مقتدى الصدر ما لهُ وما.. لهُ
بقلم :ظافر العاني
طوال الأسابيع الماضية، استأثر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر باهتمام المتابعين للشأن العراقي، وقد هال الجميع هذا التطور الدراماتيكي في مواقف الصدر والتي تصاعدت بشكل متتال بل وحتى غير متوقع، والى الحد الذي باتت فيه الإدارة الأميركية تعتبره خصماً رئيساً لها في العراق، ومازالت تعلن حتى الآن بأنها عازمة على قتله أو اعتقاله.
وللحق، فإن مقتدى الصدر قد أدخل إلى المعادلة العراقية الكثير مما يستحق المتابعة والتحليل، ولعل أول ثماره هو انه استطاع اخراج المقاومة العراقية من خانق المنطقة التي كانت تسمى عن عمد بأنها «المثلث السني»، في إشارة مقصودة تهدف الى الانتقاص المعنوي من المقاومة وتقليص حجم المناصرين لها،
حيث ظلت إدارة الاحتلال تروج طوال عام بأن الهجمات التي تستهدفها انما هي محصورة في منطقة صغيرة ومحدودة من العراق، وان بواعثها تعود لأسباب طائفية بحتة تنم عن شعور الإحباط لدى السنة من عملية التهميش التي تعرضوا لها عندما عوملوا كأقلية عددية. وهي بذلك تحاول أن تعتم على شرعية أهداف المقاومين وحسهم الوطني، لعزل المقاومة عن بيئتها الاجتماعية ناهيك عن الايحاء بأن من يقطن هذا المثلث جلهم من البعثيين والعسكريين الذين تم اقصاؤهم عن وظائفهم،
وبالتالي لطالما سمعنا بأن المقاومة لا تمثل إلا ثلة من «فلول صدام». وعندما اختار مقتدى الصدر طريق المواجهة مع قوات الاحتلال فإنه بدد الطبيعة الطائفية والحزبية والنفعية عن المقاومة، فلم نعد منذ ذلك الحين نسمع كلمة «المثلث السني» أو ان عمليات المقاومة هي «عمليات إرهابية».
كما اطاح مقتدى الصدر بلحظة واحدة ظلال الارتياب والانطباعات الخاطئة التي أثارتها شكوك المتسائلين عن سبب عدم انخراط الشيعة في المقاومة، وحقيقة موقفهم من الاحتلال ومدى تأثير الارتباطات المذهبية الخارجية عليهم، وبذلك لا يمكن لأحد ان ينكر ان شيوع ثقافة المقاومة اعادت للوحدة الوطنية جذوتها وانهت تماماً كل التوقعات، عن احتمال حدوث فتنة طائفية.
على الجانب الأميركي، سبب مقتدى الصدر احراجاً واسعاً لقوات الاحتلال، من خلال تشتيت جهدها العسكري بعد أن اتسعت بؤر التوتر الساخنة، وامتدت الى أجزاء واسعة وبالذات في تلك المناطق التي كانت تعد حتى وقت قريب بأنها هادئة ومستقرة نسبياً. وبالتالي بات على الادارة الأميركية أن تجيب عن أسئلة جدية حول سبب عدم قدرتها على احتواء هذه المجموعات بل واستفزازها، إلى الحد الذي وصلت فيه معها الى نقطة اللاعودة.
وربما هي المرة الأولى في تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية أن يحدث فيها هذا التمييز الفاصل بين «حوزة صامتة» كناية عن الحوزة التقليدية التي يمثلها المراجع الكبار من الآيات في النجف، و«الحوزة الناطقة» كما أطلق مقتدى الصدر على نفسه، والتي تشير الى عملية الحراك السياسي للقادة الشيعيين بهدف تعويض القصور في أهلية مقتدى للمرجعية الافتائية وتسامٍ على دور التهدئة وضبط النفس الذي يطالب به المراجع التقليديون في مقابل المرجعية الثورية.
فضلاً عما تقدم، فإن مطالب مقتدى التي بدأت لأول وهلة محدودة النطاق وذات طابع فئوي يتعلق بإغلاق صحيفة «الحوزة»، واطلاق سراح بعض مساعديه، فإنها سريعاً ما تطورت لتصل الى حد المطالبة بإنهاء الاحتلال، وكم كانت ذات دلالة إشاراتها المتكررة عن تطابق أهدافه مع المقاومين في الفلوجة،
بل انه لم يكتف بذلك وانما أضاف للقضية العراقية بعدها العربي والإسلامي حينما صرح بأنه يعتبر نفسه وجيشه المسمى «جيش المهدي» اليد الضاربة لحزب الله وحماس. وهي تصريحات وان كانت تحمل طابعاً رمزياً أكثر مما هو أمر واقع، إلا ان دلالاتها كانت كافية لكي تدق الإدارة الأميركية ناقوس الإنذار فتطالب برأس مقتدى الصدر وحل جيشه لئلا يتحول الى نموذج آخر لحماس وحزب الله.
برهن الصدر، على انه رغم حداثة سنه وقلة خبرته السياسية، إلا انه مناور بارع في مجمل المواقف التي حاولت فيها إدارة الاحتلال احراجه، حيث ظل يلعب على حبل الموازنات الداخلية باستثمار مكانة السيستاني في النجف والذي وجد نفسه مضطراً إلى بسط حمايته المعنوية عليه.
ولو أن لمقتدى الصدر من فضل على الاحداث الجارية في العراق فيكفيه انه دفع بالعديد من اتباعه إلى الخروج على كفن الفتاوى بانتظار كلمة قد لا تأتي عن الجهاد دفاعاً عن وطن محتل، وجعل من المقاومة انتفاضة شعبية جعلت العراقيين يشعرون بأنهم في زورق واحد عليهم ان يصلوا به إلى بر التحرر بأمان.
http://www.alkader.net/apri/thfeeralani0404301.htm