سؤال بريمر وغرينستوك لمجلس الحكم يحمل الجواب
الحسن نحو العراق برغبة عالمية
وعمان الرسمية تنأى بنفسها ثانية
الاثنين 01 مارس 2004 13:51

"إبلاف" من لندن: لمرة ثانية خلال عام ونيف من الزمن تنأى عمان، عاصمة الهاشميين، في الأردن بنفسها عن تحركات الأمير الحسن بن طلال ولي العهد السابق نحو العراق، في الأولى حين شارك الأمير في مؤتمر المعارضين العسكريين الذي عقد في العاصمة البريطانية في صيف العام ، ووقتها صدرت تصريحات رسمية من عمان تقول إن الأمير الحسن بن طلال شارك في المؤتمر بصفة شخصية "ولا التزام رسميا أردنيا أو هاشميا بتصرفاته، وكان رد الفعل قاسيا لدرجة معينة، إذ أن العاهل الهاشمي الملك عبد الله الثاني ذاته صرح علنا "نحن غير مسؤولين في الأردن عن طموحات البعض منا كهاشميين في الحال العراقي".

وفي الثانية، يعلن رئيس وزراء الأردن فيصل الفايز مساء السبت أمام رؤساء تحرير الصحف الأردنية أن لا غرض أو علاقة لما يقوم به ولي العهد السابق من تحركات نحو العراق "فهي تصرفات شخصية، ولا دور للأردن الرسمي أو الشعبي علاقة بذلك". وقد يكون كلام الرئيس الفايز صحيحا لدرجة معقولة تكتيكيا في علم السياسة التي يعتبر الأردن محنكا فيها باعتراف كثير من المراقبين وصانعي القرار.

ويقول متابعون للشأن الأردني، إن عمان الرسمية رغم كل شيء تراقب الوضع العراقي لحظة بلحظة وهي على اتصال دائم عبر مبعوثين ودهاة سياسيين مع الجانب الأميركي والبريطاني المحتل للعراق راهنا وصولا إلى اختبار إرادتي سلطات الاحتلال بشأن شكل النظام السياسي الذي يصوغ العراق الحديث ديمقراطيا يعيده إلى الساحة الدولية بقوة فاعلة.

وحين صرح رئيس الوزراء الأردني بالقول إن تحركات الأمير الحسن لا تهم الشعب الأردني، فإنه كان صادقا في التعبير، فحال العراق المستقبلي ينجزه العراقيون بأنفسهم وهم قادرون على ذلك "إذا ما أتيحت لهم الظروف وتيسرت من جانب قوات الاحتلال والإدارة المدنية التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في القرار، وخصوصا قرارات مجلس الحكم الانتقالي الذي عين بموجب إرادة سلطة الاحتلال".

وقال مراقب سياسي "لا يهم الأردنيون موضوع من سيحكم العراق في حاله الديموقراطي الجديد، فهم يطمحون إلى قيام حكم يخدم مصلحة الشعب العراقي وهو جارهم الشرقي سواء كان ملكيا أو جمهوريا، فالمصالح هي التي تتحدث عن نفسها الآن وليس من يحكم من؟".

وكان الأمير الحسن بن طلال (57 عاما) أقصي عن ولاية العهد في الأسبوع الأخير من حياة شقيقه الملك الحسين بن طلال لصالح نجله الأكبر عبد الله (الملك الحالي) الذي كان في عرف كثيرين "لكنهم أخطأوا التقدير" غير مؤهل للحكم رغم صرامته العسكرية وسعة أفقه السياسي إذ تربى في حضن صاحب القرار لثلاثين عاما قبل أن يؤول العرش إليه.

ومنذ العام 1999 تاريخ التحول الجديد في الأردن، ظل الأمير الحسن بن طلال الذي يعتبر من أهم رجالات الفكر عالميا وعربيا وإسلاميا، يقوم بمهماته بعيدا عن القرار السياسي الأردني المحلي وفي المحيط العربي والعالمي تاركا المهمة لابن شقيقه الملك الراحل، الملك الحالي عبد الله الثاني بقيادة دفة الأمور.

وبالمقابل، فإن الملك الهاشمي الجديد، سمح لعمه الكبير بممارسة دوره في مسائل تتعلق بالحوار بين الحضارات والأديان أيضا وتبادل الأفكار مع الآخرين على نحو يخدم ليس فقط المصلحة الأردنية المحلية وحسب، بل تقديم أفضل النصح والإرشاد لعمل عربي وإسلامي ناجز عبر المؤسسات التي يقودها الأمير الحسن على نحو عربي وعالمي في منتديات الفكر التي صارت كثيرة العدد.

والأمير الحسن بن طلال، اعترف بأنه ساع إلى دور في العراق لصالح الشعب العراقي بكل فئاته السياسية والطائفية والعرقية، وذلك خلال مقابلته المتلفزة مع فضائية "العربية" ، وهذا الدور أطلق عليه الحسن بن طلال توصيفات عديدة، لا يمكن أن تكتمل إلا "بقرار أممي".

وكلام الأمير الحسن لفضائية "العربية"، التي صارت تمثل تيارا عربيا إعلاميا معتدلا ومؤثرا، علق عليه مراقبون سياسيون بقولهم "الأمير عازم على تنفيذ شيء كبير من خلال مهمته الجديدة مشاركا في مؤتمر يضم قطاعا عريضا من أبناء الشعب العراقي".

وتزامنت تصريحات الأمير الحسن بن طلال لفضائية "العربية" مع ما كان يجري في بغداد من مشاورات واتصالات كانت في غاية الأهمية بين سلطات التحالف التي تحكم العراق أميركيا وبريطانيا حول إنجاز الدستور العراقي المؤقت الذي يحتمل إعلانه غدا الثلاثاء ممهدا لقيام سلطة عراقية تحكم العراق الجديد من بعد إطاحة حكم حزب البعث، وصولا إلى إعادة البلاد إلى الساحة الدولية بكل اقتدار سياسي واقتصادي ليسهم العراق بكل قدراته في التطور العالمي وخصوصا منطقة الشرق الأوسط التي قالت الولايات المتحدة أنها "ستخلق منها واحة ديموقراطية تحت تعبير الشرق الأوسط الكبير".

المشاورات في العاصمة العراقية، أنجزت ما يمكن القول إنه إعلان عن دستور جديد يصوغ حال البلاد مستقبلا لفترة انتقالية تحدد شكل نظام الحكم والمؤسسات الأخرى برلمانيا وخلافها، لكن تصريحات نقلت عن لسان رجلين مهمين في الحال العراقي الواقع تحت الاحتلال راهنا تشير إلى ما هو ابعد من ذلك.

فلقد كشفت معلومات من بغداد ونشرتها "إيلاف" عن أن السفير بول بريمر الحاكم المدني الأميركي في العراق ، طرح على أعضاء مجلس الحكم خلال المداولات الأخيرة بشان إعداد مسودة قانون إدارة الدولة العراقية رأي واشنطن في مجلسهم .

ونقلت هذه المصادر عن بريمر قوله "لم ينجز مجلس الحكم المهام المنوطة به ، ولم يقم أعضاؤه بعملية التواصل السياسي مع الأحزاب والمنظمات العراقية التي ظهرت بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع صدام حسين ، وبذلك لم يكسبوا ثقة الشعب".

وأضافت هذه المصادر التي حضرت هذه الجلسة، أن بريمر طرح سؤالا محددا على الحاضرين: " كنتم تقولون لنا إن لكم إمدادات وجذور داخل الشعب العراقي، دعوني أسأل، هل فيكم اليوم من ناب عنه عراقي من الداخل في حضور هذه الاجتماعات، أو من رشح أي عراقي من الداخل للعمل في الأماكن المهمة في الدولة، الجواب ببساطة ، كلا ، إذن أين هي إمداداتكم وجذوركم داخل العراق؟؟ "

وأضافت المصادر أن بريمر وغيرنستوك (ممثل الحكومة البريطانية في سلطة التحالف) أخذا يتحدثان صراحة على اعتبار أن الخلافات على إعداد مسودة قانون إدارة الدولة العراقية والإخفاق في الانتهاء منها في موعدها المحدد (28 شباط) ، ناتجة عن رغبة الكثير من أعضاء مجلس الحكم الحاليين في الاستمرار في السلطة، إذ يعتبرون أن دورهم لم ينته بعد وهم من يستحق الاستمرار في أي شكل جديد من الحكم الانتقالي وربما حتى بعد الانتخابات المباشرة .

ومن جانب آخر ، أشارت هذه المصادر إلى أن التوافق الأخير بين أعضاء مجلس الحكم على المسودات المطروحة للنقاش، وصل إلى نقطة شائكة تمثلت في تحديد الصلاحيات بين المجلس ككل وهيئة الرئاسة، والفترة الانتقالية بزمن محدد، واعتبار كل ما يكتب ويعمل به خلال المرحلة الانتقالية، ذو تبعية في عملية كتابة الدستور الدائم، مع تحمل جهة الإصدار المسؤولية الكاملة عن كل ما تصدره من قوانين في المرحلة الانتقالية، في الوقت الذي سيترك لكتابة الدستور، موضوع الفيدرالية والجنسية ونظام الحكم".

وما علمته خزنة"إيلاف" هو أنه رغم ما قد يصدر في الساعات الثماني والأربعين المقبلة في شكل رسمي عن مجلس الحكم العراقي المؤقت حول الدستور العراقي الجديد، فإن هنالك خطوات يتم التشاور حولها في عاصمتي القرار البريطانية والأميركية، حول اتخاذ قرارات من جانب سلطة الاحتلال "المشتركة" بتأييد من قطاع شعبي عراقي كبير قبل أن تقرر سلطات الاحتلال تسليم السلطة للعراقيين الممثلين حاليا في مجلس الحكم الانتقالي.

وتشير المصادر إلى أن التاريخ يعيد نفسه عراقيا، إذ قام الكيان العراقي الحديث بناء على تفاهم بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى في العام 1919 لتعلن العراق مملكة متحدة في العام 1921 وجيء بالأمير فيصل بن الحسين ملكا على العراق الجديد بتفاهم أو "بضغوط" ليستمر هذا الحكم حتى العام 1958 حين أطيح به في انقلاب دموي قضى على عائلة الحكم الهاشمية كاملة وحينذاك كان العراق متحدا مع الأردن إذ تحكم البلدين عائلة واحدة، ثم أعلن الحكم الجمهوري في العراق إلى حين إسقاطه في إبريل (نيسان) العام 2003 .

وتشير المصادر التي كانت تتحدث إلى "إيلاف" إلى أن التاريخ "ممكن أن يعيد نفسه في نمط جديد آخذا بعين الاعتبار المتغيرات الجديدة في العالم، فإن الأمير الحسن بن طلال درس كل شيء قبل زيارته المنتظرة إلى بغداد، وهي بالتالي لا تخص الشعب الأردني من قريب أو بعيد، كما قال رئيس الوزراء الأردني فيصل الفايز، فهي ابعد من ذلك بكثير، وهي تهم ترتيب حال المنطقة كلها، ودور الهاشميين في هذا الترتيب كاسرة حكم معتدلة ومقبولة".

نصر المجالي

المصدر :ايلاف

http://www.elaph.com.:9090/elaph/ara...45479170295600