 |
-
فضل الله: مشكلتنا أننا أمة الارتجال والانفعال
قيادة التغيير في الأمة
فضل الله: مشكلتنا أننا أمة الارتجال والانفعال
استقبل سماحة العلاّمة المرجع السيد محمد حسين فضل الله طلاب صف الماجستير (إدارة الأعمال) في الجامعة الأمريكية ـ اللبنانية برئاسة الأستاذ المحاضر، السيد رائد شرف الدين، الذين استمعوا لمحاضرة من سماحته حول "قيادة التغيير في الأمة".
مستهلاً محاضرته بالقول:
إن مسألة التغيير لا تشترط انطلاقها من القائد، ولا أزعم لنفسي أنني في موقع التغيير، ولكني حاولت منذ شبابي الأول أن أعيش القلق، قلق الإنسان في اكتشاف الحقيقة واكتشاف الإنسان الآخر والحياة في حركيتها، فالقلق هو الحال التي تنتج العبقرية وتنتج النمو، لأن الإنسان الذي لا قلق له لا يستطيع أن يكتشف أسرار الحياة.
فالإنسان الذي يعيش الثبات فيما ورثه أو قرأه يظلّ جامداً يراوح مكانه، لكنّ الإنسان الذي يعيش القلق حتى فيما ورثه أو اقتنع به يمكن أن يكتشف غداً خللاً أو ثغرة في ما آمن به اليوم، فيجد في هذا الاكتشاف غنىً جديداً.
أضاف: إن علينا أن نعيش هذا القلق الفكري والروحي والحركي بشرط أن لا نتجمّد عنده، فيتحوّل مرضاً نفسياً وعقدة، بل أن يكون قلقاً متحركاً إلى الأمام، ينتقل من خلاله الإنسان من موقع إلى موقع، ومن قراءة إلى قراءة، ومن تجربة إلى تجربة حتى يستطيع الإنسان أن يقارن بين ذلك كله وبين ما عنده، ليكتشف أنّ ما يعتقده هو الحق.
المشكلة في الكثير من تاريخ الأمم والشعوب أنّ بعض الناس، سواء في الإطار الديني أو غيره، قد يصلون إلى فكرة معينة فيعتقدون أنهم وصلوا إلى الحقيقة المطلقة، وأنهم يملكون الحقيقة.
بعض الناس يعتقدون أنهم الحق وغيرهم الباطل، وأنهم الدين وغيرهم الكفر، لأنهم حاولوا أن يحاصروا الحقيقة في داخل ذواتهم. والحقيقة لا تحاصر، فلا بد للإنسان أن ينفتح عليها تماماً، كما هو الهواء الطلق وسحر النور، عندما تطلع الشمس.
وتابع قائلاً: في الحياة، الإنسان هو صانع التغيير لأنه هو الذي يقود كل الحياة، هو الذي يقود حركة العلم والأخلاق والعادات والتقاليد والحرب والسلم. نحن لا نؤمن بالحتمية في اعتبار الاقتصاد هو الأساس في تطور الشعوب أو الإنسان، أو نعتبر كما يقول فرويد أنّ الجنس بكل تعقيداته هو الذي يمكن أن يطور الإنسان.
المسألة الاقتصادية بكل تطوراتها لا تشلّ الإنسان، بل قد تخلق له مناخاً معيناً يتحرك فيه، وهكذا في مسألة التأثيرات الجنسية، ربما تكمن في بعض أوضاع الإنسان لكنها لا تشلّه.
وقال: نحن نعتقد أن الإنسان هو صانع التغيير، ومسألة التغيير هي صناعة الخارج من خلال الحركة التي تنطلق من الداخل الذي يمثّل أفكارنا ومشاعرنا، وأنا أسميها منطقة الوعي والحس الداخلي. وهذا ما عبّرت عنه الآية القرآنية: {إنّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم}.
لذلك على الإنسان أن يغيّر نفسه ليتمكّن من تغيير الواقع، لأنه يمثل صورة النفس والعقل الذي ينتج الفكر، وصورة العاطفة التي تنتج الإحساس، وصورة حركيته في تفاعله مع الأشياء التي تنتج الواقع.
أما في مسألة الدين، بحسب مفهومنا، فإنه لا يجعل من الإنسان كائناً مشلولاً، على عكس فكرة القضاء والقدر التي أصبحت تحكم حتى السياسة والاقتصاد. القضاء والقدر يتصلان بالنظام الكوني والظواهر الكونية، ولكن في إنسانيتنا، نحن نصنع قضاءنا وقدرنا، فنحن نصنع النصر عندما نأخذ بأسبابه التي بين أيدينا.
القضاء والقدر الذي يتصل بحركية الإنسان، هو الذي يصنعه الإنسان. ولذلك، فبحسب التعاليم الدينية، إنّ الله يعاقبنا على ما نعمل لا على ما نعيش.
وأردف: لا بد أن نعيش على المستوى الفردي التغيير الإنساني في ذواتنا، وعلى المستوى الجماعي، لا بد أن نتحرك في سبيل أن يتغير غيرنا معنا من طريق الحوار ونقل أفكارنا.
وهذا لا يتحقق إلا بالاستماع للآخرين ومعرفة علامات الاستفهام التي عندهم، والقاعدة الأساس في ذلك أنه لا مقدسات في الحوار، فالله قد أعطانا عقلاً حراً وحمّلنا نتائج حركة عقلنا لأنها بأيدينا.
وأكّد سماحته أن النقد لا يمثل حال من العداوة أو من السلبية ضد الآخر، وقال:
لنتعلّم أن ننقد كل من حولنا وما حولنا، وأن نناقش الأمور بطريقة موضوعية وعقلانية، بحيث ندرس عناصر السياسة والاقتصاد والواقع، حتى نستطيع أن نفهمه أولاً ونعالجه ثانياً.
ثم لا بد من أن نسلك منهج التخطيط والتفكير لا الارتجال،
ومشكلتنا في هذا الشرق أننا أمة الانفعال والارتجال،
وأننا لا نصبر على الفكر، كما لا نصبر على النصر.
نحن نحتاج أن نجد حال تكاملية بين الماضي في ما يبقى منه للحياة وبين الحاضر في ما نعيشه وبين المستقبل في ما نؤسّس له. وعندها، يمكن أن يسير التغيير على الخط المستقيم.
مكتب سماحة المرجع آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
بيروت:18 صفر 1425 هـ/8 نيسان-أبريل 2004م.
*·~-.¸¸,.-~* وبَشــــــــِّـــــــــــــــــر الصـــــــــــــــابرين*·~-.¸¸,.-~*
[align=center]  [/align]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |