مذكرات جاك شيراك...[align=justify] هاتفني الرئيس رونالد ريغان ليقول لي: قررنا تصفية معمر القذافي ونود ان تعبر طائراتنا المجال الجوي الفرنسي. صدمت بالطلب في حينه ورفضت الفكرة، وعندما نقلت الى الرئيس ميتران فحوى الحديث قال لي: أنا معك مئة بالمئة! هذه العبارات وردت في مذكرات جاك شيراك (الجزء الاول)، وهو يكشف فيها بعض الاسرار الدفينة في حياته السياسية منذ طفولته حتى انتخابه رئيسا للجمهورية في العام 1995.
أسرار عن القذافي وصدام[line]-[/line]
(صوت العراق) - المدى - 05-06-2010
تصفية الحسابات السياسية
“اوراق تقدم قراءه لهذا الكتاب الذي ترجم الى العربية ضمن مشروع كلمه في (ابو ظبي).
صدر الجزء الاول من مذكرات الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، بعنوان "كل خطوة يجب أن تكون هدفا"، في 512 صفحة. العنوان مستوحى من كتاب "نقاشات مع ايكرمان" للكاتب الالماني غوته. وقد طرح الكتاب في مناخ سياسي وثقافي يضج بالاتهامات الموجهة الى بعض الرؤوس السياسية من دومينيك دوفيليبان الى شارل باسكوا، الى جاك شيراك، الذي وجهت اليه تهمة "تحويل المال العام"، خلال فترة رئاسته لبلدية باريس، ما بين 1977 و1995.
وهكذا نجحت مذكرات شيراك في التحكم في مجرى الحدث السياسي خصوصا ان الرئيس السابق يحظى بشعبية كبرى لدى الرأي العام الفرنسي، الامر الذي تؤكده كل الاستطلاعات. ذلك ان شيراك لا يزال على كل الجبهات، رغم انه انسحب الى الظل، غداة مغادرته الايليزيه في العام 2007. انه في الواجهة، وهو على رأس المؤسسة التي تحمل اسمه.
والمذكرات، بهذا المعنى، هي اعادة كتابة للتاريخ، وكشف عن بعض اسراره الدفينة، وجردة بما مضى وما يتبقى من حياة كاتب المذكرات، ووثيقة موجهة نحو المستقبل. وفي هذا السياق، تبقى مذكرات ايزنهاور، وكيندي وتشرشل والجنرال ديغول، وتشي غيفارا، وآخرين، روايات تضم بين صفحاتها مراحل حياة اصحابها، ومجدهم المتألق تارة، والباهت تارة اخرى، ومغامراتهم السرية، ولهذا الادب في فرنسا تاريخ عريق، منذ صدور "مذكرات من تحت القبر" لشاتوبريان، التي شرع في كتابتها في العام 1809 واختتمها في العام 1841. وفي الماضي القريب، كانت هناك مذكرات الجنرال شارل ديغول، التي دخلت سلسلة "لابلياد" الشهيرة، وجورج بومبيدو، وفاليري جيسكار ديستان، كما كتب فرانسوا ميتران، والسرطان يتآكله من الداخل “مذكرات موقوفة”.
وبمجرد قرب صدور كتاب مذكرات شيراك هذا، ونزوله الى المكتبات، تحركت آلة السبق الصحفي للحصول عليه، ونشر مقتطفات منه، وظهرت فعلاً اوراق منه في صحيفة "لوباريزيان" وصحيفة "لوفيغارو"، وأسبوعية "لوبوان".
والجدير ذكره هنا هو ان شيراك، الذي يحظى بشعبية في العالم العربي، لم يأتِ في هذا الجزء الاول، على ذكر صداقاته العربية، وان كان اشار، في مجرى الحديث الى بعض رؤساء الدول العربية الذين كانت تربطه بهم علاقات صداقة مثل الرئيس الجزائري بوتفليقة، وصدام حسين. وذكرت "لوفيغارو" انه كما طلب من شيراك، وهو في وضع تقاعد، ان يكتب مذكراته، رفض الفكرة، بحجة انه لا جدوى من الفوضى مجددا في الماضي لانتاج وثائق لن يقرأها احد. وبإلحاح من ابنته كلود وبعض المقربين، قبِل اخيرا الفكرة والتزم العمل المنتظم الى جانب جان – ليك باري لتدوين مذكراته.
وكان مراقبون تخوفوا من ان تأتي هذه المذكرات بلا كثافة على مستوى التحليل لحقبة من التاريخ الفرنسي الحديث وكان التخوف ايضا من ان يلجأ شيراك الى استخدام لغة دبلوماسية محايدة لا تضيف شيئا الى ما هو معروف ومتداول. لكن الكتاب تضمن سلسلة مفاجآت كشفت النقاب عن رغبة شيراك في تصفية الحسابات المؤجلة بينه وبين اعداء صرحاء او اصدقاء مزيفين.
ويغطي هذا الجزء الاول من المذكرات السنين الثلاث والستين الاولى من حياة شيراك منذ ولادته في العام 1932 حتى انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية في العام 1995. وتشكل هذه المرحلة، مرحلة المسؤوليات السياسية، حتى غاية وصوله الى ماتينيون على رأس الحكومة الاولى، خلال رئاسة فاليري جيسكار ديستان، ثم برئاسة فرانسوا ميتران. وفي العام 1977، يصبح شيراك عمدة لمدينة باريس، وهي المرحلة الثانية التي تطابق النضج السياسي للرجل. ويستعرض شيراك مراحل الشباب، العائلة، وعلاقته مع جورج بومبيدو، الذي يلقبه بـ"الاب الروحي"، الذي علمه وأدخله رحاب السياسة،.
ويوضح شيراك انه مر بتجربة شيوعية، في البدء، حيث كان بائعا لصحيفة “لومانيتيه” الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي، ووقع مع الشيوعيين في العام 1950، وكان عمره 18 سنة، نداء ستوكهولم الذي اطلقته الحركة العالمية لأنصار السلام، ويصف علاقاته الصعبة مع الرئيس ديستان ومع ادوار بالادور، رئيس الوزراء. اما بالنسبة الى نيكولا ساركوزي، فلم يتوقف شيراك طويلا عند الخطوط الدقيقة لشخصيته لاعتبارات ذات صلة بالاخلاقيات السياسية، كي لا يحرج الرئيس الحالي. لكنه اشار الى ساركوزي ما قبل 1995، وقال: انه رجل لا يكف عن وضع نفسه في مقام من هو ضروري، رجل عصبي، على عجلة من امره، شغوف بالحركة ومتميز بحس التواصل.
استرجع شيراك ذكريات علاقاته مع شخصيات دولية، وأفصح عن أحداث تتعلّق بالسياسة الخارجية، ومنها الكثير مما يهم العالم العربي. فعلاقة شيراك بالعالم العربي ابتدأت في الجزائر عندما كانت تحتلها فرنسا، حيث كان عليه أن يقضي فيها الخدمة العسكرية في عامي 1956 و 1957. هنا يشدّد بأنه لم يكن يقترف أي عنف واعتداء على الجزائريين، وإن يكن هذا "لا يعني أن هذا النوع من التعامل لم يكن موجوداً" .
في فصل آخر، يراجع شيراك واقعة تهم السياسة الخارجية وتتعلق بالهجوم الأميركي على ليبيا. في نيسان من عام 1986 وكان شيراك رئيساً للوزراء في حكومة التعايش أثناء رئاسة فرانسوا ميتران، طلبت الولايات المتحدة من فرنسا السماح لطائراتها بعبور المجال الجوي الفرنسي لقصف ليبيا.
حطام منزل اودى بحياة ربيبة القذافي بعد ضربة جوية امريكية نفذت لاغتياله في 1968.
