 |
-
أسواق صنعاء القديمة ينظمها قانون غير مكتوب منذ العام 1748م
محمد الخامري من صنعاء: إذا عرفنا أن التجول في الأسواق العتيقة عامة يمثل متعة روحية للإنسان المتذوق للجمال، فلا بد ان نضيف إلى معرفتنا ان التسوق في
أسواق صنعاء القديمة خاصة سياحة عبر الزمن.. ففيها يجد الإنسان نفسه متوحداً مع المكان ومتنقلاً بين عصور وأزمنة مختلفة ليزرع ذلك التجوال في نفسه انطباعاً استثنائياً عامرا بالألفة مع الناس والمباني والأسواق وكل الأشياء المحيطة به.
اذا قدر لك ان تزور صنعاء القديمة وتدلف إلى أزقتها وحواريها وتتجول في أسواقها المتخصصة فانه حتما سيأسرك المكان بعبقه الشاعري، ونموذج بنائه الفريد، حيث ترى ترابط الأسواق المتوزعة في الأزقة الضيقة والحواري المرصوفة العتيقة وإطلالة ناطحات السحاب الياجورية " نسبة إلى طوب الياجور المصنوع من الطين المحروق " العائمة في الفضاء..
اذا كنت متذوقا للفن المعماري ورونق العمارة الإسلامية القديمة فان صنعاء القديمة ستشعرك بأنك في وحدة فنية متكاملة ومتناسقة، مصممة وفق أرقى فنون الهندسة والتنسيق وان ثمة عوامل ود وتكاتف ربطت كل جزئية من جزئيات المكان من أسواق وسماسر " جمع سمسرة " وحوانيت تجارية بمحيطها المعماري الفريد.
بين باب اليمن جنوبا وباب شعوب شمالا " طول صنعاء القديمة الذي لايتجاوز 2 كيلو متر " بين هذين البابين يوجد ( 1911 ) حانوتاً " محل تجاري صغير " بحسب تعداد الجهات المختصة أي دون ذكر الحوانيت العشوائية والتي تنتشر كثيرا داخل سور صنعاء القديمة دون تراخيص او وثائق من الجهات المختصة في البلدية وامانة العاصمة وهيئة الحفاظ على مدينة صنعاء التاريخية..
تتوزع هذه الحوانيت على قرابة 40 سوقاً متخصصاً تحتضنها أزقة وحواري صنعاء القديمة، وتشكل مربعاً تجارياً وإنتاجياً ضخماً ومترابطاً وفق هندسة بديعهة ابدعتها يد البناء اليمني القديم وزينتها مهارة واحتراف التاجر المحنك العارف بمضمار التجارة وفقاً للمبادئ الأخلاقية لا الربحية..
تلك هي أسواق صنعاء القديمة، المؤسسة التجارية الاقتصادية المتجذرة في صميم تاريخ وحضارة اليمن خاصة، والعرب وشعوب العالم عامة من خلال قدرتها على تغطية احتياجات السوق الأخرى بفائض الإنتاج قديماً.
أسواق صنعاء القديمة التي ذكرت في كتب التاريخ والبالغة ( 50 ) سوقاً والتي تناقصت مع مرور الزمن لتصل حالياً الى 35 سوقاً متخصصاً فقط..
وحسب دراسة للدكتور فرانك ميرمين أستاذ علم الاجتماع في معهد الهندسة المعمارية في فرساي ( فرنسا ) كانت أسواق صنعاء القديمة تمثل على المستوى الإقليمي مركزاً مهماً للإنتاج الحرفي ولتجارة المنتجات الريفية.. إلا أن تأثيره التجاري اكتسب بعداً دولياً لأن المدينة شاركت في تجارة القوافل التي كانت تربط موانئ البحر الأحمر والمحيط الهندي بشمال شبه الجزيرة العربية.
وتقول الدراسة إن شهادة (ابن رسته) في القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري) تكشف أن سوق صنعاء كان يصدر الجلود والأحذية والسجاد والأردية المختلفة وآنية من ( اليشب الأسمر ).
وكان يوجد في سمسراتها ( حاناتها ) حرفيون عديدون يعملون بتشذيب العقيق اليماني والأحجار الكريمة.. وكانت القوافل تقدم من الشام ومن بلاد فارس محملة بالذهب والحرير والتوابل والعطورات والأقمشة لتباع في أسواق صنعاء القديمة.
فيما كانت الثياب المنسوجة في مناطق زبيد ويريم ووصاب وحضرموت تباع في سوق البز.
أما السلال والفخار المنتجة في القرى المجاورة كانت تباع في السوق الذي كانت تباع فيه المنتجات الزراعية لتلك القرى.. وشكلت تجارة البن الذي كان يخزن في سوق ( البن ) بصنعاء ويعاد توزيعه منها في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين مصدر غنى للمدينة والدولة.
ويشير الدكتور فرانك يترمين في دراسته إلى أن تاريخ إنشاء العديد من الخانات (السماسر) يعود إلى تلك الفترة (أي القرن 71م ــ81م ) أو إلى فترة الاحتلال العثماني الثاني.. ويقول: لكن المظهر الحالي للسوق يعود إلى الاحتلال العثماني الثاني الذي شيدت خلاله أغلب السماسر والدكاكين.. فمن بين 73 سمسرة جرى إحصاؤها في السوق أو بالقرب منه لم يحتفظ منها بوظيفته التقليدية سوى أسواق بيع الزبيب والبن.
ورغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال على ادارة هذه الحوانيت والأسواق إلا ان ملامحها العريقة وبساطة الماضي وروح العصر لاتزال تهيمن على جوهرها ومظهرها الجميل رغم تحول حاناتها وسماسرها التي يشارف عددها 37 سمسرة الى مستودعات للبضائع والمنتجات المستوردة،الا ان أسواقها لاتزال تكتظ بالمنتج المحلي والقديم وتظل فرادتها في كون كل سوق وحدة مستقلة بذاتها لها خصائصها ومميزاتها ودلالاتها العميقة اجتماعياً وإنسانيا وتجارياً واقتصادياً.
ومن الأسواق المتخصصة في التجارة سوق الحبوب والبهارات والزبيب وسوق النظارة والقات والمبساطة والحلقة والمعطارة والملح والصرافة والفتلة والبز.
والأسواق الموسمية مثل سوق العنب و( دار الجامع ) الذي تباع فيه الأضاحي.
والأسواق الإنتاجية الحرفية منها مازال باقياً مثل سوق الجنابي والخياطين والنجارة.
ومنها ماهو في طريقه إلى الاندثار مثل سوق المحدادة والمدايع والخراطة والسلب ( الحبال ) والحياكة، ومنها ما اندثر مثل سوق الخراطيش ( الرصاص ) والنحاس وسوق الصباغين والكوافي والإسكافيين والقمريات والمواقد والجص نتيجة لعدم قدرتها على التكيف مع المتغيرات الحياتيه.
ولأخذ فكرة اكبر عن هذه الأسواق ينبغي ان نأخذ مرشدا سياحيا من أهل صنعاء القديمة حتى يسلط الأضواء على كل سوق منها على حده لكشف جمالياته وقيمته التاريخية والمعاصرة ومن هنا كان لزاما ان نهتدي بالزميل أسامة حسن ساري الذي تخصص في هذه الأسواق وكتب عنها الكثير من الاستطلاعات المصورة ولنبدأ بسوق (نسيت).
قصة الاسم (نسيت)
يقول ساري: تبدأ جولة التسوق في أسواق صنعاء القديمة، من سوق النظارة الذي يمتد من المدخل الجنوبي للمدينة القديمة ( باب اليمن ) إلى جوار إحدى معاصر السليط " زيت السمسم " الواقعة بعد سمسرة النحاس.
