24 محرم 1425هـ الموافق 16-03-2004م
الذهنية العشائرية في العقاب
فضل الله: ندعو الأوروبيين والإسبان للابتعاد عن سياسة
العقاب الجماعي ضد العرب والمسلمين
سئل العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في ندوته الأسبوعية،كيف تنظرون إلى خطر الذهنية العشائرية التي تعيش في الشرق والغرب، وتأثيراتها السياسية والدينية والاجتماعية؟
فأجاب: "يتحدث التاريخ وما يحدث حالياً عن الذهنية العشائرية التي تتحرك في الكثير من المواقع وفي الشرق على وجه الخصوص، والتي يُصار من خلالها إلى تحميل الجماعة مسؤولية العمل الذي قد يقوم به فرد واحد، لتنطلق الملاحقة للمجموعة كلها وليبدأ مسلسل إسقاط النتائج على كل فرد منها مع كل ما يترتب على ذلك من تبعات ثأرية أو انتقام على المستوى السياسي العام. وقد يتجلى ذلك حتى على المستوى الديني في بعض التصرفات فإذا قام شخص أو جماعة بالإساءة إلى دين معين أو مذهب خاص داخل الدين حملت الطائفة كلها أوزار ذلك، وقيل بأن المسلمين أساؤوا للمسيحيين أو العكس... والأمر نفسه في الجانب المذهبي، فإذا قام شخص شيعي بعمل سلبي ضد مقدسات أهل السنة أو مساجدهم قيل إن الشيعة فعلوا ذلك، وإذا قام شخص سني بمثل ذلك قيل: إن السنة فعلوا ذلك... وهكذا تتوسع هذه الدائرة على مستوى الممارسة والاتهام لتشمل أيضاً الممارسات الحزبية؟
إذا كان البعض يحاول أن يلصق هذه التهم أو هذا المنطق في الاتهام أو في الممارسة بالإسلام فإن الإسلام بريء من ذلك، وهو الذي عمل على تثقيف أتباعه على أساس أن المسؤولية فردية. فالمنهج الإسلامي في البعد الحضاري للعدالة الإسلامية الذي أكده القرآن الكريم يقوم على أساس أن "لا تزر وازرة وزر أخرى"، وأن لا يتحمل الإنسان عبء الجريمة التي يقوم بها إنسان آخر، وهذا ما تجلى في أبهى صورة في وصية الإمام علي(ع) لأهله الأقربين حيث قال لهم وهو على فراش الموت: "يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون قُتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلنّ بي إلا قاتلي".
بيد أننا نلاحظ أن هذه العصبية الجاهلية الخاضعة لذهنية التخلف الحضاري فرضت نفسها ولا تزال تفرض نفسها حتى على الدول التي تدعي أنها تسير في ركاب الحضارة والتقدم، وليس أدل على ذلك من الموقف السلبي الذي تحركت به المواقع السياسية الغربية والكثير من الشرائح الغربية ضد العرب والمسلمين في أمريكا وأوروبا وأستراليا وكندا وغيرها... بالعدوان المادي والمعنوي في أعقاب أحداث 11أيلول والتي لا تزال نتائجها تتوالى فصولاً، حيث شعر كل عربي ومسلم بأنه متهم أو مدان سواء من قبل بعض المواطنين في تلك البلدان أو من قبل المسؤولين الذين وجهوا اتهاماتهم إلى أكثر العرب والمسلمين وحاولوا أن يدفعوا الأمور إلى مستويات كبرى من العقاب الجماعي ضدهم، وتوسعت المشاكل والاضطهادات لتمتد إلى المسألة السياسية.
إننا نخشى من أن يكون ما لاحظناه في أعقاب التفجيرات الأخيرة في أسبانيا سواء من خلال الجدل السياسي والأمني حول الجهة التي تقف وراءها، أو في بعض المواقف السلبية التي انطلقت من أكثر من مسؤول أو من جهة في أوروبا، محاولة جديدة تدخل في السياق نفسه لتحميل العرب والمسلمين جميعاً وخصوصاً الجالية العربية والمسلمة في أوروبا، المسؤولية العامة عن ذلك بالرغم من الإدانة الحاسمة التي انطلقت من الشخصيات الإسلامية والعربية لهذا العمل الإجرامي وغيره من الأعمال التي تتناقض مع روح الإسلام ومع احترامه للإنسان، فضلاً عن أن هذه الأساليب لا يمكن أن يبررها أي دين، وقد دفع المسلمون أنفسهم ثمناً باهظاً في مسلسل الإجرام هذا الذي لا يطاول الغربيين في بلادهم أو خارجها فحسب، بل يطاول أيضاً العرب والمسلمين في بلادهم وحتى في مواقعهم العبادية وفي أنشطتهم الدينية.
إننا في مقابل هذه الأصوات التي بدأت توحي بإمكان توسيع نطاق الاتهامات لإدخال المسألة في ما يشبه العقاب الجماعي للعرب والمسلمين في أوروبا، ندعو المسلمين والعرب ألا يتحركوا في خط الرد بالمثل وأن يتابعوا حركتهم السياسية والاجتماعية مع الغربيين في البلاد الإسلامية على أساس أنهم ضيوف وأن العلاقة بالضيف تقتضي احترام حقوقه الإنسانية وفي طليعتها حقه في الأمن والأمان بصرف النظر عن مواقف حكومته، وأن يؤكدوا تصرفاتهم الحضارية التي سبق وأكدوها حتى في أعقاب أحداث 11أيلول، حيث لم يتعرضوا للغربيين وحتى للأمريكيين في بلادهم بعد كل الإساءات التي تعرض لها أخوانهم في أمريكا وغيرها. وإذا كان البعض يشير في هذا السياق إلى بعض الأحداث في هذا الجانب فإنه لا يستطيع أن ينفي أنها كانت أحداثاً فردية ولا يمكن أن يتم تحميل المسؤولية فيها للمجتمع العربي أو الإسلامي.
إننا نقول لكل الدول التي يقيم فيها مسلمون وخصوصاً الدول الغربية، إن من حقها أن تحفظ أمنها من الذين يسيئون لهذا الأمن، ولكن ليس من الطبيعي أن تضع كل المسلمين في دائرة الاتهام، وأن تبدأ بإصدار القوانين التي تنافي حقوق الإنسان، ما قد يربطه البعض بمخطط قديم قد يتجدد ـ على أساس أن فرصه باتت مؤاتية ـ للتضييق على المسلمين في أوروبا بفعل ضغوط أمريكية أو إسرائيلية أو ما إلى ذلك.
إننا ندعو الأوروبيين بعامة والأسبان بخاصة ألاّ يأخذوا بهذا النهج الظالم وألاّ يسمحوا بالإساءة إلى المسلمين الذين أثبتوا من خلال كل جالياتهم أنهم مخلصون للبلدان التي استضافتهم وأعطت بعضهم جنسياتها، لأن ذلك لا يلتقي مع العدالة الإنسانية، كما أنه يخلق مشاكل معقدة على مستوى العالم كله، ويفسح في المجال أكثر لأعمال عنف جديدة، ويشجع الإرهاب الذي يدعي البعض أنه يعمل كل ما في وسعه لتطويقه وتشديد الضغط عليه".
المصدر:
http://www.bayynat.org/www/arabic/ah...hd16032004.htm
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟!؟!؟!