أشكرك أخي صيهود علي وضع الصور الجميلة .
خبير قانوني يصف معاملة العراق لسكان الأهوار بأنها إبادة جماعية
(يقول إن شبكة القنوات الضخمة تهدف إلى القضاء على أهل المنطقة)
من جيمز فولر،
المحرر العلمي في نشرة واشنطن
واشنطن، 19 تشرين الثاني/نوفمبر-قال خبير قانوني إن هناك احتمالاً حقيقياً بإمكانية إدانة صدام حسين بجريمة الإبادة الجماعية لتدميره كلياً تقريباً المنطقة السبخة الشاسعة في جنوب العراق، مما دمر (طريقة حياة) أهل المنطقة الأصليين الذين عاشوا فيها طوال خمسة آلاف عام.
وقد أدلى جوزيف ديلابينا، الأستاذ المحاضر في كلية الحقوق بجامعة فيلانوفا والخبير في حقوق المياه الدولية، برأيه خلال ندوة أقيمت في الرابع عشر من هذا الشهر برعاية معهد السلام الأميركي، وهو مؤسسة فدرالية مستقلة أُسست للتشجيع على إيجاد حلول سلمية للنزاعات الدولية. واشترك في الندوة عدة متحدثين آخرين أسهموا في كتاب جديد بعنوان: "منطقة الأهوار العراقية: دراسة بشرية وبيئية."
وقال ديلابينا: "نعرف أن صدام حسين قد اتهم بمجموعة واسعة من مختلف الانتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم الحرب على مر السنين. وسوف أقترح أنه من المرجح جداً أن يكون مذنباً، من بين أمور أخرى، بجريمة الإبادة الجماعية ضد سكان الأهوار."
وأوضح ديلابينا أن أهالي المنطقة قد عاشوا طوال الخمسة آلاف عام الماضية على الزراعة وصيد الأسماك والحيوانات في المنطقة السبخة الشاسعة الواقعة بين لساني نهري دجلة والفرات (قرب مصبهما في شط العرب) في جنوب العراق.
وقد بدأ نظام صدام حسين، عقب انتهاء حرب الخليج في عام 1991، مشروعاً هندسياً مدنيا طموحاً يهدف إلى التجفيف المتعمد للمنطقة السبخة لتحقيق الوصول العسكري إليها ومزيد من السيطرة السياسية على عرب المنطقة السبخة. وتظهر الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية التجارية أخيراً أن مساحة المنطقة السبخة المحتوية على المياه أصبحت الآن أقل من عشرة بالمائة من المساحة الأصلية في حين تحولت بقية المنطقة إلى شبكة قنوات ضخمة من صنع الإنسان وأرض ملحية جافة.
وقد جاء في تقرير أصدرته مؤسسة عرب المنطقة السبخة (أمار)الخيرية الوقفية الدولية، وهي منظمة غير حكومية أُنشئت في عام 1991 استجابة لمأزق عرب السباخ، أن تجفيف السباخ أدى إلى القضاء على اقتصاد عرب المنطقة المتمتع بالاكتفاء الذاتي، وإلى ضمور تام تقريباً لنظام التبيؤ توقف معه هذا النظام برمته عن النمو تماماً تقريبا، وإلى فرار عشرات الآلاف من اللاجئين.
وقال ديلابينا إن عملية التجفيف النظامية للسباخ بدأت عقب ثورة المسلمين الشيعة في جنوب العراق في عام 1991، وهي الثورة التي سحقتها القوات العراقية فورا.
وأضاف: "ما الذي حدث في عام 1991 وحث على تجفيف السباخ؟ إن الجواب واضح جدا. إنه كون عرب المنطقة السبخة في الجنوب ثاروا، كما ثار الأكراد في الشمال، ضد صدام حسين في نهاية حرب الخليج. وقد اتخذت دول الائتلاف المتحالفة خطوات لحماية الأكراد، ولكنها لم تتخذ خطوات لحماية عرب الأهوار."
ومضى الخبير القانوني إلى القول: "ويبدو من المحتمل جداً أن يكون الدافع إلى التجفيف، على الأقل تجفيف المنطقة السبخة الوسطى...هو الرغبة في القضاء على عرب السباخ كمجموعة بشرية، لا الرغبة في تطوير البلد أو أي من التعليلات الأخرى-وهي في رأيي مجرد أعذار- التي قُدمت بشأن ذلك الموضوع. وإذا صح ذلك، فهو بحد ذاته إبادة جماعية."
كما ناقش ديلابينا مسائل قانونية حول حق عرب الأهوار في المياه. وقال إنه في حين أن القوانين المنصوص عليها في المعاهدات وغيرها من الوثائق القانونية الحالية بشأن كيفية إدارة (توزيع) المياه المتخطية لحدود الدولة الواحدة تتناول حقوق الدول فقط، إلا أن هناك مجموعة قوانين بدأت بالانبثاق حديثاً بموجب ما يعرف بالقانون الدولي العُرفي تعترف بحقوق الشعوب، وخاصة مجموعات السكان الأصليين الساعين إلى المحافظة على طريقة حياتهم التقليدية. وأضاف أن القانون الدولي يعترف بوجود حقوق جماعية للشعوب إذا ما جمعت بينها لغة أو ثقافة أو ديانة مشتركة، أو أكثر من عنصر من هذه العناصر.
وقال: "أظن أنه من الواضح إلى حد ما أن عرب المنطقة السبخة مؤهلون لأن يعتبروا شعباً أو مجموعة بشرية متجانسة حسب هذا التعريف، فقد كانت وما زالت لهم هوية مشتركة بينهم. وفي حين أنهم يتكلمون حقاً لهجة عربية، ويمكن للمرء أن يقول لذلك أنهم لا يملكون لغة منفصلة (خاصة بهم)، إلا أن لهم بكل تأكيد ثقافة متميزة تعود إلى آلاف السنين."
وأضاف الخبير القانوني: "وقد تم تدمير هذه الثقافة، وحجتي هي أنها دمرت عن تعمد وقصد، بالضبط لأنهم كانوا مجموعة بشرية تصعب السيطرة عليها ومجموعة بشرية قامت بثورة."
وقال ديلابينا إنه في حين أن القانون الدولي المتعارف عليه لا يعترف بحق عام في المياه إلا أنه "من الواضح إلى حد ما أنه إذا ما رجع المرء إلى قانون الحقوق الإنسانية وحقوق الشعوب الأهلية (الأصلية) في المحافظة على طريقة حياتها التقليدية، فإنه سيجد أنه يترتب على الحكومات، على أقل تقدير، واجب عدم حرمان الشعب من المياه التي يحتاجها للمحافظة على طريقة حياته تلك. ومن الواضح أن العراق قد انتهك ذلك."
وأشار ديلابينا إلى أن هناك ادعاءات أيضاً بشأن حق الحكومات والدول بالتطوير والتنمية. وقال إن هذا يثير سؤالاً حول مدى تضارب أو تعارض الحق في التطوير مع حق مجموعة بشرية في المحافظة على طريقة حياتها التقليدية.
وقال: "إذا كان الأمر كما جادلتُ من أن التغييرات في المنطقة السبخة تمت بدافع النية على ارتكاب الإبادة الجماعية لا النية على تطوير العراق وتنميته، فليس هناك في الواقع أي تضارب أو تعارض في هذه الحالة."
أما مدير مؤسسة أمار التنفيذي، بيتر كلارك، فقال لحضور ندوة معهد السلام الأميركي إنه كانت هناك خطط لتجفيف المنطقة السبخة طوال القرن العشرين. إلا أنه في حين أن الخطط التي وضعتها الشركات البريطانية في الأربعينات والسبعينات من القرن الماضي كانت مرتبطة بمشاريع الري والزراعة، فإن جهود تحويل المياه الضخمة التي قام بها النظام العراقي في العقد الماضي كانت تهدف إلى تدمير بيئة سكان المنطقة السبخة.
وقد جاء في تقارير وضعتها منظمات دولية مختلفة أن الحكومة العراقية كانت قد نجحت بحلول عام 1993 في منع وصول الماء إلى ثلثي المنطقة السبخة؛ وفي تحويل مجرى نهر الفرات تماماً إلى قناه النهر الثالثة التي يبلغ عرضها كيلومترين عن طريق مجرى جانبي يتجنب المرور في معظم الأهوار؛ وفي تحويل مجرى نهر دجلة إلى روافد، تحُول ضفافها المرتفعة اصطناعياً من تسرب المياه إلى المنطقة السبخة.
وجاء في تقرير وضعه معهد بروكنغز في تشرين الأول/أكتوبر 2002، بعنوان "أهالي العراق النازحين داخلياً" أن تجفيف السباخ كان قد استكُمل تقريباً بحلول عام 1999. وأن السبخة الوحيدة الكبيرة المتبقية كانت سبخة الحَوِيزه التي تمتد عبر الحدود العراقية-الإيرانية. ويقول الإيرانيون إن العراقيين قد بدأوا تجفيف القسم الذي يقع داخل حدودهم. وقد ظهرت ادعاءات في شهر أيلول/سبتمبر من هذا العام بأن العراق يقوم بحرق القصب في محاولة محتملة للإعداد لهجوم عسكري على القرى المتبقية.
إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم