 |
-
معبر كردي شاق بين المصير والقدر
معبر كردي شاق بين المصير والقدر
جيم هوغلاند*
يحتاج العراق الأكراد، الذين بنوا وأداروا، عبر عشرات السنين، ادارة اقليمية عملية، وان كانت ناقصة، تعتمد، جزئيا، على الانتخابات وقضايا الناخبين الدستورية. فأفكار الأكراد وحاجتهم الى بنية فيدرالية فضفاضة تحمي الأقليات الاثنية والدينية، لا بد أن تساعد على صياغة عراق جديد.
والأكراد يحتاجون العراق، فهم بحاجة الى الانتماء الى دولة حديثة يمكن أن تزيل الممارسات الاقطاعية والعشائرية لموطنهم في جبال زاغروس شمال العراق، وهم بحاجة الى حدود معترف بها دوليا لتحميهم من الغرائز المفترسة لجيرانهم الطامعين بنفطهم أو الراغبين في زعزعة استقرار العراق.
والأكراد يحتاجون، جوهريا، تحويل العراق من قدر الى مصير. فالقدر هو ما يحدث لهم. والمصير هو ما يستطيعون تحقيقه. ويجب أن يعملوا بتوافق مع العرب، اخوتهم في الدين وجيرانهم، لإقامة دولة غير استبدادية أو متعصبة، كما هو حال معظم دول المنطقة.
لقد أقنعتني حملات الإبادة الجماعية التي قام بها صدام حسين ضد أكراد العراق، الذين يبلغ عددهم أربعة ملايين نسمة، والتي استخدم فيها الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وأحرق القرى الكردية وأزالها من على الأرض، في سنوات الثمانينات، بأن تغيير النظام ضروري في العراق. فالنيات الاجرامية لنظام البعث الذي كان صدام يقوده تجاه الأكراد لم تتغير عبر السنوات.
ان الشوفينية العربية والكراهية العنصرية اللتين اثارهما صدام، وهو ما يشكل عارا أبديا لأقرانه من العرب الذين تغاضوا عن سياسته هذه أو دعموها، كانت آثمة ومدمرة شأن الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وطيلة الوقت الذي كان نظام صدام يمسك بالسلطة كانت وحدة الأراضي تمثل، ببساطة، ذريعة للقتل الجماعي. وكانت للأكراد مبرراتهم في اختيار ادارة أمورهم الخاصة تحت الحماية الجوية للولايات المتحدة بعد حرب الخليج عام 1991.
حاليا، يجد الأكراد، الذين انضموا الى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، والذي أطاح البعثيين في ابريل (نيسان) الماضي، الفرصة والواجب للمساعدة على اقامة نظام سياسي جديد يجعل العراق قادرا على السير موحدا. واذا ما أخفقوا في ذلك، فسيكون ذلك حالنا أيضا نحن الذين جادلنا منذ سنوات من أجل منحهم هذه الفرصة. وفضلا عن ذلك، اذا لم يفلح الأكراد والعرب في العراق في تحويل القدر الى مصير مشترك، فان «استراتيجية الديمقراطية» في الشرق الأوسط، التي قدمها الرئيس بوش، لن تنطلق من الأرض. وستواجه خطوات تركيا الواعدة لإقامة نظام ديمقراطي اسلامي معتدل، والانضمام، أخيرا، الى الاتحاد الأوروبي، خطرا كبيرا. وستستخدم ايران شمال العراق كمنطلق لأعمال التخريب.
ومن أجل استرضاء تركيا ونزع سلاح ايران سياسيا، أكدت ادارة بوش أن وحدة الأراضي العراقية ليست موضع شك. ولكن العراقيين يعرفون الأمور على نحو أفضل، فهم يعرفون ان الأكراد لديهم مصلحة كبيرة في اطالة بقاء العزلة الراهنة عن بغداد، وانتظار أن تنهار الأوضاع في الجنوب، وذلك يفسر سبب توجه وفد رفيع المستوى من مجلس الحكم في العراق الى مدينة السليمانية الكردية يوم الثامن من يناير (كانون الثاني) الجاري، ليقولوا للزعيمين الكرديين الرئيسيين مسعود البارزاني وجلال الطالباني ما يلي:
«لقد حصلتم على حق الحكم الذاتي، ويمكنكم اعلان الاستقلال ان شئتم. لن نقاتلكم بشأن ذلك. وسنعترف بكم. ولكن ما لا نريده هو دولة انفصالية مثيرة للمشاكل داخل خاصرة العراق. قرروا موقفكم وضعوا مشاعركم في قراركم».
ويقول مسؤولون أكراد من مجلس الحكم، ان رسالة «أدخلوا أو أخرجوا» التاريخية قد أعلنت بصورة فظة من جانب أحمد الجلبي. وردد أصداءها مساعدون لعبد العزيز الحكيم وعدنان الباجه جي. وكان مسؤولون في مجلس الحكم قد تشاوروا مع الأكراد قبل اجتماعاتهم الرفيعة المستوى مع مسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأسبوع الماضي. وسرعان ما تعهد الزعماء الأكراد بدعم وحدة العراق وأراضيه، ولكنهم لم يوافقوا على التوجه الى الولايات المتحدة لمناقشة مستقبل العراق مباشرة مع كوفي أنان أو جورج دبليو بوش.
لقد كانت السنوات العشر الماضية عصرا ذهبيا لأكراد العراق، بلغ ذروته بإسقاط نظام بغداد الذي مارس القتل بحقهم على نحو منظوم باسم القومية العربية. ان ترددهم في التخلي عن الاستقلال الذاتي الكامل، راهنا، أمر مفهوم. ولكن يتعين على الأكراد ألا يضيعوا هذه الفرصة لاختيار المصير مقابل القدر. ان مشاركتهم الفاعلة في عراق ديمقراطي جديد ستظهر أن وحدة الأراضي في الدولة العربية المتعددة الإثنيات لا يتوجب انجازها أو الحفاظ عليها عبر الارهاب المنظم.
* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |