تابعنا الإضطراب الذي أحدثته حركة مقتدى الصدر الأخيرة بمزيد من القلق والترقب. ومع هذا القلق والترقب فقد اصيب كثيرون بحالات من الحيرة والذهول والإحباط. وهذا شيئ ليس مستغرباَ في حال كحالنا تمر عليها ريح الفوضى السموم لا تبقي ولا تذر.
كنت قد ذكرت انني لست متعاطفاَ مع مقتدى الصدر وحركته، ولا مع مكاتبه التي تستغل إسم السيد الشهيد محمد صادق الصدر كي تتحرك بإسمه في الواقع الشيعي العراقي المتحمس لدينه وقضيته..
كنت ذكرت سابقاَ أن حركة مقتدى الأخيرة هي حركة تمارس حرقاَ للمراحل، في ظروف غير مناسبة على الإطلاق لأي تحرك مواجهة مع قوى الإحتلال يضعف الحالة الشيعية العراقية في مواجهتها ضد قوى البعث والأصولية العلمانية، والطائفية.
كنت ذكرت سابقاَ أيضاَ أن هذه الحركة التي يقودها مقتدى الصدر لا تضع الإنسان كقضية مركزية في تحركها، شأنها شأن أغلب اللاعبين في الواقع الشيعي.
وكنت قد ذكرت سابقاَ أن هذه الحركة تعاني من خلل منهجي، هو نفسه الذي تمر به المرجعيات الأخرى، مع إختلاف في أساليب العمل لا أكثر ولا أقل. .
الحركة هذه وإن إعترفنا انها حققت تياراَ إجتماعياَ شعبياَ في أوساط السيد الشهيد محمد صادق الصدر، إلا أنها لم تستطع، ولظروف واسباب متعددة، أن تحقق توازناَ في تعاملها في الواقع الشيعي الناشئ بعد زوال نظام صدام مما يحقق مصالح الفئة الإجتماعية التي إحتضنتها كحركة والطائفة التي تنتمي إليها. الحركة هذه، وإن كنت ضد ضربها أو إستئصالها بالمطلق، لأنها قد تمثل واحداَ من مجالات التنوع المطلوبة في الواقع الشيعي، إلا أنني إكتشفت أنها تعاني من مشاكل داخلية معقدة تجعلها لا تستطيع الإستمرار في التمدد والإنتشار ، وإنها وإن نجحت في إحتواء بعض الساحات، بفعل خطابها الحماسي، إلا أنها دخلت في حالة تعقيدات، قد تؤدي لا سمح الله أن يتعرض هذا التيار إلى ضربات ستترك تأثيرها على الواقع الشيعي العراقي، وسيترك فراغاَ يملؤه طواويس القصور، ومستعمموا الحجاب.
المنهج والمشروعية
هنالك جانب منهجي في حركة مقتدى الصدر، يجعلنا في جانب تحليلنا له نقف وقفة نقد، كما هي وقفة النقد للمرجعيات الأخرى. الجانب المنهجي هو إعتماد هذه الحركة على ما يسمى بالمرجع أو المجتهد كي تكتسب مشروعيتها في العمل السياسي والإجتماعي الإسلامي. هذا الإرتباط القسري بكاظم حائري، مع مواصفاته المعروفة للجميع، وطبيعة علاقاته وإرتباطاته، جعلت حركة مقتدى الصدر تعاني من إثنينية في صناعة القرار، إضافة إلى تقييد شديد في تحرك هذه الحركة الصاعدة والواعدة. وقد ذكرنا في بداية إنهيار نظام صدام وبروز تيار الصدر بعنفوانه وقوته أننا نتمنى من السيد مقتدى ومستشاريه أن ينطلقوا في المجتمع بقوة، بدون تردد أو وجل، أو أخذ مشروعية من هذا المرجع أو ذاك، لأنهم يكتسبون مشروعية عملهم من هذا الرصيد الجماهيري الملتزم دينياَ الذي صنعه السيد محمد صادق الصدر. وهو أمر يختلف عن الرجوع إلى هذا المجتهد أو ذاك في مسائل الفتيا، والأمور العبادية الخاصة. كما أن إعتماد هذه الحركة على مجاميع كبيرة من المستعممين كنخبة قيادية في الحركة، يجعلها لا تختلف كثيراَ عن أية مرجعية أخرى تتحرك في هذا الواقع. وقد أعطى هذا الإعتماد إنطباعاَ قوياَ عند كثيرين من المراقبين بأن برنامج هذه الحركة السياسي سيعتمد بشكل رئيسي على طبقة رجال الدين وإستلامهم مواقع القيادة، ومفاصل التحكم في البلد.
أسلوب العمل
الجانب الآخر الذي اردت أن أوضحه هنا، هو أن هنالك إختلافاَ بيّناَ بين أسلوب عمل السيد الشهيد محمد صادق الصدر، وأسلوب عمل حركة مقتدى الصدر، كنت أتمنى أن يلتزم مقتدى الصدر بمنهجية ابيه في التعامل مع معطيات الواقع وظروفه. فمن المعروف أن السيد محمد صادق الصدر لم يصعّد المواجهة مع نظام كان يعلم بكل وضوح أن الدخول في مواجهته لن يخدم القضية التي كان يتحرك في سبيلها، وهو خلق جيل متدين، ملتزم، يؤمن بالإسلام. وقد كان السيد حسب خبرته، وفهمه للظروف، يفهم أن القوة المتوفرة لديه لن تستطيع أن تدخل في مواجهة مع النظام وتحقق إنتصاراَ، وقد قدّر السيد الشهيد الثاني أن الدخول في مواجهة مع النظام كان يعني إستئصالاَ مبكراَ لهذه الحركة. وقد نجح السيد الشهيد الثاني نجاحاَ فائقاَ في هذا الأمر، مع قلة الموارد، ومع الحرب الداخلية من الوسط الشيعي ضده. كنت أتمنى من السيد مقتدى، ومستشاريه من المستعممين أن يستفيدوا من تجربة السيد الشهيد الثاني، وأن يضعوا في إعتبارهم أن تيار السيد الصدر وحركته في المجتمع، هي رصيد مهم يدعم مواقع التصدي المستقبلية في الواقع الشيعي، بل يتصدى لقيادته في حالة إكتسابه رشداَ، وتفاعلا إيجابياََ مع عناصر الواقع الشيعي المختلفة. ، إضافة إلى أنه يستطيع أن يحفظ توازنات هذا الواقع من أن تتخلخل لصالح بعض الأطراف الغير أمينة، أو التي تقع مواقع صناعة قرارها خارج الحدود.
التوقيت
الجانب الأخير الذي أردت أن أشير إليه في هذا الصدد هو التوقيت في المواجهة. فتوقيت المواجهة بين المقاوم، أو بين الرمز الوطني، والديني وبين الطاغية والمستبد يعتبر عاملاَ حاسماَ وهاماَ في صناعة القائد والرمز وإستمرار قضيته في المستقبل. أهم مسألة في هذا التوقيت هو إختيار وقت يتألق فيه الرمز، دون أن يستطيع هذا الطاغية أو المستبد أن يدخل على خط المواجهة كي يدمر هذا الرمز وشخصه وقيمه. إن ظروف الفوضى تخلق مئات اللاعبين المتنافسين في الساحة، مما يجعل من الصعب بمكان الفرز بين جبهتين واضحتي المعالم، وفي هذه الظروف سيركب الكثيرون ممن لا ينتمون إلى هذا الرمز وحركته ، ليقوموا بأفعالهم وأعمالهم المسيئة ربما ضد هذا الرمز وأخلاقياته، ولكن بإسمه، كما قد يقوم المستبد نفسه بالقيام بأعمال تشوه سمعة الرمز وحركته، تمهيداَ لخنقها قيمياَ، وإستئصالها عسكرياَ.
هنالك عامل آخر يجعل عامل التوقيت أكثر أهمية في هذا الوقت، هو عامل الإعلام، الذي يستخدم كما يبدو هذه في هذه الأيام بشكل فعّال في إدارة الصراع، وتسقيط الرمز وحركته بشكل متواز مع القيام بتحركات مسيئة تنسب للتيار ورموزه.