حل لمعضلة الانتخابات
يمثل النزاع الحالي بين سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق والمرجعية الشيعية المتمثلة باية الله علي السيستاني مأزقا سياسيا كثرت بشأنه المقترحات والطروحات والتي تركزت جميعها حول طريقة اختيار المجلس الانتقالي العراقي المزمع تشكيله صيف هذا العام. ويبدو ان انهماك السياسيين والمحللين في موضوع اختيار اعضاء مجلس انتقالي ادى الى اغفالهم لطريقة اخرى اقل تعقيدا واسهل تطبيقا لحل معضلة الانتخابات. حل يتجاوز الاعتماد الكامل على اتفاقية الخامس عشر من تشرين التي تفتقد للكثير من الوضوح والشفافية. تنص تلك الاتفاقية التي ابرمت بين سلطة الائتلاف ومجلس الحكم الانتقالي على تعيين 18 لجنة انتخابية تقوم بدورها باختيار اعضاء مجلس تشريعي انتقالي. هذا المجلس تقع بين يديه مسئولية اختيار السلطة التنفيذية المكونة من الرئاسة ومجلس الوزراء. اية الله علي السيستاني رفض هذه الخطة وما زال يصر على الانتخابات كوسيلة لإختيار تشكيلة الحكومة العراقية الانتقالية.

ادى الخلاف حول هذا الموضوع الى نشوء سجال حاد حول انتخابات المجلس الانتقالي متعلق بامكان اجرائها من ناحية, او حتى فائدة اجرائها في هذه المرحلة من ناحية اخرى. هناك حل بسيط لهذه المشكلة يتمثل في في فصل المسارين التشريعي والتنفيذي والذان تخلط بينهما اتفاقية الخامس عشر من تشرين. يتم ذلك الفصل من خلال اجراء انتخابات لإختيار رئيس او مجلس رئاسي مع الابقاء على الية المجالس الانتخابية لإختيار المجلس التشريعي. حيث ان الانتخابات الرئاسية لا تحمل الكمية الكبيرة من المشاكل التي ترافق اجراء الانتخابات التشريعية.

ان انتخاب رئيس واحد او مجلس من ثلاثة رؤساء يعد اسهل بكثير من عملية انتخاب مئات الاشخاص لمجلس انتقالي. فالانتخابات الرئاسية لا تحتاج بالضرورة الى حياة سياسية حزبية متطورة يفتقدها العراق (وهو امر يستند اليه الكثير من منتقدي فكرة الانتخابات التشريعية). كما ان فرصة دخول البعثيين والمتطرفين الى المسرح السياسي العراقي وهي امكانية واقعية جدا في حال حصول انتخابات تشريعية, امر لا يمكن حدوثه في الانتخابات الرئاسية حيث يقوم الناخبون في جميع انحاء العراق بالتصويت لشخصيات معروفة, ولن تتمكن منطقة معينة من فرض مرشحيها الذين يمكن لهم ان يعملوا على تخريب المسار الديمقراطي في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية. الامر الاخر هو ان الانتخابات الرئاسية لا تحتاج الى سجل انتخابي شديد الدقة, فالفرق بين الاصوات يكون اكبر بكثير مما هو عليه بين اصوات مرشحي المجلس التشريعي حيث يؤثر عدد قليل من الاصوات على نجاح مرشح او عدمه. بالاضافة الى ذلك, فان الجنرال ريكاردو سانشيز, قائد قوات التحالف في العراق, كان قد اشار وبشكل واضح الى ان تلك القوات قادرة على الاضطلاع بمهمة ضمان الامن اللازم لإجراء الانتخابات في حال تقرر ذلك.

ان التعقيد الذي تعاني منه الخطة الحالية وهو امر لا يمكن اغفاله عند دراسة دوافع المعارضة التي تتعرض لها الخطة, ذلك التعقيد يجعل عملية التنبؤ بتركيبة المجلس الانتقالي شبه مستحيلة. هذا المجلس, الذي لا يعرف احد مم سيتكون, سيكون مسئولا بشكل كامل عن المرحلة الانتقالية برمتها حيث انه يمثل السلطة التشريعية كما انه سيعين السلطة التنفيذية من رئاسة ومجلس وزراء. العراقيون المطالبون بالانتخابات يخشون من ان مقدرات المرحلة الانتقالية تقع بشكل شبه كامل بين يدي مجلس يسهل التلاعب بتركيبته حسب اعتقادهم. السيستاني لم حتى الان باصدار فتوى محددة بضرورة انتخاب اعضاء المجلس الانتقالي, بل ان كافه تصريحاته تصب في ضرورة وجود شرعية شعبية للحكومة الانتقالية. تلك الشرعية يمكن ان توفرها الانتخابات الرئاسية التي ستهدئ من مخاوف العراقيين وتعالج تحفظات اية الله السيستاني.

هناك خيارين مطروحين لطبيعة الانتخاب الرئاسي في العراق الاول هو انتخاب رئيس واحد والثاني هو انتخاب هيئة رئاسية. فعلى سبيل المثال, تقترح مسودة القانون الاساسي التي يناقشها مجلس الحكم العراقي تشكيل هيئة رئاسية من ثلاثة اشخاص. اذا ما تم تبني هذا المقترح, فان الثلاثة الحاصلين على اكبر عدد من الاصوات سيشكلون الهيئة الرئاسية حيث يرجح ان يمثلوا فيما بينهم غالبية كبيرة من اصوات العراقيين بمختلف توجهاتهم العرقية والدينية والسياسية.

ان فصل عملية اختيار السلطة التنفيذية عن التشريعية يمكنه ان يخرج العراق من المأزق الحالي. كما ان التوازن بين رئاسة منتخبة تمنح للحكومة الانتقالية الشرعية التي يطمح لها العراقيون, وبين مجلس تشريعي معين يساعد في ضمان سلاسة نقل السيادة, هذا التوازن يمكنه ان ينتج تحولا مستقرا نحو ديمقراطية يبني عليها العراق والعراقيون كل امالهم من اجل مستقبل زاهر.

منظمة عراق الغد