وسوق النظارة عبارة عن ممر طويل يسمى (دهليز) صنعاء إشارة إلى مداخل بيوت المدينة القديمة ( الممر الضيق بداية البيت في الطابق الارضي )..
يعتبر هذا السوق خلاصة
لأسواق صنعاء القديمة في الوقت الحاضر والتي يفضي إليها هذا الممر، حيث نجد كل سوق مختص ببيع وإنتاج سلعة معينة دون غيرها كما سيأتي.. وعلى جانبيه تتراص المحلات التجارية بنظام وترتيب..
وتم تقسيم سوق النظارة الى حوانيت متخصصة بحيث يكون كل 3-4 محلات تعرض سلعاً مختلفة عما تعرضه المحلات الأخرى المجاورة.. ( التمور المجففة والرطبة بأنواعها، الحلي والمشغولات الفضية بكثرة، المكسرات والبهارات والحلويات والتمباك " التبغ " والجاز والسليط " زيت السمسم " والكوافي والصرافة والتحف والهدايا والمصاحف... و.. الخ ).
وسمي بسوق النظارة لأنه اشتهر ومازال ببيع العطورات وأدوات التجميل والحنا والأقمشة والملبوسات الجاهزة وقيل لأنه أول سوق يقع نظر الزبائن المتسوقين عليه عند مدخل صنعاء القديمة من الجهة الجنوبية " باب اليمن ".
والغالب في سوق النظارة هو ان أكثر محلاته سماسر كانت مخصصة لبيع القشر " قشرة البن " والمفروشات والزعل القديم..
ولان سوق النظارة أشبه بسوبر ماركت راقي ومنظم وشامل لمختلف السلع التجارية فإن أهالي صنعاء القديمة كما اخبرنا الأخ محمد احمد الحمامي صاحب محل مشغولات فضية وحلي في سوق النظارة أطلقوا عليه قديماً اسم سوق ( نسيت ) من النسيان إشارة إلى لجوء الزبون إلى هذا السوق في طريق المغادرة لشراء السلع التي نسي ان يشتريها من الأسواق الداخلية المتخصصة.
سوق الفضة والعقيق اليماني
للفضة سوق خاص اسمه سوق ( المخلص ) وهذه التسمية تأتي من التخليص حيث تعتبر بلادنا غنية بالخامات الفضية التي تجلب من مختلف المناطق إلى سوق ( المخلص ) لتخليصها ( تصفيتها ) من الشوائب والمعادن الأخرى.
يذكر خالد علي شامية أحد تجار الفضة والحلي والمشغولات الفضية أن لفظ " مخلص " يطلق على الفضة النقية التي تتفاوت نسبة معادلتها بين 925 - 999 سبائك فضية.. أما أقل من هذه النسبة إلى حدود 65% يسمى فضة ثم تأتي بعد ذلك النصفي 50% والربعي 25% ومن هذا اشتق اسم سوق المخلص..
ويؤكد شامية أن سمسرة النحاس الواقعة في نهاية سوق النظارة أصبحت السوق الأساسية للفضة ويدخل في إطارها سوق العقيق حالياً.. ولكل تاجر فضة معمل خاص خارج المحل غالبا ما يكون في المنزل.. لتنقية الخامات وتشكيل المشغولات الفضية بالإضافة إلى تخصص هذا السوق في حل الأحجار الكريمة وقطعها.. حيث أنه تم دمج سوق العقيق مع سوق الفضة..
وسوق العقيق متشعب إذ لا يختص التاجر في بيع العقيق فقط إنما الآن يتطرق إلى أكثر من مجال فهو الى جانب العقيق اليماني المشهور يبيع الياقوت وأحجار كريمة مختلفة كالزمرد والكهرمان والمرجان وغيرها من الاحجار التي يتم بها تطعيم المشغولات الفضية.
سوق الحبوب والبهارات
سوق الحب والبهارات من الأسواق التجارية المعروفة في صنعاء وهو عبارة عن سقيفة كبيرة تجلب إليها جميع الحبوب من مختلف وديان اليمن وسهولها، فالسقيفة هي المخزن الرئيسي وأي مزارع يجلب الحبوب إلى السوق.
