 |
-
موقف بريمر من الصدر يحرج السيستاني
موقف بريمر من الصدر يحرج السيستاني
هدى الحسيني
من الواضح ان مقتدى الصدر يستفيد من فراغ سياسي في العراق، حيث ان الكثير من الاحزاب او الاطراف السياسية بعيدة عن الطبقة التي تحيط بالصدر، وهي طبقة الشباب والفقراء والمثبطي الامل من الشيعة.
والذي يدفع هؤلاء للسير وراء الصدر، هو مزيج من تصريحاته الشعبية التي تتناسب مع مشاعر اغلبية العراقيين، اذ ان هناك الكثيرين الذين يشعرون ان العملية السياسية القائمة حاليا تفتقد الشرعية، وان الكثير من الاحزاب السياسية العراقية مرتبطة مع الاحتلال الاميركي، الامر الذي يسمح للصدر بالتلاعب بهذه المشاعر.
واسأل محدثي المطلع البريطاني على اوضاع الشيعة في العراق عما اذا كانت اغلبية الشيعة في العراق تعتبر الصدر متطرفا؟ فيجيب ان اغلبية العراقيين تعتبره متطرفا وخطيرا. ولهذا ربما يجتذب الشباب، لكن، يضيف ان الصدر دلالة على العملية السياسية المعقدة.
ويتخوف محدثي البريطاني من انه مع استمرار عدم الاستقرار وعدم الوضوح ونقصان الشرعية في العراق، فانه سيبرز متطرفون اكثر مثل الصدر، وايضا ستضطر بعض الاطراف غير المتطرفة الى اعتماد مواقف مشابهة لمواقف الصدر.
واسأل محدثي عن مواقف الصدر، اضافة الى عدائه للاميركيين، اذ لم يدعْ علنا الى المقاومة المسلحة المفتوحة؟ فيجيب، منذ البدء ومقتدى الصدر يسير بحذر شديد، ما بين المواجهة المفتوحة مع قوات التحالف وما بين نتف من نياته عن احتمال ادخاله الى العملية السياسية.
هناك الكثير في العراق الذي يعتبر الصدر اداة تستغلها إما ايران او بقايا النظام السابق او بعض الرافضين للقانون والنظام، انه شخصية غير واضحة، ويقول البعض ان بين اكبر قيادييه، بعض الناس المرتبطين بالنظام البعثي السابق، رغم انه تاريخيا على عداء مع ذلك النظام الذي قتل والده واخوته، الا انه في العراق اليوم تبرز تحالفات مختلفة بسبب الوضع الجديد.
ليس معروفا من نصح الحاكم الاميركي في العراق بول بريمر باصدار امر بالقبض على مقتدى الصدر؟ وقد اوضح مقرب من الصدر انه «فخور جدا» لان اميركياً اعتبره خارجا عن القانون! «اذا كان بريمر يقصد ان السيد مقتدى هو رجل خارج عن القانون حسب القوانين الاميركية، فكلنا فخورون بذلك». هذا ما قاله الشيخ قيس الخزعلي بعد لقائه مع مقتدى الصدر، مضيفا: «اننا نرفض كل انواع الاحتلال والهيمنة، وكل شيء سيتغير».
قد تكون مهمة بريمر، كسفير سابق غير معتاد على المواجهة والتحدي، لا تساعده في استيعاب الرفض او أبعاد بعض التحركات التي يقوم بها الصدر، وتثير ردود فعله الكثير من التساؤلات. اذ حتى باعتراف العراقيين لا يمثل الصدر اغلبية الشيعة الى درجة ان يقول بريمر: «ان الصدر يحاول ان يفرض سلطته على السلطة «الشرعية» ونحن لن نقبل».
اولا، كان من المفروض ان يطلق مثل هذا التصريح رئيس مجلس الحكم العراقي، وليس الحاكم الاميركي الذي يصدر الاوامر باسم السلطة «الشرعية» العراقية، فهو نسف «وهم» الشرعية غير الموجودة. وقد نجح الصدر في استفزاز بريمر، وتحول بالتالي الى قلق واشنطن الاساسي، وكان الاحرى بمستشاري بريمر من العراقيين، ان يقدموا له نبذة عن تاريخ مقتدى الصدر، فابن الثلاثين من العمر يتحدر من عائلة شيعية عريقة، والده قتله صدام حسين عام 1999، ويشعر مقتدى الآن ان من حقه ان يأخذ مكان والده ويصبح زعيما ذا اهمية وطنية مع العلم ان الكثيرين من العراقيين لا يعتبرونه اكثر من متسلط ومستغل، لكن، له شعبية معقولة لدى الشارع الشيعي وخصوصا في العاصمة بغداد، كما ان لديه ميليشيا تابعة له، ومن مسجد في الكوفة يلقي خطبه النارية التي تدين الاحتلال الاميركي. انما ورغم شعبيته لا يمثل ثقلا له معنى خصوصا داخل القيادة الشيعية، كما ان مصالحه غير ممثلة داخل مجلس الحكم العراقي، ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من ان الولايات المتحدة تفاوض لنقل السلطة في العراق الى الشيعة، فان مقتدى الصدر ينظر من الخارج ويمكن كأقصى شيء ان يتطلع اليه هو اظهار قوته في دائرة جغرافية محدودة، عندما يتم فعلا نقل السلطة.
قال لي مصدر اميركي عندما كان السوفيات في افغانستان وأرادت واشنطن التغلب على الاتحاد السوفياتي كانت النتيجة ان جاءت بالمتطرفين السنة، وفي العراق الآن يمكن ان تأتي واشنطن بالمتطرفين الشيعة، ويضيف، لقد ارادت الادارة تخويف السنة وتحجيمهم فجعلت من آية الله علي السيستاني، الايراني الاصل، مرجعا حتى في الشؤون السياسية، في حين كان المفترض بالولايات المتحدة ان تخلق عراقا ديمقراطيا علمانيا، فهي تجد نفسها الآن مضطرة للحصول على موافقة السيستاني في كل شيء. واكبر اهانة بنظر محدثي، ان المسؤولين الاميركيين في العراق يتوسلون لقاء السيستاني وهو يرفض، وحاولوا عبر وسطاء آخرين وعجزوا عن اقناعه، والآن اذا ارادوا ضرب مقتدى الصدر فانهم يحتاجون الى مباركة السيستاني، ويلفتني محدثي، الى ان الاميركيين بعدما وسعوا عدم الاتفاق مع الحلفاء، فان كل ما يرونه في العراق هم رجال ملتحون».
«لقد كسروا تحالفهم مع المانيا وفرنسا، ثم استهزأوا بالامم المتحدة، والآن ونحن عائدون الى الامم المتحدة لنطلب مساعدتها يبرز لنا مقتدى الصدر، والامم المتحدة لا تستطيع عمل شيء في العراق الآن، واعتقد ان الدور الايراني هو الذي سيكون الاهم بالنسبة الى تطور العراق سياسيا.
لقد خرج مؤيدو مقتدى الصدر يرددون: «نعم نعم لمقتدى، لا لا لاميركا»، فاذا ببول بريمر يصدر امرا باعتقال الصدر بعدما تأخرت سلطة التحالف في الكشف عن سبب اعتقال مساعده مصطفى اليعقوب بتهمة اغتيال الامام عبد المجيد الخوئي العام الماضي وبعدما اغلقت صحيفة «الحوزة» لانها تحث على العداء للاميركيين.
لكن السؤال هو، هل ان القوات الاميركية قادرة على تأديب الفلوجة وتطويق الصدر؟ يقول المصدر الاميركي، ان الصدامات بين مؤيدي الصدر وقوات التحالف، ستجعل اولا من الصعب على السيستاني الاستمرار بالتعاون مع واشنطن عبر مجلس الحكم العراقي، وثانيا سيحاول الصدر اضعاف التجمعات الشيعية الاساسية الاخرى مثل المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، ويضيف، انه اذا خرج هذا التمرد عن السيطرة فيمكنه ان يعرقل نقل السلطة والسيادة الى العراقيين في الثلاثين من حزيران (يونيو) المقبل، ويمكن ان يجعل موقف الولايات المتحدة واهيا، ثم ان قوات التحالف لا تستطيع ان تواجه في وقت واحد التمرد السني والعصيان الشيعي.
تعتمد الخطة الاميركية على التعاون من قبل الشيعة، ومنذ اشهر وبهدوء وسرية تتفاوض واشنطن مع ايران لتأمين هذا التعاون، وتدرك واشنطن انه من دون تعاون الشيعة فان الوضع قد ينفجر في وجهها.
ان السيستاني وحلفاءه في مجلس الحكم العراقي فضلوا عكس الصدر، التفاوض مع سلطة التحالف، لكنهم غير مرتاحين للدستور المؤقت او لخطط العراق الفيدرالي واستاؤوا من رفض الولايات المتحدة تنفيذ طلبات السيستاني باجراء انتخابات فورية باشراف الامم المتحدة.
منذ سنة وحركة المقاومة السنية مشتعلة، ومعها تتخوف واشنطن من اي انتفاضة في الجنوب. وحتى الاسبوع الماضي حصلت القوات الاميركية على تعاون ضمني من الشيعة عبر السيستاني الذي يقود الحوزة العلمية في النجف، ويتحكم بمجلس الحكم حيث الاكثرية الشيعية والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية، غير ان العلاقات الاميركية مع السيستاني كانت مشدودة عندما طلب مقتدى الصدر من اتباعه تحدي قوات الاحتلال. ويقول المصدر الاميركي، ان اكثر ما فعله السيستاني هذا الاسبوع هو دعوة الشيعة الى ضبط النفس. وقد يعني هذا انه اراد الوقوف على الحياد على امل المحافظة على العلاقات مع الولايات المتحدة، انما وفي الوقت نفسه حاول ان يوجه رسالة الى واشنطن بانه لا يمكن شراء ولائه. ويتوقع محدثي بان يسمح السيستاني لمنافسه الصدر بان يفعل ما يريد حاليا، وعندما تطلب منه (السيستاني) واشنطن المساعدة سينتزع الثمن.
يمكن للسيستاني ان يسيء الحسابات في صمته هذا وفي خطته خصوصا اذا قرر بريمر تنفيذ تهديده بالقاء القبض على الصدر وسقط الكثير من الشيعة، ذلك ان العنف سيدفع بالصدر الى موضع قوة يمنع السيستاني من مواصلة التفاوض مع واشنطن. اذا لم يقتنع بريمر بتسليم قضية مقتدى الصدر الى العراقيين من اجل تهدئة الاوضاع، فانه سيحرج السيستاني اكثر وسيحرج الشيعة الذين سيرون ان سلطة التحالف تقاتل مجموعة منهم حتى ولو كانت هذه المجموعة مرفوضة من قبلهم بسبب ممارساتها وتجاوزاتها وبثها الفتنة وفرضها قوانين الشريعة بالقوة.
في النهاية يقول محدثي البريطاني المطلع على الاوضاع في العراق، ان مقتدى الصدر مثل متطرفين آخرين في العراق، بمن فيهم بعض السنة، كان يفاوض على مقعد له حول الطاولة وقد تكون خطوته الاخيرة دليلا على توتر ما حصل اثناء التفاوض.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |