قصة حديث ( فإن الله خلق آدم على صورته ) !!
روت العامة ، أن النبي صلى الله عليه وآله سمع شخصاً يقول لآخر : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك . فقال له : لا تقبح وجهه ، فإن الله خلق آدم على صورته . وقد تمسك بعضهم بهذا القول وزعم أنه موافق لما عند اليهود من أن الله تعالى خلق آدم على صورته ، وأنه تعالى على صورة البشر !
أما نحن ، فروينا عن أئمتنا عليهم السلام أن مقصود النبي صلى الله عليه وآله أن : صورة أخيك هي الصورة التي اختارها الله تعالى لأبيك آدم عليه السلام ، فلا تقبحها . فالضمير في : صورته ، يرجع إلى المشتوم ، لا إلى الله تعالى .
وقد وافقنا عدد من علماء السنيين في تفسير الحديث ، ومن أشهرهم ابن خزيمة المجسم المحبوب عند ابن تيمية ، صاحب الهجوم على عائشة لنفيها رؤية الله تعالى ، الذي يسمونه إمام الأئمة ، لأنه أستاذ البخاري ومسلم وغيرهم !!
قال في كتابه التوحيد ، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية ص 37 :
" قال أبو بكر - يعني بذلك نفسه - : توهم بعض من لم يتحرَّ العلم أن قوله : على صورته يريد صورة الرحمن ، عزّ ربنا وجلّ عن أن يكون هذا معنى الخبر ، بل معنى قوله : خلق آدم على صورته ، الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم ، أراد صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب ، والذي قبح وجهه فزجره صلى الله عليه وسلم أن يقول : ووجه من أشبه وجهك ، لأن وجه آدم شبيه وجه بنيه ، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ، كان مقبحاً وجه آدم صلوات الله وسلامه عليه الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم ، فتفهموا رحمكم الله معنى الخبر ، لا تغلطوا ولا تغالطوا فتضلوا عن سواء السبيل وتحملوا على القول بالتشبيه الذي هو ضلال .
وقد رويت في نحو هذا لفظة أغمض معنى من اللفظة التي ذكرناها في خبر أبي هريرة ، وهو ما حدثنا يوسف بن موسى ، قال : ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقبحوا الوجه ، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن . وروى الثوري هذا الخبر مرسلاً غير مسند ، حدثناه أبو موسى محمد المثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن حبيب ابن أبي ثابت ، عن عطاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقبح الوجه ، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن . قال أبو بكر : وقد افتتن بهذه اللفظة التي في خبر عطاء عالمٌ ممن لم يتحرَّ العلم ، وتوهموا أن إضافة الصورة إلى عبد الرحمن في هذا الخبر من إضافة صفات الذات ، فغلطوا في هذا غلطاً بيناً ، وقالوا مقالة شنيعة مضاهية لقول المشبِّهة ، أعاذنا الله وكل المسلمين من قولهم !
والذي عندي في تأويل هذا الخبر إن صح من جهة النقل موصولاً فإن في الخبر عللاً ثلاثاً : إحداهن : أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده ، فأرسل الثوري ولم يقل عن ابن عمر . والثانية : أن الأعمش مدلس ، لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت . والثالثة : أن حبيب بن أبي ثابت أيضاً مدلس ، لم يعلم أنه سمعه من عطاء . فإن صح هذا الخبر مسنداً بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن أبي ثابت ، وحبيب قد سمعه من عطاء بن أبي رباح ، وصح أنه عن بن عمر على ما رواه الأعمش ، فمعنى هذا الخبر عندنا : أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه ، لأن الخلق يضاف إلى الرحمن إذ الله خلقه ، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن لأن الله صورها ، ألم تسمع قوله عز وجل : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ، فأضاف الله الخلق إلى نفسه إذ الله تولى خلقه .. إلى آخر كلامه ، وكذاك قوله عز وجل : هذه ناقة الله لكم آية ، فأضاف الله الناقة إلى نفسه ، وقال : تأكل في أرض الله ، وقال : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ، وقال : إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، فأضاف الله الأرض إلى نفسه ، إذ الله تولى خلقها فبسطها ، وقال : فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فأضاف الله الفطرة إلى نفسه إذ الله فطر الناس عليها ، فما أضاف الله إلى نفسه على مضافين ( كذا ) إحداهما إضافة الذات والأخرى إضافة الخلق ، فتفهموا هذين المعنيين لا تغالطوا ، فمعنى الخبر إن صح من طريق النقل مسنداً : فإن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن حين صور آدم ثم نفخ فيه الروح ، قال الله جل وعلا : ولقد خلقناكم ثم صورناكم .
والدليل على صحة هذا التأويل أن أبا موسى محمد بن المثنى قال : ثنا أبو عامر عبد الملك ابن عمر قال : ثنا المغيرة وهو ابن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خلق الله آدم على صورته ، وطوله ستون ذراعاً ... إلخ . انتهى كلام ابن خزيمة !
ونحن نقبل منه تأويله لهذا الحديث لأنه موافقٌ للمنطق ومذهبنا ، لكن الوهابيين تبنوا نص الحديث الذي فيه : على صورة الرحمن ، ونسبوا إلى الخليفة عمر أنه قبل مقولة اليهود بأن الله تعالى خلق آدم على صورة الله سبحانه وتعالى ! وبذلك اختاروا أن يكون ( إلههم ) على صورة البشر