عندما غربت شمس العاشر من المحرم سنة 61 هجرية على أرض كر بلاء كان جيش المسلمينبقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص قد فرغ من الإجهاز على ركب الإمام الحسين وصحابته وأخوته وأبنائه من أهل بيت النبوة وهم يومئذ سبعون فردا لاغير , بعد أن حاصروهم في صحراء قاحلة منعوا عنهم خلالها الماء ثلاثة أيام , حتى إذا خارت قوى الرجال , وجفت أجساد النساء والأطفال وتعالت أصواتهم بالعويل والبكاء , بطشوا بهم بطشة لم يعرف التاريخ لها مثيل في خستها ووحشيتها00 فأعملوا فيهم السيوف والحراب حتى أسقطوهمجميعا بين قتيل وذبيح ملطخين بدمائهم الذكية تتشربها رمال صحراء الطفوف , ثم وطأوا الجثث الممدة حوافر خيولهم فرضتصدورهافي ظهورها
وإمعانا في الحقارة والتشفي إنقضوا على أشلاء الجثث الممدة بقلوب تقطر غلا وحقدا وفصلوا الرؤوس عن أجسادهاوتقاسموها بينهم ليتقربوا بها إلى خليفة المسلمين آنذاك يزيد بن معاوية , فحملوها على أسنة الرماح إلى حيث قصر الخلافة في دمشق في موكب مهيب عرف في التاريخ باسم موكب الرؤوس , على مقدمته رأس الإمامالحسين00 ثم تليه رؤوس أبنائه وأبناء إخوته أحفاد رسول الله (ص) 000 ثم رؤوس أصحابه زهير بن القين وحبيب بن مظاهر والحر بن يزيد الرياحي وغيرهم 000
وفى المؤخرة كانت السبايا , حرائر أهل بيت النبوة 000بنات رسول الله (ص) 000السيدة زينب النبوية عقيلة بنى هاشموالسيدة أم كلثوم أخوات الإمام الحسين والسيدة سكينة والسيدة فاطمة النبوية بنتا الإمام الحسين وغيرهن 000من بنات السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ,وقد وضعوهم على أقتاب البغال والجمال بغير سروج وغطاء مكبلات بالحديد مهتكات حاسرات يسقن كما تساق الإماء والجواري 000 وكان معهم الإبن الوحيد من أبناء الإمام الحسين الذي نجا من الذبح بعد أن منعه مرضه الشديد من الإشتراك في المعركة وحفظ الله في صلبه نسل رسول الله (ص) لئلا تخلو الأرض من الذرية الطاهرة , وهو علي الأصغر , الذي عرف فيما بعد بالإمام علي زين العابدين
حقيقة , إن الصراع بين الحق وأهله والباطل وأتباعه لم يتوقف يوما منذ أن خلق الله الأرض وما عليها , بداية من آدم والشيطان , ثم قابيل وهابيل , فنوح وقومه , ثم إبراهيم ونمرود , وموسى وفرعون . . . حتى آخر الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله (ص) 000 كانوا جميعا حملة شريعة السماء ورسل الله إلى عباده ليخرجونهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار, فكان طبيعيا أن يتصدى لهم أئمة الكفربالقتل والتعذيب والذبح والتشريد000

إلا في كر بلاء 00
فالذين قتلواالإمام الحسين وفصلوا رأسه عن جسده ومثلوا بجثّته وسبوا نساءهوهتكوا حريمه لم يكونوا كفارا ولا مشركين ولا من أهل الديانات الأخرى , بل كانوا على دينه وملته يشهدون أن لا اله إلا الله وأن محمدا (ص) رسول الله , بل كانوا صفوة جيش خليفة المسلمين يزيد بن معاوية وأمرائه ووزرائه الذين أرسلهم لأخذ البيعة من ابن رسول الله (ص) ومن معه أو قتلهم جميعا000
والإمام الحسين هو الذي قال فيه رسول الله (ص) هو وأخيه الإمام الحسن هذان سيدا شباب أهل الجنة وقال فيه هو " حسين منّي وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا " وهو من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأبوه هو علي بن أبي طالب أول من آمن وصدق برسول الله (ص)وأمه هي الصديقة الطاهرة المحدثة العليمة أم أبيها السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة بنت خير خلق الله (ص) و 000فكيف يبايع من كانت له كل هذه الشمائل يزيد بن معاوية خليفة على المسلمين ؟ بل كيف تبوأ يزيد هذه المكانة ؟ بل من هو يزيد ؟
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان , جدّه هو أبو سفيان بن حرب , قائد وزاعق كل حرب على رسول الله (ص) في شعاب مكة إلى أن أخرجه منها إلى المدينة , وجدته هند بنت عتبة التي احتالت لقتل أسد الله حمزة عم رسول الله (ص) ولاكت كبده وجدعت أنفه وأذنه إنتقاما لقتله أباها وأخاها وعمها في غزوة بدر , وأبوه معاوية بن أبي سفيان, أول من فرّق جماعة المسلمين و شق عصى الطاعة وخرج على إمام زمانه الإمام علي بن أبي طالب في صفين ولعنه على أعواد المنابر , وأول من جعل الخلافة الإسلامية ملكا عضوضا يتوارثه الأبناء عن الآباء فاستخلف ابنه يزيد على جماعة المسلمين , ثم إنه من الطلقاء الذين عفا عنهما رسول الله (ص) في فتح مكة
وكان يزيد هذا يلقب بيزيد الخمور ويزيد القرود , لشدة فسقه وفجوره وولعه الشديد بالقرود والكلاب حتى أنه قد جعل لكل كلب عبد يعتني به
وإذا سأل سائل : كيف وصل هذا الماجن الفاسد إلى سدة الخلافة عن رسول الله (ص) التي هي خلافة الله في أرضه وسمائه ولم يمض على رحيله (ص) سوى خمسون عاما لا غير ؟
فكيف يكون الجواب؟
بل كيف نبرر ونفسّر قتل خليفة رسول الله يزيد بن معاويةلابن رسول الله (ص) الإمام الحسين ؟
ألا يعني هذا أن عرى الإسلام قد بدأت في الإنقضاض عروة عروة بعد وفاة رسول الله (ص) وكان أولها الحكم !!! ألا يعني هذا أن هناك إنحرافاكبيرا قد أصاب أمة الإسلام أخرجهاعن النهج القويم والصراط المستقيم الذي خطه لها رسول الله (ص) بيده الشريفة لئلا تضل بعده ... انحرافا وصل بعد خمسين عاما لا غير إلى ما يشبه الردة الكاملة!!!
فمتى بدأ هذا الانحراف ؟
لقد حاقت بالأمة الإسلامية- قبل كر بلاء - محن ونكبات أثخنت جسدها و فرقت شملها ومزقتها كل ممزق , في الجمل وصفين والنهراوان تلاقت فيها جيوش المسلمين واقتتلوا حتى كانت أعداد القتلى تقدر بعشرات الآلاف من الجانبين , فى الجمل خرجت أم المؤمنين عائشة ومعها الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله (رض) وغيرهم إلى البصرة لقتال الأمام على بن أبى طالب , وكان عدد القتلى سبعة عشر ألف قتيل من الجانبين , وفي النهراوان خرج إثنا عشر ألفا من المسلمين على الإمام علي بعد أن رموه بالكفر , وفي صفين خرج معاوية على الأمام علي أيضا , بدعوى القصاص من قتلة عثمان , وكان عدد القتلى سبعين ألف قتيل , وظهر على أثرها أول إنشقاق علني في صفوف المسلمين , فافترقوا إلى شيعة علي وشيعة معاوية وهم الذين عرفوا فيما بعد بأهل السنة والجماعة وعندما قتل الإمام علي تصالح ابنه الإمام الحسن مع معاوية في محاولة للم شمل الأمة ورأب الصدع وسمي العام الذي اجتمعوا فيه " عام الجماعة " 00 إلا أن سياسات معاوية بعد ذلك في استبداده بالملك وقتله الإمام الحسن ولعن الإمام علي على أعواد المنابر ثم توريث السلطة لابنه يزيد , الذي استهل حكمه بذبح سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين وأهل بيته في كربلاء , قطعت على المسلمين من الجانبين خط الرجعة 00
واستمر الحال على ما هو عليه حتى اليوم . . .
فهل كانت الجمل وصفين والنهراوان أوليات هذا الانحراف الكبير أم أنها كانت دلائل عليه ومقدمات للفاجعة الكبرى والمصيبة العظمى التي ألمت بأمة الإسلام وأفقدتها مصداقيتها وألبستها ثياب العار والتهمة بين الأمم بقتلها ابن بنت نبيها وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي ؟