وهو لا يفترق في مجموعه عن الفقه السني، إلا كما تختلف مذاهب السنة بعضها مع بعض) لكنه يعود فينكر فتوى الشيخ شلتوت التي قال فيها ( أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة) فيقول : ( أنا لم أر هذه الفتوى.. أي واحد منكم فليقول إني شفتها في كتاب كذا أو مجلة كذا , وأضاف: أنا عايشت الشيخ شلتوت عدة سنوات، وكنت من أقرب الناس إليه ، ما رأيته قال هذا.. أين كتبها ؟ وفي أي كتاب من كتبه ؟ أنا أخرجت كتب الشيخ شلتوت الأربعة الأساسية، فجمعت هذه الأشياء أنا وزميلي الأخ أحمد العسال ) رغم ان هذه الفتوى كانت ولا زالت أجلى واعظم مما افتى به الشيخ شلتوت رحمه الله وذكرها غير واحد في كتبه ومنهم الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه (كلنا أخوة شيعة وسنة).
يقول الدكتور شلبي: سألت الشيخ شلتوت يوما: هل قرأت يا مولانا ما كتبه صاحب كتاب (الخطوط العريضة) عن الشيعة؟؟
ابتسم الشيخ و لم يتكلم!!
وحين أعدت عليه السؤال أخرج من مكتبه ورقة ثم قال ستجد في هذه الورقة إجابتي على هذا السؤال!!.
كانت هذه الورقة صورة من الفتوى التي أصدرها بجواز التعبد على مذهب الشيعة الإمامية ونص الفتوى كما جاء في أقوال الإمام الأكبر:
فتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت:
1- أن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل نقول أن لكل مسلم الحق في أن يقلد- بادئ ذي بدء- أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلد مذهبا من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره أي مذهب كان ولا حرج عليه في شيء من ذلك.
2- أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة).
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذهب معين فما كان دين الله وما كانت شريعته لمذهب أو مقصورة على مذهب فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى ويجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرونهم في فقههم ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات .
ولأن الشمس معروفة بالعين والأثر نقرأ في مجلة رسالة الإسلام الصادرة عن دار التقريب في العدد (44) مقالا للشيخ محمد الغزالي عن الفتوى المشار إليها حيث يقول وكأنه يوجه خطابه للشيخ القرضاوي: جاءنى رجل من العوام مغضبا، يتسائل: كيف أصدر شيخ الأزهر فتواه بأن الشيعة مذهب إسلامى كسائر المذاهب المعروفة؟ فقلت للرجل: ماذا تعرف عن الشيعة؟ فسكت قليلا ثم أجاب: ناس على غير ديننا!، فقلت له: لكنى رأيتهم يصلون ويصومون كما نصلى ونصوم!! فعجب الرجل، وقال: كيف هذا؟: قلت له والأغرب أنهم يقرءون القرآن مثلنا، ويعظمون الرسول، ويحجون إلى البيت الحرام..!!
قال: لقد بلغنى أن لهم قرآنا آخر، وأنهم يذهبون إلى الكعبة كي يحقروها فنظرت للرحل راثيا. وقلت له: أنت معذور؟ إن بعضنا يشيع عن البعض الآخر ما يحاول به هدمه وجرح كرامته, كأننا أمم متعادية لا أمة واحدة. فعلينا نحن ـ حملة الإسلام ـ أن نصحح الأوضاع وأن نزيل الأوهام. وأعتقد أن فتوى الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شوط واسع فى هذه السبيل. وهى استئناف لجهد المخلصين من أهل السلطة وأهل العلم جميعا، وتكذيب لما يتوقعه المستشرقون من أن الأحقاد سوف تأكل هذه الأمة قبل أن تلتقى صفوفها تحت راية واحدة وهذه الفتوى فى نظرى بداية الطريق، وأول العمل.
ويقول الشيخ أن الشيخ شلتوت رغم شهرته وذيوع صيته لا يكاد يوجد له كتب يقرأها الناس غير كتاب شارك فيه العلامة محمد علي السايس وهو كتاب "المقارنة بين المذاهب الفقهية" المقرر على السنة الرابعة من كلية الشريعة جامعة الأزهر..) رغم أن للشيخ شلتون عدة مؤلفات هامة وتحظى هذه المؤلفات بالانتشار الواسع فى شتىأنحاء العالم العربى والاسلامى ولا تزال حتى الآن يعاد طباعتها وتوزيعها فى فتراتزمنية متقاربة ومن أهم مؤلفاته فقه القرآن والسنة و مقارنة المذاهب و يسألونك وهىإجابات عن أسئلة فى موضوعات شتى و منهج القرآن فى بناء المجتمع و المسئولية المدنيةو الجنائية فى الشريعة الإسلامية و القرآن والقتال و القرآن والمرأة و تنظيمالعلاقات الدولية فى الإسلام و الإسلام و الوجود الدولى و تنظيم النسل و رسالةالأزهر و إلى القرآن الكريم و الإسلام عقيدة و شريعة و من توجيهات الإسلام والفتاوى و تفسير القرآن الكريم و العشرة أجزاء الأولى وقد نال الشيخ محمود شلتوتألوانا من التكريم من مختلف الدول الإسلامية التى زارها فقد منحته جامعة شيلى درجةالزمالة تقديرا لجهوده فى خدمة العلم ونال وسام النبيلين من ملك المغرب والدكتوراهالفخرية من الجامعة الإسلامية الحكومية بجاكرتا باندونيسيا
وبحثا واحدا مما كتبه الشيخ شلتوت يعجز الشيخ القرضاوي ان يقدم مثله للمكتبة الاسلامية وأنى له أن يصل لهذه الدرجة من العلم والفقه التي كان عليها الشيخ شلتوت رحمه الله , وهو البحث الذي قدمه لمؤتمر القانوني الدولي المقارن الذي عقد بلاهاي سنة 1937م , ـ في دورته الثانية ـ وكان هذا المؤتمر ـ في دورته الأولى ـ قد قرر اعتماد الشريعة الإسلامية نظامًا قانونيًا أصيلاً ومستقلاً , ورأس الوفد المصري في هذا المؤتمر فقيه الشريعة والقانون الدكتور عبد الرازق السنهوري باشا ورشح شيخ الأزهر الإمام محمد مصطفى المراغي الشيخ محمود شلتوت ممثلاً للأزهر في هذا المؤتمر القانوني الدولي , وقدم الشيخ شلتوت لأعمال هذا المؤتمر دراسة شاهدة على تميزه وامتياز الشريعة الإسلامية في الفقه والقانون ، عنوانها : "المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية" كانت محل اهتمام وتقدير من ممثلي المنظومات القانونية العالمية، الذين حضروا هذا المؤتمر الكبير, ونال بها عضوية "هيئة كبار العلماء" بالأزهر الشريف.. والتي كانت أعلى هيئة علمية إسلامية في العالم الإسلامي بذلك التاريخ , وحين تبوأ الشيخ شلتوت موقعه بين أعضاء "هيئة كبار العلماء" كان أصغر هؤلاء الأعضاء سنًا
ولقد كان الشيخ شلتوت متميزًا وممتازًا بين أقرانه العلماء.. فهو من نجباء مدرسة الإحياء والتجديد التي كان الإمام محمد عبده أستاذها ورائدها.. كما كان الساعد الأيمن للشيخ المراغي في مشروعه لتجديد الأزهر وتطوير مناهجه..
يقول القرضاوي : ( كنا نراجع الشيخ شلتوت في بعض الفقرات التي تكون لنا عليها ملاحظة فيقرنا عليها وأحيانا يوكلني بإتمام ما أراه ناقصا وكان الأخ العسال كلما مر على هذه الفقرة ونحوها يقول: هذه قرضاوية, فأقول قد أصبحت بإقرار الشيخ شلتوتية )
وشيخ جليل وفقيه بهذه المنزلة والمكانة المرموقة التي كانت للشيخ شلتوت ويحمل أعباء أمته على كاتفه ويسير بها من بلد الى بلد لا تصدرعنه مثل هذه النكات والقفشات ( هذه قرضاوية وهذه شلتوتية) التي لا تخرج الا عن نوعية بعينها من المشايخ اعتادت السهر والسمر على المصاطب مع كوب شاي غامق بعد طبق من ( الحلبسّة ) , أو على موائد الطعام وهم يتغزلون في اطباق الفتة المحشوة بما لذ وطاب , هذه مقلية وهذه محشية و( خد مصمص ديّه ) ان هذه القفشة كما يبدو لي من سجعها تفوح منها رائحة ( المضيرة ).
ثم يقدم الشيخ مبررا واهيا لا يصدر عن رجل في مثل سنة لعدم وجود اشارة من قريب أو من بعيد في تلكم الكتب لهذا الجهد المبذول التي يزعم انه قد أوكل اليه جمعها مع احد الشيوخ الاجلاء , واتهم الشيخ شلتوت بعدم العدل والانصاف ومعرفة الفضل لأهله فيقول :
(( ولقد نوّه الأستاذ الدكتور محمد البهي بما قمنا به ـ أنا والعسال ـ من جهد في تجميع هذه الكتب وتنسيقها حتى خرجت للناس بصورتها المشرقة مبوبة مفهرسة.
وكان هذا التنويه في الطبعة الأولى لهذه الكتب، فلما اختلف الدكتور البهي مع الشيخ شلتوت بعد ذلك، وخصوصا بعد أن صار وزيرا للأوقاف، أمر الشيخ بحذف مقدمات الدكتور البهي من جميع كتبه، وهذه المقدمات هي الشهادة الوحيدة التي سجلت جهدنا العلمي في خدمة تراث الشيخ، فلم يعد لجهدنا هذا أي ذكر في أي طبعة من الطبعات. وأعتقد أن من العدل والإنصاف ومعرفة الفضل لأهله: أن يذكر هذا على غلاف هذه الكتب، أو في مقدماتها على الأقل)).