"كانت الحكومة الأميركية عازمة على إلحاق العقاب بالعقيد القذافي الذي حملته المسؤولية الأولى للعمليات الإرهابية التي طالت بعض مواطنيها بقول شيراك في 11 نيسان هاتفني الرئيس ريغان في هذا الموضوع ليقول لي: قررنا تصفية القذافي وعليه نود أن تعبر طائراتنا المجال الجوي الفرنسي". صدمت بهذا الخبر وبجرّ فرنسا في عملية لم تستشر فيها. لذا رفضت في الحين طلبه، وأجبته: "ليس من الوارد جر فرنسا إلى قضية من هذا القبيل، زيادة على أن فرصكم لتصفية القذافي ضئيلة...من النادر أن تنجح مثل هذه العمليات...) ولما أخبر شيراك الرئيس ميتران بفحوى الحديث الذي جرى بينه وبين ريغان، أجابه: "أوافق مائة في المائة، لكنه كان عليك استشارتي قبل ذلك". ولم يتأثر التعايش بين الرجلين.
من ناحية أخرى خص شيراك صدام حسين بفقرة تلخص علاقته بالعالم العربي.
كما تحدث عن سياسة التوازن التي سعت فرنسا إلى الحفاظ عليها دائماً في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة التوازن بين إيران أيام الشاه والعراق تحت حكم صدام حسين :
"بفضلي، دخلت فرنسا في مفاوضات مع العراق لتوقيع اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة وفي الميدان الحربي، الشيء الذي قادني إلى الالتقاء بالرجل الأول للنظام العراقي، صدام حسين ثلاث مرات.
"بما أن صدام كان حريصاً على التحرر من الوصاية السوفياتية، فقد راهن على فرنسا لتعزيز استقلالية بلاده، وعليه ركز كل مجهوداته ليبرهن لي عن صداقته. بدا لي الرجل ذكياً ولا يخلو من دعابة، بل أكثر من ذلك بدا لي شخصاً مستحباً. استقبلني في بيته، وعاملني كصديق شخصي. كانت حرارة ضيافته واضحة. أما التبادل الذي تم بيننا فلم يخل من ود. كانت لي باستمرار سهولة كبرى في التواصل مع رؤساء الدول العربية، لأن هؤلاء على النقيض من المسؤولين الغربيين، يتحلون معي بالصراحة".
ويكشف الرئيس الفرنسي السابق سراً لا يعرفه الكثيرون وهو أن صدام الذي طرد الامام الخميني من منفاه العراقي، نصح شيراك، عن طريق رسالة نقلها السفير العراقي في باريس، بألاّ يمنح اللجوء للإمام الخميني. وكان تحذير صدّام كالتالي: “احذروا جيّداً، اتركوه يتوجه إلى ليبيا، لأن ما سيصرّح به في فرنسا سيكون له صدى دولي مدوّ، في حين أن ما سيقوله في ليبيا لن يسمعَه أحدٌ”.
ويعترف شيراك أنه نقل التحذير إلى الرئيس ديستان لكنه فعل عكس ذلك. كان هذا آخر اتصال مع صدام، كما يعترف شيراك.
ويضيف: "حين علمتُ، بعد سنوات، الجنون القمعي الذي استولى على الرئيس العراقي، قطعت، بشكل نهائي، كل علاقاتي الشخصية معه. لكن هذا لم يمنعني من الإحساس بالصدمة من النهاية التي وصل اليها.
لكن شيراك تحدث كذلك في هذه المذكرات عن مرحلة صعبة في حياته أول مرة، وهي فقدانه لابنته لورانس في ريعان صباها بعد أن أودى بها بسرعة مرض غريب عام 1973. إنه جرح ما يزال يحمله الى اليوم ويتجنّب الحديث عنه.
في بداياته السياسية يعترف شيراك بفضل الرئيس الفرنسي السابق الراحل جورج بومبيدو عليه واصفاً إياه بـِ "الأب الروحي" ومؤكداً أنه لولا بومبيدو لما وصل الى ما هو عليه : " كان رجلاً ذا ثقافة استثنائية ... وكان في نظري يرمز إلى فرنسا تماماً كما الجنرال ديغول، وأرى أن نظرتيهما إلى فرنسا لم تكونا متعارضتين... بل إن نظرة بومبيدو كانت أكثر حسماً وأكثر حميمية، وهي في آن واحد متجذرة في التقاليد ومنفتحة على الحداثة بكل أشكالها".
[/align]
ضمن سلسلة البورتريهات التي خصصها للزعماء السياسيين الذين عمل معهم، ثمة مفاجآت عن العلاقة بينه وبين جيسكار المتوترة باستمرار، وهو لا يفهم أساليبه الملتوية : يقول شيئاً ويقوم بنقيضه. "أكد لي جيسكار ذات مرة أنه ألقى بالضغينة إلى النهر، ولربما كان النهر في ذلك اليوم جافاً، على اعتبار أن الضغينة بقيت عنيدة وسخية في أعماقه". هذا التوتر الدائم بين الرجلين جعله يستقيل من رئاسة الوزراء عام 1976 ويؤسس "حزب التجمّع من أجل الجمهورية" الذي نجح في أول إنجاز له في تتويج جاك شيراك عمدة على باريس، أي الطريق السالكة إلى الإليزيه :"حين اجتزت عتبة قصر البلدية، جاءني شعور، مصحوب بارتياح، شعور أنه أول مرة في حياتي لن أكون مساعد أحد".
أما إدوار بالادور فيعتبره من فصيلة الخائنين الذين ما أن تُكرّمهم حتى ينقلبوا عليك ويتحولوا إلى "حيوانات مفترسة". "وضعت ثقتي في إدوار بالادور... لم أصدق بأن رئيس الوزراء كان قد شرع في خيانة تعهداته. وانجلت الأمور بشكل نهائي في الحادي عشر من سبتمبر من عام 1993 بعد مقابلة جمعتنا وجهاً لوجه. في نهاية اللقاء وأنا أنزل الدرج، إذا بإدوار بالادور ينادي عليّ، ولما التفت خاطبني: جاك، لا تنخدع... لن أكون أبداً رئيس وزرائك... منذ ذلك التاريخ لم نحادث بعضنا ثانية". أما نيكولا ساركوزي فلم يتوقف شيراك كثيراً عند المفاصل الدقيقة لشخصيته لاعتبارات تتعلّق بأخلاقيات السياسة كي لا يُحرج الرئيس الحالي. لكنه أشار إلى ساركوزي الذي عرفه قبل 1995 : "إنه رجل لا يكف عن وضع نفسه في مقام من هو ضروري. رجل عصبي، على عجلة من أمره، شغوف بالحركة ومتميز بحس التواصل". لكن المفاجأة الحقيقية جاءت من البورتريه الذي رسمه شيراك لفرانسوا ميتران، إذ أنه بكلمات رقيقة تتضمن الكثير من الإعجاب والاحترام تحدث عن شخص ذكي، فطِن، ولا يتردّد في التعبير عن مودّته له بعبارة "برافو أيها الفنان.
في الكتاب فقرات مشوقة عن قدرة الرئيس شيراك على الانفتاح على الآخرين. فهو لا يخفي مثلاً عشقه لليابان، إلى حد أن الكثيرين يتحدثون عن ابن له هناك، وعن حساب مصرفي وأموال في بنوك يابانية، ولكن لا شيء ثبت أنه صحيح.
كثيرة هي المواضيع التي لم يتطرق اليها الرئيس السابق أو اكتفى بالمرور عليها مرور الكرام، ربما سيجيب عنها الجزء الثاني من "المذكرات" الذي هو بصدد كتابته الى ذلك، قالت “لوفيغارو” ان الكتاب يعد شهادة رائعة على تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، من جانب رجل من اهم رجالاتها، هذا الرجل الذي كان دائما يتسم بالسرية التي تكتنف حياته الخاصة. ها هو يتحدث اليوم عن مشاعره أول مرة، في ما يخص مأساة حياته، وهي مرض ابنته لورانس التي تعاني من مرض فقدان الشهية، هذا إضافة الى حديثه عن زوجته “برناديت” وابنته الثانية.
يذكر ان كتاب "المذكرات" هذا، هو الكتاب الثالث لجاك شيراك، بعد كتابين اثنين "فرنسا جديدة" وفرنسا من اجل الجميع.