لا يحق لأي تاجر أن ينتظره خارج السوق أو يشتري منه داخل السوق وإنما يودع المزارع بضاعته في السمسرة حتى يحضر عاقل السوق.
أحمد بن علي الكدس تاجر قديم في سوق الحبوب قال أن السقيفة عمرها أكثر من 300 عام.. وهي المخزن الرئيسي للسوق.. هي التي تقوم بتموين المحلات التجارية وتغطية الأسواق الخارجية بل والتصدير إلى دول الخليج وبأسعار موحدة ونظام معين.. وسار التجار في سوق الحبوب على هذا النظام إلى وقت بعيد..
ويؤكد الكدس أن سوق الحبوب اختل نظامه مؤخراً بسبب تغير الظروف وصار التجار يتعاملون مع البهارات أكثر من تعاملهم مع الحبوب إذ أن البهارات تتوفر بكميات كبيرة بينما الحبوب، صارت حكرا على تجار كبار في صنعاء خارج الأسواق القديمة.. ولهذا اندمج سوق الحبوب مع سوق البهارات..
والسوقان مجتمعان يبيعان الذرة البيضاء والحمراء، الشعير، البر، الدخن، البقوليات بأنواعها، والثوم، والفلفل، والحلبة، والقرفة، السنوت، والزنجبيل، والبن، وغيرها... بالإضافة إلى بيع البهارات المستوردة..
تجدر الإشارة إلى أن البهارات ظل سوقها متخصصاً لفترات زمنية طويلة وقبل أن يطلق عليه سوق البهارات كان يسمى " سوق الملح " وهي التسمية التي أطلقت على المنطقة القديمة كاملة.. حيث كان في هذا السوق مطاحن متخصصة في طحن الملح الذي يجلب بكميات كبيرة من الأحواض المتبخرة في السواحل اليمنية.. وكان السوق صغيرا ويبيع الملح فقط، ثم دخلت عليه البهارات وتوسع واتخذ اسمها..
سوق الصرافة
هناك أيضاً سوق الصرافة الذي لم يكن يوجد فيه سنة 1391هـ/1971م سوى ثلاثة دكاكين للصرافة وصار بعد عشرين عاماً من ذلك التاريخ يضم قرابة 17 صرافاً في السوق كله.
وسوق الصرافة كما يقول الزميل أسامه ساري كان أول سوق يفتح أبوابه في مدينة صنعاء القديمة عقب صلاة الفجر مباشرة لاستقبال الريفيين الذين ينامون جوار مداخل صنعاء التي تفتح أبوابها بعد صلاة الفجر مباشرة وكانت العملة المتعارف عليها هي العملة الفضية " الفرانصي " وعملة الماريزا التي كانت تصكها هذه المحلات نفسها للإمام يحي حميد الدين وابنه احمد من بعده " حكام اليمن قبل الثورة 1962م "..
وكان الصراف يشتري من الانسان الريفي الجنيهات الذهب أو الريالات الفرنسية الفضية.. أو يمنحه هذه العملات مقابل الحصول على بعض المنتجات الريفية كالشعير والحبوب والبهارات وغيرها..
اما الآن فقد تطورت محلات الصرافة وامتلكت التقنيات الحديثة لتحويل الأموال من دولة إلى أخرى واستقبال الحوالات وما شابه ذلك من الأعمال المصرفية الحديثة كالكمبيوتر و" اليوسترن نيو " والمقاصات مع اكبر شركات الصرافة في العالم.
