وعي الصدر للشهادة
كلما اُحاول أن أجمع قواي واُحفزها للكتابة عن محمد باقر الصدر أجد نفسي قلقا من وخز الضمير ومن عدم إحقاق الحق وأخاف من الاستغراق في شخصية محيرة بلغت القمة في كل مجال ولجته حتى توجت بالشهادة
وكأن الصدر رأى أن كل ماقام به وفكر فيه في كفة وشهادته كقربان للمسلمين في كفة اُخرى (خذ حتى ترضى)
فهو أراد استثمار كل حياته في سبيل مبادئه التي لخصها بتقديم دمه لتكتب صفحاتها باللون الأحمر وتكن حافزا للعراقيين في سبيل نهوضهم بواقعهم الاسلامي .
لقد وعى الشهيد الصدر الحسين فكرا وعاطفة وسبيلا ولم يجد بدا إلا أن يُجسد هذا الوعي ويختصر المسافات للوصول الى مبتغاه
لم تهمه المواقع وهو يعلم أن تكليفه الشرعي يحتم عليه أن يقول كلمة الحق ولم يلتفت الى ما كان الاخرون يخططون له للاستحواذ على الالقاب وتحصين مواقعهم الاجتماعية والحوزوية لا لعدم انتباه وإنما تغافلا لأن وعيه للخطر الذي يُداهم الامة والكيان أكبر من صراع جانبي ،مثله كمثل ربان السفينة الذي يرى في الافق رياح عاتية وأمواج البحر المتلاطمة تقترب من مركبه وهناك من يبحث في هذه السفينة عن غرفة ملائمة يستريح فيها.
ولم يكن نقده واصلاحه لبعض المظاهر الحوزوية لتتحول الى تمرد يعصف بالكيان كله ،فكان إصلاحه من نوع آخر فهو بين ان يحفظ هذا الكيان من الخطر الداهم الذي يريد اقتلاعه من الجذور وبين رتابة وموروث يمكن الخطر من تهديد هذا الكيان وهكذا علم اتباعه ومريديه أن يكونوا كأم الولد .
وبالرغم من نقده لبعض المتلبسين بزي العلماء وهم البعيدين كل البعد عن روح واخلاق العلماء إلا أنه شجع الكثيرين من الالتحاق بالحوزة وكان يُعطي للباس الشرعي أهمية كبرى ولم يستقبل احدا من طلابه الا وهو في كامل اللباس الحوزوي وان كان ذلك في بيته واثناء راحته (هذا ماذكره بعض من كان يلتقيه بين الفترة والاخرى لسؤاله والاستفسار منه).
ويحاول بعض من كتب عن الشهيد الصدر أن يتساءل ماذا لو يستشهد أو اخر شهادته ؟
المشكلة في هذا التساؤل هو عدم نظره للمرحلة التي عاشها الصدر ويفكر في الحالة اليوم لا بآنيتها ولحظاتها في ذلك التاريخ ، وبنظرة موضوعية للامور انذاك ماذا سيكون موقفه وهو يدرك مسؤوليته الشرعية يدرك ان هدي الناس لابد ان يكون هناك محفزا اخر يستنهض الامة فالاصلاح في الامة بحاجة الى أنهار من الدماء توقظها من سباتها .
وكان خياره أن يبرز للموت ولايكن مقتله ملفقا يشوبه الغموض كالقتل بالسم او بحادث عرضي أراد لاستشهاده ان يؤكد انهم سيسفكون الدماء تلو الدماء ولن يردعهم رادع
أراد لمقتله ان تكون شهادة على جرم الطغاة ولعنة تلاحقهم وتلطخ تاريخهم الأسود ،ولو لم تكن للبعث إلا هذه الجريمة لكفت لادانتهم كأسوء نظام حارب الفكر والمفكرين على طول التاريخ .
اراد من موقعه الشرعي الذي ادركه ان لايبقى مختصرا في العلم والفقه وتقديم الاستفتاء لهذ وذاك وانما حول كل هذا ليكون سبيلا لوصوله الى مبتغاه في رضوان الله لقد وعى ان الحياة الاخرى الذ طعما وأنعم من كل ما ستقدمه له الحياة الدنيا هذا ان كانت حياة طبيعية فكيف بحياة الظالمين ولسان حاله ( إني ارى الموت سعادة والحياة مع الظالمين برما) .
ولم يكن هذا هروبا من المسؤولية او ما يحاول بعضهم أن يوحي بأنه انتحار بعد يأس !!!
ولكنه اختار الموت بطريقته الخاصة وبرز للموت قبل أن يبرز إليه وهو يعلم ان طريقه في الصراع مع الطغاة سيؤدي الى قتله وهو حذر منتقديه ( انهم سيقتلونكم كما يقتلونني) .
اراد أن يقول للامة أن النظام الذي ينتهك حرمات العلماء ويسفك دمهم لن يوقفه بعد ذلك أي شيء وسيسفك دم كل الشعب لو وقف في طريقه
اراد لدمه أن يكون شاهدا على عصر البعث الذي لايستسيغ أن يكون هناك مخالفا ومناوئا لفكره .
أراد لدمه أن يذكرنا بأن البعث الذي أنتج صدام حسين هو الخطر الذي يحدق بالامة .
وهو ما علينا أن نتذكره أن الحزب مدرسة لاتخرج الا طغاة سرعان ما يكشرونعن أنيابهم في أول فرصة أو تغافل من الاخرين .
فحزب لايؤمن الا بالقتل والاذلال للتخلص من المناوئين والمخالفين له كيف يمكن له أن يؤمن بالتعددية ويؤمن بتداول سلمي للسلطة وما إن تتوفر له الفرصة حتى ينقلب على أقرب المقربين اليه وفي تاريخنا الكثير من العبر
ويكفي في شهيدنا الصدر عبرة
وسلام على الشهيد الصدر يوم ولد ويوم استشهد ويوم يكون شاهدا علينا في وقوفنا ضد البعث ويوم يبعث حيا
عبدالأمير علي الهماشي