معركة الفلوجة حسمت معركة النجف والسلاح الروسي هزم الأباتشي
بغداد - حليم الاعرجي الحياة 2004/04/25

يقول خبراء عسكريون واستراتيجيون في العراق ان تسوية سياسية في البلاد هي الحل الوحيد القابل للنجاح في المديين القريب والبعيد, وليس العملية العسكرية المكثفة التي تشنها قوات التحالف الآن ضد المقاومة في الفلوجة وضد حركة مقتدى الصدر في جنوب العراق ووسطه.

ويرى اللواء الركن أحمد عبدالحميد الشلال, المدرس في اكاديمية البكر للدراسات الاستراتيجية والعسكرية الملغاة, ان "المطلوب حقاً هو عملية سياسية قابلة للاستمرار وبناء إجماع دولي اقليمي ومحلي للخروج من هذه الازمة". ويضيف: "الاستراتيجية الاميركية لمواجهة المقاومة في ما اصطلح على تسميته المثلث السني, تعدّ, في ضوء كل المقاييس والمفاهيم العلمية, سيئة للغاية".

ونبه إلى أنه لا بد "لتجنب الفشل في الحرب أن يتوازن الهدف العسكري مع الهدف السياسي, بحيث يساعد الهدف العسكري على تحقيق الهدف السياسي".

وتابع: "لو حاولنا أن نعرف الهدف السياسي المطلوب أميركياً من خلال تنفيذ هذه العمليات العسكرية الواسطة, فماذا نجد؟ على صعيد حركة مقتدى, يمكن القول ان الهدف السياسي لاميركا هو تصفية وجود مقتدى الصدر سياسياً, وانهاء قدرته على المعارضة أو التشويش أو البلبلة أو المشاغلة. لكن يجب أن لا نغفل عن احتمال ظهور نتائج عرضية, مثل تقليم اظافر الشيعة وتحجيم دورهم السياسي. اما في الفلوجة فينطوي الامر على أهداف كثيرة في مقدمها تدمير مركز تجمع قتالي واستخباراتي, ثم انهاء قدرة هذا التجمع على التحكم بواحد من أهم الطرق الموصلة إلى الاردن, ويمثل أهم شريان حيوي للجهد العسكري لقوات التحالف".

ومضى يقول: "دلت التجارب على وجوب ان يكون للقوة هدف واحد في وقت واحد. واذا وجد هدف ثانوي فيجب ان يساعد على تحقيق الهدف الاساسي". وتساءل الخبير العراقي عما اذا استطاعت اميركا ان تحقق هدفها التعبوي او الاستراتيجي المباشر وغير المباشر من التعرض للفلوجة, مؤكداً أن أميركا ومعها دول التحالف فشلت فشلاً ذريعاً وهو ما "انعكس على موقف الكثير من الدول التي ساندت اميركا في الحرب على العراق, إذ لم تتردد هذه الدول في التعبير عن انزعاجها بشأن التحول الاخير في الاحداث في العراق مع تفجير ما وصف بأنه "أسوأ قتال منذ اندلاع الحرب العام الماضي".

وأشار خبير عراقي آخر عمل في جهاز الاستخبارات العسكرية كباحث استراتيجي, مشترطاً عدم ذكر اسمه, الى ان ما قامت به القوات الاميركية في هجومها على الفلوجة, يعبر عن عنجهية غارقة في "الغرور" نتيجة وجود تفوق عددي ونوعي ساحق, فضلاً عن وجود خيارات في الاسلحة وفي التوقيت وفي اختيار الميدان. وقال: "سقطت كل تلك الامور أمام ارادة المقاتل, الذي عرف كيف يستخدم سلاحه والأهم كيف يناور وكيف يستثمر عنصر المفاجأة, الى جانب قدرة كبيرة تمتع بها المقاتلون, هي الجانب الاستخباراتي والأمني, إذ تمكنوا من الحفاظ على قدر كبير من سرية تحركاتهم وحشودهم ومناوراتهم ومفاجآتهم. وكذلك تمكنوا من احباط كل محاولات الجانب الاخر لإحداث خرق أمني بين المقاتلين", كاشفاً أنه "تم اكتشاف خونة عدة جرى التعامل معهم وفق منطق الحرب".

واضاف: "استفاد الاميركيون من تجاربهم في الفلوجة, فأخضعوا محاولاتهم في النجف لمنطق التخطيط السليم والصحيح لتعرض عسكري ناجح. فتفادوا بذلك الوقوع في فخ مستنقع كان يمكن ان يؤدي الى هزيمة حقيقية لقوات التحالف".


فشل في تحقيق الاهداف

ورأى ان الاهداف التي سعت إليها أميركا من خلال هجومها على الفلوجة وغيرها لم تتحقق, وقال ان "أميركا تتبع الآن تكتيكات تشابه تلك التي تستعملها القوات الاسرائيلية. وهذا التشابه ليس محض مصادفة, فالتعاون العسكري الاميركي - الاسرائيلي قوي منذ سنوات كثيرة", مشيراً الى أن للقوات الاسرائيلية خبرة متراكمة في مجال العمليات العسكرية الهجومية في المناطق السكنية, وهي الخبرة التي سعت اميركا إلى الاستعانة بها.

ويقول العميد الركن فاروق محمد, استاذ التعبئة في كلية الاركان العراقية الملغاة, ان "قادة الجيش الاميركي حاولوا تطبيق دروس مستفادة من الجيش الاسرائيلي لدى مهاجمتهم مدينة الفلوجة. بيد أنهم عندما خاضوا معارك في المناطق السكنية فيها تلاشى كل ما حاولوا تعلمه". ويرى ان السبب يكمن في ان "القتال الذي خاضوه في الفلوجة اختلف عن الدروس التي تعلمها الجيش الاسرائيلي وحاول أن يعلمها للجيش الاميركي. فعندما يكون القتال في الأزقة والشوارع الضيقة, فإن قدرة الجنود على الاستفادة من مميزات التكنولوجيا فائقة التطور تكون محدودة للغاية. وفي حالة كتلك يشكل الخصم قوة خطيرة لدرايته بشعاب منطقته حتى وان كان ضعيفاً".


نجاح الفلوجيين

ويجد الرائد الركن ماجد توفيق المفتي, الخبير في القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية الملغاة, أن قوات التحالف خسرت معركة الفلوجة للاسباب الآتية:

- أولاً, لأنها عجزت عن تحقيق الأهداف المعلنة للتعرض وهي: تسليم قتلة المدنيين الاميركيين, كما عجزت عن إجبار الفلوجيين على تسليم الاسلحة الثقيلة.

- ثانياً, عجزت عن تأمين حركة آمنة على خط المرور السريع باتجاه الاردن.

- ثالثاً, عجزت عن تفكيك خلايا المقاومة.

- رابعاً, عجزت عن فرض الحصار الكامل على الفلوجة ومنع الدخول اليها والخروج منها.

ويضيف: "أما المقاومة في المدينة فحققت نجاحاً كبيراً تمثل في النتائج الآتية:

اولاً, الاعلان عن عزم الادارة المدنية قوات التحالف تعيين عدد كبير من البعثيين في مراكز حساسة في الحكومة الموقتة المقبلة وايقاف العمل بقانون اجتثاث البعث. ثانياً, اجبار قوات التحالف على فتح حوار مباشر مع اهالي الفلوجة. ثالثاً, اي حكومة موقتة لا يمكن ان تنهض وتؤدي واجباً بمعزل عن موقف واضح ومحدد من الفلوجة, رابعاً, اسقاط التفوق العددي والنوعي والعملي والكيفي".


دروس مستخلصة

ويعدد اللواء الركن الشلال الدروس المستخلصة من معركة الفلوجة, فيوجز ذلك بنقاط عدة منها: أهمية النشاط الاستخباري والتعامل المعلوماتي مع عمليات المقاومة, وسقوط الرهان على الطائفية, إذ أظهر ميدان المعارك في الفلوجة التوحد ازاء التعامل مع العدو, وظهور الطابور الخامس بصيغ واشكال جديدة, ظاهرها الغيرة على المقاومة والتباكي عليها وجوهرها محاولة تجريد المقاومة من استثمار النصر ومنعها من استكمال تحصيناتها وتكامل معلوماتها الاستخبارية, والتعاون البناء بين المقاتلين والمدنيين على افضل وجه, واخيرا ظهور الحاجة الى امتلاك وسائل الاستفادة من نهر الفرات.

ويضيف خبير عسكري عراقي آخر فضل عدم ذكر اسمه ان "تنامي القدرات القتالية في الدفاع, أجهض وعلى نحو واضح امكان الادعاء بالتفوق الهجومي للدبابة أو الاباتشي, إذ كان هذان السلاحان ينفردان بتفوق هجومي لا يقبل الجدل. اما في معارك الفلوجة, فأصبحت الدبابات الاميركية ومروحية الاباتشي وغيرها هدفاً سهلاً للمقاتلين الذين أعادوا الاعتبار إلى اسلحة مقاومة الدروع وخصوصاً السلاح الروسي "آر. بي. جي. 7" بعدما اهمل منذ حرب تشرين 1973, حين لعب دوراً رئيسياً في عبور قناة السويس".