ما لا يجوز عراقياً
حازم صاغيّة
الحياة

مقاومة الأميركان, أو حتى مناكفة الأميركان, لا تجيزان كل شيء ومطلق شيء لمجرد أنهم... أميركان. ينبغي أن يكون الحرص والوعي أكبر من ذلك.

أين مصلحة العراق والعراقيين؟ (وليس: أين الأذى لأميركا والأميركيين؟) هذا هو السؤال الذي يستحق أن يُطرح ويُفكر فيه وتُصاغ السياسات والاستراتيجيات على ضوئه.

في هذا المعنى, تقول البديهيات إن البديل المنشود من الاحتلال الأميركي للعراق هو هيئة حاكمة وطنية عراقية تستطيع أن توحّد البلد وتقوده تدريجاً نحو البناء والديموقراطية والحداثة. هل يمكن أن يقوم بهذه المهمة طرف ديني يمثل جزءاً, ولو كبيراً, من المجتمع العراقي؟

لا. لأنه, وبسبب تعريفه الذاتي كمرجعية دينية ومذهبية, لن يكون قادراً لا على التوحيد الوطني ولا على التحديث والدمقرطة. إنه, وبحكم التعريف الذاتي نفسه, قادر على تمزيق البلد وإرجاعه إلى الوراء وتهديد نسيج المنطقة برمتها.

بتبسيط أكبر: هل نستطيع أن نرى السنة العرب والأكراد مصطفّين وراء قيادة آية الله علي السيستاني, هذا إذا افترضنا أن الشيعة أنفسهم متفقون على هذا الاصطفاف؟

ثم, هل يمكن أن تتصدى لهذه المهمة "عشائر"؟ لا. العشائر تنتمي إلى أفق تاريخي لا صلة له بالأفق الذي ينتمي إليه بناء الأوطان, ناهيك عن دمقرطتها وتحديثـها. والعراق في عهدة الإحتلال الأميركي السيء (ككل احتلال) يبقى أقل سوءاً منه في عهدة العشائر.

هل يمكن إشهار "ثورة العشرين" طريقاً يضيء للعراقيين طريق القرن الواحد والعشرين؟ لا. هناك فارق من 84 عاماً بين الزمنين. خلال هذا الفارق تم تجريب الدولة الاستقلالية فأثمرت, في هذا المجال, تمزّقاً مجتمعياً وأحقاداً لم تكن قائمة في 1920. آنذاك كان العراقيون يتهيأون لبناء الدولة والمجتمع الحديثين, موعودين بالوطن والوطنية, أما الآن فهم يجنون آثار تلك الحداثة الوطنية وبالطريقة التي نشأت فيها.

إن مسؤولية العراقيين على المحك اليوم. ومسافة التحرر من الاحتلال الأميركي هي نفسها مسافة بلورة البديل الوطني والعصري. أما المقاومة الوطنية الجامعة فلا تعدو أن تكون خرافة لأن التمزق الطائفي لا ينتج مقاومة موحدة, بل قد ينتج مقـاومات تحارب إحداها الأخرى أكثر مما تحارب أي منها الاحتلال. والنفخ في المقاومة, في هذا المعنى, ضرر صاف على العراقيين وأذية صافية لهم, وإن كان مهنة عزيزة جداً على قلوب المناضلين الذين لا يشبعون من فتح جبهات لغيرهم.