فالقيادات العليا في الجيش والشرطة، والقضاء والمؤسسات الرسمية، والمديريات العامة والهامة القديمة والمستحدثة، والهيئات المستقلة تدار من السنة والبعثيين السابقين. بل أن أقرب مقربي مستشاري الحكومة هم من البعثيين الجدد، بعد أن كانوا بعثيين قدماء. والأنكى من ذلك كله فإن أغلب من تنفذ ضده الأحكام القضائية بالاعدام أو العقوبات الطويلة هم من الشيعة.
ورغم كل ما يقال فقد برز السنة كأقوى أقلية مؤثرة في المشهد السياسي العراقي. وكمثال على ذلك، طارق الهاشمي حيث قام بوره على أكمل وجه، معطلاً قوانين تارة، وموجهاً غيرها باتجاه طائفي تارة أخرى. وضمن من خلال مناوراته السياسية في حصد أكثر من ثلاثين مقعداً للمدينة الثالثة في العراق، الموصل، بينما حصلت البصرة ثاني وأهم مدينة اقتصادية للعراق على 24 مقعداً فقط. إضافة إلى أمور كثيرة اخرى لا مجال لذكرها هنا. هذا على صعيد الحكومة والسياسة.
اقتصادياً ما يزال الرأسمال السني يهيمن على أكثر من 90% من نشاطات الاقتصاد العراقي الفوضوي وغير المنظم، بقطاعيه الرسمي وغير الرسمي. حيث تسيطر عوائل سنية معروفة بولاءاتها لحزب البعث أو غيره و شبكاتها واسعة الانتشار على التجارة في البلد، وقطاعات البنوك والمعامل والمقاولات والبناء.
أما الإعلام، فحدث ولا حرج، فمن أصل أكثر من 23 فضائية عراقية تبث بالعربية، يسيطر السنة على أكثر من 15 منها، وهي قنوات موجهة طائفياً، وتتعامل بأجندات عنف، كما أن أغلبها تعمل بشكل مهني ومدعوم، مثل الشرقية، الرافدين، بغداد، الرشيد. فيما يظل الاعلام الفضائي العراقي الشيعي متخلفاً وتائهاً في خطابه، يركز على ثقافة اللطم والانكفاء ويتصف بضعف في المهنية. ناهيك عن الصحافة.
وبينما نتحدث عن الحكومة، ينبغي أن نأتي على ذكر النقابات وجمعيات االنفع العام ومراكز البحوث والدراسات والجامعات الأهلية، فهي الأخرى يسيطر عليها السنة والبعثيون بشكل أو بآخر.
دينياً، ورغم توفر الشيعة على مرجعية، يقال أنها عليا، فإن هذه المرجعية، رغم تخصصها، وطبيعة عملها، التي تفترض أنها تهتم بمصالح الشيعة، إلا أن الملاحظ عدم امتلاكها أية مقاربة حقيقية تجاه رعاية مصالح الشيعة في العراق، وبدت هذه المرجعية في أغلب الأحيان، منزوية، وتعاني من ضعف الاستجابة للمتغيرات. أما الوقف الشيعي، فعلى الرغم من وجود هيئة وقف شيعي تقوم على أهم مزارات وآثار الشيعة في ارض الشيعة التاريخية، العراق، فإننا نلاحظ أيضاً ضعفاً وفساداً في الأداء، مقارناً باداء الوقف السني.
وبالتالي فإن النتيجة التي نخلص إليها إلى أن واقع الشيعة ضعيف، حتى في تحالفاتهم السياسية، وإحساسهم العميق بالهزيمة يؤثر في اغلب الأحيان على سلوكهم ومواقفهم السياسية، وبالتالي فإن لديهم الاستعداد لتقديم الكثير من التازلات، وإعطاء الهبات بالمجان دون وجود أية رؤية حقيقية لوضعهم في العراق. ولذا فإننا سنلاحظ أن الائتلاف الجديد سيسعى إلى ترضية السنة باي شكل من الأشكال، من خلال دافع عقدة الخوف، أو الدونية. وقد لا نتفاجأ إن شاهدنا هذا التحالف وهو يسترضي التوافق المضروب والمرفوض، أو أطرافاً سنية أو بعثية في العراقية بمنح منصب خطير هنا، أو موقع هام هناك، ومع حسن اختيار السنة للمواقع، وضعف الشيعة في اختيار مواقعهم، سنرى الدائرة تدور مرة أخرى في تمكين السنة أكثر فأكثر من السيطرة على الوضع السياسي.
العراقيون الشيعة يحتاجون مراجعة حقيقية لأوضاعهم، وتحديد رؤية مستقبلية، واضحة ومتفق عليها حول نظرتهم إلى البلد وإلى من يشتركون معه فيه، تضمن توازن أوضاعهم، بما يتناسب مع ثقلهم السكاني والاقتصادي والتاريخي في البلد، بعيداً عن التنازع الرخيص على منصب هنا، أو فتات هناك، فرهود هنا أو مأدبة هناك. وإلا من حقنا أن نتساءل، لماذا تعاني مناطق الجنوب من الجهل والتخلف والفقر وانعدام الخدمات، مع توقف شبه كامل للتنمية، في وقت يحكم الشيعة العراق-إسمياً- لمدة تتعدى الست سنوات.
أدعو إلى يقوم العراقيون الشيعة بكافة اتجاهاتهم ومشاربهم إلى عقد مؤتمر دون تقييده بزمن، ودون شروط لمراجعة وضعهم من خلال هذه التجربة، واستشراف المستقبل، لنقاش مشاكلهم ورؤاهم ومستقبلهم، لتنمية وضعهم، وتأمين واقعهم، والخروج بقرارات لمصلحتهم تبتعد عن المصالح الخاصة. وإلا فإن المصير لن يكون مبشراً بخير.
ملاحظة: لم أشر في هذه العجالة إلى سلوك الأحزاب والكتل السياسية الشيعية.