سوق النجارة
يوجد أيضاً سوق حرفي هام وهو سوق "المنجارة" الذي حدثنا عنه النجار الصانع علي الدرام بأن خاماته من الأخشاب كانت تجلب من المحافظات اليمنية، كأخشاب الطنب التي كانت تأتي من مأرب ومن المناطق الوسطى والشمالية " الطنب البلدي والعشر الأبيض " ويتم العمل بإخلاص مثلاً الطنب يصنع بدرجة سماكة عالية، يابس شديد الصلابة ويدهن بمادة معينة تحفظه من التآكل.. والعشر استخدم في صناعة أغماد الجنابي وأقفاص الطيور والصناديق الخشبية المقاومة للرطوبة والماء وتحفظ المواد المخزونة من التعرض للصدأ لسنوات طويلة.
كذلك قام السوق بصناعة الأبواب الخشبية الضخمة مثل بوابات القصور والقلاع والحصون، وأبواب صنعاء القديمة وصيانتها باستمرار مثل باب اليمن، باب شعوب، باب السلام، باب الشقاديف، باب القاع، باب البلقة، أيضاً أبواب المنازل والمحلات والدكاكين كانت تصنع في سوق المنجارة بالإضافة إلى عمل الزخارف الإسلامية وصناعة النوافذ والشبابيك وزخرفتها ولأهمية هذا السوق سابقاً كان منه سوقان أحدهما بجانب سوق الاسكافي والآخر بجانب سوق العرج ويضيف الدرام قائلاً: للأسف الآن صارت الأخشاب مستوردة والمهنة دخل عليها من يعبث بها كصناعة العسوب وأقفاص الطيور.
سوق الحلقة
يعتبر هذا السوق من أكثر أسواق صنعاء القديمة عمقا في القدم لرجوع تسميته (الحلقة) إلى قصة تاريخية، تقول أن رجلين من جيش أبرهة الحبشي (أصحاب الفيل) نجيا من حجارة الطيور الأبابيل التي ذكر الله تعالى قصتها في القرآن الكريم في سورة (الفيل).. وفرّ الرجلان إلى صنعاء، وعندما وصلا إلى المكان الذي يحتله السوق، وقفا يحكيان للناس ما حلّ بأصحابهما (جيش أبرهة الحبشي).. وأثناء ذلك شاهدا طيرين محلقين فوقهما فرفعا رأسيهما إلى السماء وقالا (مثل هذين الطيرين) فرماهما الطيران بحجرتي سجيل مات الرجلان على إثرها.. وتجمع حولهما الناس على شكل حلقة..
وحكاية أخرى تقول أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عندما جاء إلى صنعاء وبنى المسجد الذي يحمل اسمه، وهو مشهور في صنعاء القديمة، وقف خاطبا في الناس وهم متحلقون حوله، فاتخذ السوق اسم (الحلقة).. ولم يكن هناك سوق أصلا وإنما مجرد تجمع خيام تبسط وتتنقل..
ويختص سوق الحلقة ببيع الأواني والمعدن.. وكانت المادة الخام سابقا محلية.. ويستغرق تصنيعها وقتا طويلا، وكان العاملون في السوق يفكرون ويخترعون تشكيلات معدنية متنوعة وجميلة يهدونها للأمراء والملوك.. وتباع في السوق الادوات المنزلية التي تصنع محليا في تعز وعدن والحديدة، وحاليا تباع فيه منتجات مصانع المعدن الموجودة في صنعاء..
بالإضافة إلى ذلك تباع في سوق الحلقة المنتجات التي تصنع في سوق المحدادة من أدوات زراعية وبعض مستلزمات البناء..
اما سوق المحدادة فيتكون من ثلاثة اقسام:
القسم الأول مختص بصناعة السكاكين حيث يتم عمل التركيبات المعدنية لزوايا الأبواب الخشبية والشبابيك.. وصناعة المغالق الحديدة والمفاتيح.. وكان فيما سبق يصنع القفل الغثيمي..
القسم الثاني يعمل فيه النبالون الذين يصنعون الأدوات الزراعية (أدوات الحراثة)..
والقسم الثالث يعمل فيه النصالون، المختصون في صناعة الجنابي..
كما تصنع في هذه السوق مختلف الأدوات المستخدمة في صناعة الجلود والنحت على الخشب والمناشير، والتي تدخل في جميع الصناعات الحرفية اليمنية القديمة..
لكن الملاحظ على هذه السوق أن الحرفيين توقفوا عن العمل تماما بسبب دخول الصناعات المستوردة التي سببت شللا لحركة السوق ولم يعد أحد يهتم بتداول السلع التي ينتجها.. واضطر الكثير من العاملين إلى إغلاق محلاتهم..
سوق المدر والمجسمات الجصية
من أبرز أسواق صنعاء القديمة التي تجسد خصوصية التراث اليمني وأصالته هو سوق ( المدر) المتخصص في بيع الأواني الطينية، وكانت من قبل تباع في هذا السوق الأواني الفخارية.. لكن حاليا لم تعد تباع فيه إلا المصنوعات الطينية (المدر) مثل (الكوز الخاص بتبريد الماء) ومقالي الاكل، وتناوير الحطب، والمباخر المزخرفة بالألوان، والبرم التي يطبخ فيها اللحم والأكواب (الحيسي) المصنوعة في منطقة حيس الساحلية..
وقد توسع هذا السوق حاليا وصار ينتج صناعات أخرى كالمجسمات الجصية والطينية لمواقع تاريخية يمنية لها سوقها السياحي الرائج، مثل عمل مجسمات لمدينة صنعاء القديمة، ولدار الحجر، ولجسر شهارة، ومواقع أثرية جميلة في حضرموت ومأرب والجوف..
سوق الحكماء (المعطارة)
ترجع تسمية هذا السوق بهذا الاسم " المعطارة " إلى طبيعة تخصص هذا السوق في بيع الروائح، والعطور المستخرجة من الأعشاب الطبيعية والبخور بأنواعه والعود والعنبر..
إضافة إلى أن تجار السوق يطلق عليهم ( العطارين ) واشتهر سوق المعطارة باسم ( سوق الحكماء ) لأن المرضى إلى ما قبل أعوام قريبة كانوا يلجئون إلى تجار هذا السوق الذين كانوا فقهاء وعلى إلمام بالطب العربي وطب الأعشاب.. لذا كان السوق في كثير من الأحيان يستخدم للتداوي وكان يباع في هذا السوق إلى جانب الوصفات الطبية العربية أنواع الشراب المستخلص من الفواكه وتستخدم كأدوية طبيعية مثل قهوة العناب، وشراب مربى النعناع، وماء الورد المأخوذ من أشجار البساتين المتناثرة في ضواحي صنعاء..
كما اشتهر السوق ببيع اللبان الذي اشتهرت به اليمن قديما إلى جانب الزعفران والروائح الجميلة التي كانت تصنع في صنعاء القديمة وفي بعض المناطق اليمنية وتجلب إلى هذا السوق..
والملاحظ على السوق الآن التركيز على موديلات العطورات الحديثة والروائح المستوردة، إلا أنه لم يستغن عن المنتجات القديمة والمحلية، ويتبع كل محل في سوق المعطارة مخزن مركزي لخزن البضائع الكثيرة المستوردة والمنتجة محليا..
سوق الجنابي (الخنجر اليمني)
يعتبر هذا السوق من أكثر أسوق صنعاء القديمة شهرة وأهمية كون الجنبية رمزا مهما للمجتمع اليمني عامة ويرتبط بالرجولة.. بل ولها دلالات على المراكز الاجتماعية للمواطنين، وعلى الغني والفقير.. وهي تحفة ثمينة انفرد اليمنيون منذ القدم بصناعتها فهي موروث حضاري عريق ومدهش.. ومجد الجنبية هو شهر رمضان والمناسبات الدينية كالأعياد، والمناسبات الأخرى كالأعراس، وهذا فيما يتعلق بعواصم المحافظات الرئيسية.. أما الأرياف فيعتبرون الخروج إلى الشارع بدون جنبية وصمة وتقليل من شأن الفرد وأسرته..
في سوقي الجنابي والعسوب ( حزام الجنبية ) تتفاوت الاسعار وتنقسم الى مستويات عدة فهناك جنابي عادية ورخيصة، وهناك مستوى وسطي، وهناك مستوى رفيع وغالٍ خاص بالأثرياء والمقتدرين.. وفي كل الأحوال فإن السوق يلبي كافة طلبات المواطنين..
والقيمة المادية والفنية للجنبية تكمن في نوع المادة المصنوع منها الجنبية والعسيب.. مثلا الجنابي الأصلية والنادرة وهي التي تصنع مقابض خناجرها من سن الفيل أو من قرن وحيد القرن.. وتطرز بحروف الذهب والفضة.. ويقتنيها الأثرياء..
كما أن هناك جنابي تصنع مقابضها من قرون البقر والماعز وأحيانا من الخشب او البلاستيك وهذه يقتنيها البسطاء والفقراء..
وعن النصلة ( حديدة الخنجر) فإنها تصنع خارج صنعاء في منطقة رداع وغيرها من المناطق اليمنية، والبعض يصنعها في سوق الجنابي وكانت من قبل تصنع في سوق المحدادة، والنصلة المتميزة هي المصنوعة من الحديد الصلب كجنازير المدرعات.. وهناك نصلات عادية ليس لها أي قيمة يشتريها ذوو الدخل المحدود.
أما العسيب ( الغمد والحزام ) فإن للغمد عدة أنواع، ربما لكل نوع دلالات انتمائية مناطقية أو عشائرية.. وهي من صميم التراث اليمني.. مثل العسيب الصنعاني (الأخضر) والمأربي (الأبيض) والمسيفل ( أبيض متوج بثلاث ظفائز جلدية حمراء ) والتوزة ( ذات صدر فضي )..
وبالنسبة للأحزمة منها ما هو تراثي ويطلق عليها ( التزجة ) مصنوعة من السيم الفضي وتتدلى منها الجيشيات والحروز والمحافظ (الكتاب) وكلها مشغولات فضية.. ومعظم مواد تصنيع العسوب محلية وقليلها مستورد، لان الحرفيون في هذا السوق يتفنون في إبداع تشكيلات نقوشات الأحزمة التي كانت سابقا تصنع من الجلود وتطرز بالسيم الفضي أو الأحمر أو الأصفر أو الذهبي، والحزام المذهب لايستطيع شراؤه إلا أصحاب الثروات.. وقد طغت على سوق العسوب حاليا الأحزمة المستوردة الرخيصة للعامة والفقراء..
قانون صنعاء وسوق العرج
كما تميزت وتفردت اسواق صنعاء القديمة في التجارة والانتاجات الحرفية فقد تميزت أيضا على كافة أسواق العالم العربي والاوروبي بكونها سجلت أعظم المواقف الإنسانية والأخلاقية وجسدتها بروح مبدئية عظيمة ومتواضعة وذات قيم حميدة..
من ذلك مسألة يسمونها (البدا) أي أول البيع، كان أصحاب المحلات متكاتفين ويحترمون بعضهم البعض.. صاحب المحل الذي يبيع أولا، يرفض البيع ثانية لأي زبون آخر، ويرسله إلى المحل المجاور، وتتكرر نفس المواقف حتى يبيع أصحاب المحلات جميعا حتى يتمكن كل واحد منهم من الحصول على قوت يومه لأسرته..
وكان من النادر بيع المنتجات والأجهزة المستوردة كالتلفزيونات وغيرها في الأسواق القديمة.. وإنما بنيت لها محلات خارج أسوار صنعاء القديمة.. مما جعل علاقات التجار قائمة على الأخوة والتراحم والاحترام ولا يتطفل تاجر على مهنة أو تجارة يتخصص فيها غيره..
وذلك احتراما لـ(قانون صنعاء) الذي صدر عام 1748م.. حسبما تؤكده ترجمات ( الموسوعة اليمنية ).. وهو قانون جعل التجارة ممارسة أخلاقية لا ربحية فقط.. وكما قالت بعض الدراسات التاريخية ( إذا كانت المساومة جزءا من مفهوم البيع والشراء في العالم العربي، فإنها في أسواق صنعاء القديمة غير موجودة وهذا من فضائل المدينة المحمودة )..
وقانون صنعاء الذي فرض تلك المبادئ الأخلاقية وغرسها قيما سائدة في نفوس التجار والحرفيين.. لم يغفل الجانب الإنساني مسألة الرفق بالحيوان، إذ تشير الروايات المتوارثة أن ( قانون صنعاء ) سجل جزءا من أموال الوقف لرعاية وإطعام الحيوانات والمواشي التي كانت تجلب إلى سوق ( العرج )..
وسوق (العرج) اشتقت تسميته من كلمة (أعرج) والمفهوم الكلي لها هي (الإعاقة).. حيث كان تخصص هذا السوق في احتضان وبيع المواشي من أبقار وأغنام وماعز، والهزيلة جدا، أو العرجاء أو المشوهة، وما شابه ذلك من المواشي المعاقة.. لذا أطلق على السوق اسم ( سوق العرج )..
وقد راعى ( قانون صنعاء ) مسألة الرفق بالحيوان ونصت إحدى مواده على رعاية هذه المواشي في سوق ( العرج ) وشراء أعلافها ومداواتها بيطريا من أموال الوقف التي حدد القانون جزءا معينا منها لصالح هذا السوق..
وكما يقول الأخ ساري فقد ذكرت الموسوعة اليمنية الصادرة عن مؤسسة العفيف الثقافية أجزاء من نصوص (قانون صنعاء) نقلا عن دراسة الباحث الفرنسي الدكتور " فرانك ميرمين " الذ يقول في دراسته: ويعد (قانون صنعاء) أول نص يعطينا مؤشرات مفصلة عن تنظيم إدارة المدينة والسوق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين)..
وقد حدد القانون ونظم ادارة السوق بتوصيف وظائف المشرفين على ادارته وحمايته وتنظيمه وجعلهم مراتب (كانت الوظيفة الرئيسية لشيخ مشائخ السوق ضبط الموازين والمكاييل، وكان عليه التفتيش على كل سوق لفرض احترام القواعد الخاصة بالمكاييل.. وفي حال الغش كان الشخص المسؤول، وشيخ السوق المعني، مسؤولين معا أمام شيخ المشائخ الذي يستطيع استدعاءهما إلى العامل " المسؤول الحكومي عن السوق " وهكذا كان كل سوق فضاء يمارس فيه أصحاب حرفة معينة نشاطا محددا تحت سلطة شيخ أو عاقل وتسمية الشيخ أكثر الكلمات استعمالا في (قانون صنعاء) في حين أن تسمية عاقل وحدها ماتزال مستعملة اليوم..
ويحدد القانون أيضا المسألة الأمنية للأسواق (شيخ الليل مسؤول عن حراسة الأسواق منذ الغروب، وتحت مسؤليته مجموعة من الحراس المسلحين (بالعصي) وكانوا فيما مضى يتمركزون في أبراج الحراسة المنتشرة على أسطح الدكاكين، أما اليوم فيتجولون في شوارع السوق.. وتمتد مسؤولية شيخ الليل من الغروب وحتى الفجر..
ويبقى عاقل الحرس في أكبر هذه الأبراج (الطيرمانة) للمراقبة، وهي التي تشرف على أكثر الأسواق ازدهارا (سوق البز)، ويقابل سمسرة محمد بن الحسن، والتي كان يستخدمها التجار لإيداع نقودهم وبضائعهم..
كما ينص القانون على أن الحمالين في سوق الحبوب وسوق الحطب، يجب أن يحرسوا مداخل المدينة (الأبواب) وكذلك الفتحات الموجودة في السور لتصريف مياه الأمطار (السيول)
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |