 |
-
السلطة التي ستنتقل للعراقيين نهاية حزيران
السلطة التي ستنتقل للعراقيين نهاية حزيران
نــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
وصلت عن طريق الايميل الشخصي
------------------------------------
في (30 حزيران) القادم ، ستنتقل السلطة والسيادة (شكليا) إلى العراقيين ، في إطار اتفاق نقل السلطة الموقع في (15 تشرين الثاني) المنصرم ، بين سلطة التحالف ومجلس الحكم الانتقالي .
أقول (شكليا) لعدة إعتبارات ، فمع استمرار وجود (100) ألف جندي أميركي (فقط) ، وخضوع القوات المسلحة العراقية حديثة التأسيس ، تحت إمرة قيادة قوات التحالف ، حسب ما نص على ذلك ، البند(ب) من المادة (59) الباب التاسع (المرحلة ما بعد الانتقالية) من قانون إدارة الدولة العراقية ، يكون الحديث عن السيادة ، بمثابة نوع من أنواع العبث والتسلية ، لان الجيش الوطني ذو القرار السيادي ، هو الرمز الأبرز لسيادة واستقلال أي بلد في هذا العالم .
لقد أشار إلى (شكلية نقل السلطة) عدد من المسؤولين في الإدارة الاميركية ، إلى جانب العديد من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي ، ربما من دون أن يقصدوا ذلك على وجه التحديد .
فقد قال وزير الخارجية الاميركية ، كولن باول ، الأسبوع الفائت ، ردا على سؤال مراسل محطة (أن . بي . سي) الاميركية الشهيرة ، بشأن إحتمال نشوب حرب أهلية في العراق ، بعد الثلاثين من حزيران القادم ، وترك الاميركيين العراق ، قال : (ومن قال بأننا سنترك العراق ؟ سيبقى هناك 100 ألف جندي أميركي منتشرين في مختلف المناطق).
وعندما استدرك الصحفي بقوله ، محاولا تحديد ما يقصد من كلمة (ترك العراق) : (أقصد أنكم ستتركون العراق من الناحية السياسية) ، رد باول بلغة الحازم الجازم : (حتى على الصعيد السياسي ، من قال بأننا سنترك العراق وشأنه ؟) .
أما عدد من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي ، فقد صرحوا ، وبوضوح ، بأنهم لا يدعون الاميركيين إلى ترك العراق ، حتى بعد نقل السلطة والسيادة في نهاية حزيران القادم ، هذا الكلام ، إستشهد به الرئيس بوش الأسبوع الفائت عند استقباله رئيس الوزراء الهولندي في البيت الأبيض ، قائلا : (إن العراقيين لا يريدون أن نسحب القوات الأجنبية) .
من الناحية القانونية ، يعتبر نقل السلطة بهذه الطريقة (شكليا ، وصوريا) كذلك ، ولعدة إعتبارات :
أولا : لأن نقل السلطة لأي مجلس معين من قبل الاحتلال ، وغير منتخب من قبل العراقيين ، أو لا يحظى بتأييدهم ، سيصيب السيادة في الصميم ، إذ من المفترض أن تنتقل السلطة ، إلى مجلس شرعي ينبثق عن إنتخابات حرة يشارك فيها كل المواطنين العراقيين ومن دون استثناء ، على قاعدة (صوت واحد ، لمواطن واحد) .
ولو جاز قانونيا نقل السلطة إلى مجلس الاحتلال ، لنقلت السلطة إلى مجلس الحكم الانتقالي يوم تأسيسه قبل (8) أشهر .
أضف إلى ذلك ، فإن نقل السلطة إلى أي مجلس معين ، هو نوع من أنواع الحنث بالعهد الذي قطعته واشنطن للعراقيين ، عندما بادرت ، في نهاية تموز الماضي ، إلى تشكيل مجلس الحكم الحالي ، وسمته (إنتقاليا) وحددت مهمته بالتحضير والإعداد لعملية نقل السلطة إلى العراقيين بطريقة ديمقراطية ، قانونية وطبيعية ، من دون أن تأت على ذكر أية مرحلة انتقالية ثانية أبدا ، وإن تأسيس مجلس وطني منتخب ، هو العلامة الفارقة الوحيدة ، التي تميز بين المرحلتين ، الانتقالية ، والأخرى التي ستنتقل فيها السلطة والسيادة ، وإن ما عدا ذلك ، ليس سوى كلام إنشائي ، وتلاعب بالألفاظ ، لا يشير إلى نقل حقيقي للسلطة والسيادة ، بأي شكل من الأشكال .
ثانيا : سينتج المجلس المعين من قبل الاحتلال ، مجلسا وطنيا عديم الطعم واللون والرائحة ، يئن تحت حق النقض (الفيتو) من الآن ، والذي ستتمتع به الأقلية (أيا كان نوعها) بناء على النصوص الاستفزازية الواردة في الباب الأول (المبادئ الأساسية) المادة الثالثة الفقرة (أ) ، والباب الخامس (السلطة التنفيذية الانتقالية) المادة (36) البند(ج) ، والباب التاسع (المرحلة ما بعد الانتقالية) المادة (61) البند (ج) ، كلا على انفراد ، أو مجتمعة ، من قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت ، ما يعني أن الفترة الانتقالية لنقل السلطة ستستمر، في حقيقة الأمر، بالتوافق ، وليس بطريقة ديمقراطية تعتمد صوت الناخب ، إلى نهاية العام (2005)، وإن كان القانون المؤقت قسمها إلى مرحلتين ، الأولى تمتد من (30 حزيران) القادم ، وحتى نهاية العام الجاري ، والثانية ستستمر طوال العام (2005) ، بزعمه ، لحين إجراء إستفتاء شعبي على الدستور الدائم وإجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة العراقية كاملة الأهلية والسيادة .
ثالثا : إن ما يطلق عليه (نقل السلطة) سيتم بموجب قانون غير شرعي ، رفضه العراقيون بمختلف الأشكال ، فضلا عن أن عدد كبير حتى من أعضاء مجلس الحكم ، سجل تحفظاته عليه ، ما يعني أنه لفظ أنفاسه الأخيرة وهو في رحم أمه (الاحتلال) ، فكيف يمكن أن نفهم شرعية إنتقال السلطة على أساس قانون غير شرعي ، وميت ؟ وكلنا يعرف بأن ما بني على باطل فهو باطل كذلك ، كما يقول رجال القانون والمناطقة ؟ .
رابعا : إذا تم إعتماد صيغة القانون الفعلية ، من دون إسقاط النصوص الاستفزازية ، التي تتعارض حتى مع روح ونصوص مبادئ الديمقراطية المعمول بها في البلد المحتل (أميركا) وكل دول العالم الديمقراطي ، فسيفرخ مجلس الحكم غير الشرعي ، مجلسا آخر غير شرعي كذلك ، والذي سيفرخ بدوره مجلسا (وطنيا) لا حول له ولا قوة ، لأن كل المجالس التي ستنبثق في المرحلة الانتقالية (سواء بالتعيين في إطار مبدأ التوافق ، أو بالانتخاب عن طريق صندوق الاقتراع) ستكون ملزمة بتنفيذ القانون (غير الشرعي) ما يعني رضوخها لفيتو الأقلية ، وأحيانا لفيتو الواحد ، طبقا للنصوص المشار إليها أعلاه .
إنه مجرد تلاعب بالألفاظ ، في محاولة للالتفاف على التزامات سابقة كان الاميركيون قد قطعوها على أنفسهم للعراقيين ، لا أدري لماذا ؟ ، ولكن أعتقد أن هناك سببين دفعا واشنطن للتفكير بهذه الطريقة ؛
الأول : ضعف مجلس الحكم الانتقالي ، الذي لم يعد يرى فيه الاميركيون شريكا في العملية السياسية ، وإنما أجيرا وبأزهد الأثمان ، ومن المؤكد فإن واشنطن لا تريد أن تسلم السلطة لأجراء ضعاف فشلوا في تحقيق أي شئ يذكر، يرضي تطلع العراقيين نحو مستقبل أفضل ، ولقد أشار أحد خبراء الملف العراقي في واشنطن إلى هذا المعنى في حديث خاص بقوله : (أشك في أننا سننتهي من طريقة إصدار الأوامر للعراقيين نهاية حزيران القادم) ، لأنها لا تريد أن ترى فشل مشروعها (نحو الديمقراطية) في العراق ، والذي تعتبره البوابة ، نحو مشروع (الشرق الأوسط الكبير) ، الذي بدأت تبشر به ، وتعمل على تنفيذه .
الثاني : الواقع العراقي الذي فاجأ الاميركان منذ سقوط النظام الشمولي البائد في (9 نيسان) من العام المنصرم .
فبينما كانت واشنطن ، تنتظر أن يستقبل العراقيون جنودها بالورود والرياحين ، إذا بها تفاجأ بصدود عراقي قلب طرفي المعادلة في ذهنها ، ما دفعها إلى تغيير الكثير من خططها السابقة ، والتي كان قد جهزها لها الخبراء قبل الحرب ، هذا الصدود الذي ترجمه العراقيون بمواقف سلبية متنوعة ، تراوحت بين الهجمات المسلحة على جنودها ، ورفض التعاون معها من قبل أبرز القوى الوطنية العراقية ، ذات الثقل الكبير والحقيقي في الساحة .
كذلك ، فإن ظهور قوى دينية وسياسية وإجتماعية على السطح ، لم تكن مدرجة في القائمة الاميركية للحوار والحديث والتعاون معها ، دفع واشنطن كذلك ، إلى التراجع عن التزاماتها السابقة ، واللجوء إلى طريقة تمديد الفترة الانتقالية عاما ونصف عام آخر، لحين البحث عن طرق لمعالجة هذه المفاجئات ، من خلال ترويض هذه القوى ، مثلا ، بالمراهنة على عنصر الزمن ، أو العثور على من بإستطاعته (من العراقيين) أن يتعامل معها بحنكة أكبر ومقبولية أوسع ، بعد أن فشل رجالاتها الذين ساعدتهم على تبوء المقاعد الأمامية من المشهد السياسي العراقي ، طوال العام الماضي ، أو ما أشبه.
حاليا ، فإن أكبر المستفيدين من الانتقال الشكلي للسلطة ، نهاية حزيران القادم ، هما طرفان ؛
الأول : إدارة الرئيس بوش ، التي تصر على الالتزام بالمواعيد الواردة في إتفاق نقل السلطة الموقع بين سلطة التحالف ومجلس الحكم في (15 تشرين الثاني) المنصرم ، وذلك لاعتبارات انتخابية بحتة ، من جانب ، ومحاولة نهائية لتخفيف حدة الضغط السياسي الدولي عليها ، من جانب آخر .
إن ما هو مهم بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية في الوقت الحاضر ، هو أن تقول للعالم وللرأي العام الاميركي المأزوم بشدة ضد الرئيس بوش ، بأنها سلمت السلطة للعراقيين ، وان كانت ستتسلمها منهم باليد الأخرى ، ولكن بعد إستبدال الطاقم السياسي الاميركي فقط ، في محاولة لتقوية حظوظ الرئيس بوش ، للفوز بدورة رئاسية ثانية ، بعد أن بات واضحا من أن الملف العراقي سيكون في رأس اولويات إهتمامات الناخب الاميركي .
الثاني : هم السادة ، أعضاء مجلس الحكم الانتقالي ، ألذين يطوون الليل بالنهار، في سباق ماراثوني ليس غريبا من نوعه في بلدان العالم الثالث ، يخططون للبقاء في السلطة بأي شكل من الأشكال .
فهم يعتقدون بأن ضمان إستمرارهم في السلطة إلى نهاية العام القادم ، على الأقل ، هو أبسط ثمن يلزم أن يقبضوه إزاء تعاونهم مع الاحتلال في الفترة المنصرمة ، من جانب ، كما أن استمرارهم هذا ، سيمنحهم فرص اكبر لترسيخ أقدامهم في السلطة ، حتى بعد انتهاء المرحلة الانتقالية ، وبالفترتين ، من جانب آخر، خاصة وأن بعضهم لا ينظر إلى صندوق الاقتراع بعين الرضا والحب .
لذلك ، أعتقد أن على مجلس الحكم أن لا يستعجل عملية نقل السلطة ، لا زالت أنها شكلية وغير حقيقية ، من أجل الإعداد بشكل أكبر وأفضل لعملية إنتقال سليمة وشرعية ، إذ أرى أن أي خطوة غير شرعية جديدة سيخطوها المجلس ، ستزيد من تعقيدات تقدم العملية السياسية برمتها ، كما ستزيد الهوة بينه وبين العراقيين ، إضافة إلى أنها ، ستساهم في دعم جماعات التشدد والعنف ، خاصة بعد أن رفضت الأغلبية الساحقة من العراقيين ، قانون إدارة الدولة الذي وقعه المجلس في (8 آذار) الجاري .
لقد تحدث المجلس عن خطوة إلى الأمام ، عندما وقع على القانون ، وأنا أعتقد انه ليس المهم أن تخطو إلى الأمام فقط ، ولكن المهم أن تخطو إلى الأمام في الاتجاه الصحيح ، فرب خطوة إلى الأمام تودي بصاحبها إلى الهاوية أو إلى حفرة كبيرة أو بئر عميق أو إلى واد سحيق أو إلى نار جهنم ، من يدري ؟.
ينبغي على مجلس الحكم ، أن يلبي طموحات العراقيين ومستحقات العملية الديمقراطية ، بكل صدق ووضوح ، وليس عليه أن يلبي حاجات الناخب الاميركي .
صحيح ، أن المصالح العراقية والاميركية متداخلة في إطار العملية السياسية في العراق ، إلى حد كبير، ولكن من دون أن يعني ذلك أبدا ، اللجوء إلى سياسة حرق المراحل ، بما يشوه المولود العراقي الجديد ، لصالح مصلحة أميركية ، محددة وآنية .
ماهو تعليقكم؟
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |