 |
-
زحمة» دبلوماسية غربية عند المرجع الشيعي اللبناني لـ«استشراف الوضع العراقي»
بيروت: ثائر عباس
تشهد دارة المرجع الشيعي اللبناني الشيخ محمد حسين فضل الله في محلة حارة حريك، بضاحية بيروت الجنوبية، «زحمة» زوار من الدبلوماسية الغربية منذ فترة غير قصيرة. فالسفير الفرنسي فيليب لوكورتييه زائر دائم، وسفير بريطانيا جيمس وات زاره اخيراً وكذلك فعل سفراء اسبانيا واليابان وبلجيكا والنرويج، بالاضافة الى ممثلي مراكز ابحاث متخصصة بتقديم الشورى لبعض المسؤولين في دول غربية اخرى كأستراليا.
والاسئلة التي يطرحها هؤلاء على المرجع الشيعي المعروف بانفتاحه، هي كما يقول القريبون منه تكاد تنحصر بالوضع العراقي. وهؤلاء يحاولون معرفة كيف يجب ان يعملوا في العراق؟ وكيف سيكون الوزن المستقبلي للشيعة في المنطقة؟
اما الاميركيون، فهم يبتعدون سياسياً، لكنهم يقتربون اعلامياً. وتجدر الاشارة الى ان وفداً من رجال الاعمال ومديري التحرير في صحف اميركية حاول لقاء فضل الله في لبنان عام 1995، غير ان وزارة الخارجية الاميركية منعتهم بحجة ان لبنان «بلد غير آمن». لكن هذه الوزارة لم تعارض الاسبوع الماضي زيارة قامت بها مجموعة من الصحافيين الاميركيين أمضوا معه نحو ساعتين. وقد خص الشيخ فضل الله «الشرق الأوسط» بالتفاصيل الكاملة لهذا الحوار، علماً بأنه رفض في مستهله الحديث عن دور «حزب الله» في لبنان. وقال: «اعتقد ان حزب الله موجود في لبنان ويمكن لهم ان ينقلوا اسئلتهم اليه، لأنني لست ناطقاً باسمهم. واني اعبر عن رأيي بالاشياء التي تتصل بنظرتي للاحداث بشكل عام. ولا اتحدث عن رأيي في اي وضع لبناني او فريق لبناني».
* ما هو موقفكم بالنسبة الى دور الاسلام في السياسة؟
ـ نحن نعتبر ان السياسة ترتكز على اعطاء الانسان الفرصة لأن يعيش العدالة بين افراده. وعلى ضوء هذا فالعدالة هي الاساس الذي ترتكز عليه كل الاديان، لأن الدين انطلق حسب اعتقاد اصحابه حتى يعيش الناس العدالة في ما بينهم، عدالة القانون والحكم والحاكم والناس مع بعضهم البعض... لأن الدين يقول للإنسان: اذا كنت تؤمن بالله وتحب الله، فعليك ان تؤمن بالانسان وتحب الانسان. ولذلك فنحن نعتبر السياسة جزءاً من الدين، لأن الدين لم يصنع للسماء وانما صنع للأرض، فقد جاء الدين لخدمة الانسان ولم يأتِ الانسان لخدمة الدين. ولذلك فالانسان المنتمي الى دين ما من حقه ان يشارك الناس في ما يفكرون به في القضايا السياسية العامة بإخلاص. وليس لنا ان نطرده من دوره الانساني. ونحن نعتبر ان الرجال المتدينين او رجل الدين هو انسان كبقية الناس يملك ثقافة دينية، ولكنه لا يملك عصا الله في الارض. * بحكم مرجعيتك الدينية، هل تشجع او توافق في العراق على مقاومة السيد مقتدى الصدر العسكرية ام تفضل آراء المراجع؟
ـ نحن كأناس نؤمن بحرية الانسان نرفض الاحتلال من اي بلد جاء وعلى اي بلد آخر حل. وأحب نقل الحوار مع مراسل «واشنطن بوست» حين سألني: بماذا تنصح الرئيس (الاميركي جورج) بوش اذا التقيته؟ قلت له على الرئيس الاميركي ان يحدق جيداً في الصباح بتمثال الحرية ليعرف ان الشعوب تحب الحرية كما يحبها الشعب الاميركي فلا يضغط على حرية الشعوب.
نحن لسنا مع الاحتلال الاميركي للعراق. ونعتقد ان السيد مقتدى الصدر لم يكن من خطته الدخول في العنف، ولكن طريقة الحاكم المدني (بول) بريمر في العراق، من خلال استفزاز الصدر هي التي دفعته الى ذلك. نحن نعتقد ان اميركا بلد يملك ان يحتل ولكنه لا يملك معرفة ادارة المحتل. ولذلك انتقلت الادارة الاميركية من خطأ الى خطأ. ولعل قضية تعذيب السجناء ومعاملتهم ليست الخطأ الاخير.
* كيف تستعيد اميركا سمعتها بعد الذي شاهدناه من صور التعذيب والاهانة؟
ـ نحن نعتبر ان الاحتلال هو اعلى انواع التعذيب، لان التعذيب الذي يثيره الاعلام هو تعذيب افراد. اما الاحتلال فهو تعذيب شعب باكمله. ونحن نتساءل: لماذا وقفت اميركا بكل حلفائها وقوتها ضد احتلال السوفيات لافغانستان، ألأنها اعتبرت ان الاحتلال شر لا بد للعالم ان يقف ضده؟ وعلينا توضيح حقيقة، اؤمن بها كما يؤمن بها الكثيرون، وهي اننا نفرّق دائماً بين الادارة الاميركية والشعب الاميركي. ونحن نريد ان نكون اصدقاء الشعب الاميركي. ونعتقد ان الكثيرين من العرب والمسلمين اصبحوا مواطنين اميركيين. وانا ارسل لهم رسائل دائمة للحفاظ على أمن الانسان الاميركي وان يشاركوا الاميركيين في كل قضاياهم الحيوية، وان لا يعيشوا في اميركا كغرباء عن الشعب الاميركي بل كمواطنين يتعاونون مع الشعب الاميركي في القضايا الحيوية لاميركا. نحن مشكلتنا مع الادارة الاميركية. * هل برأيكم يتغير الوضع اذا انتخب الرئيس (جورج) بوش مرة اخرى؟ ـ عندما ادرس عقلية بوش الذي يرى نفسه هو المسيح الثاني في العالم فإني لا انتظر منه ان يفكر بطريقة موضوعية وعقلانية. فبوش يرى انه الرجل الذي ارسله الله للعالم حتى يستطيع حكم العالم ونشر القيم في العالم. اني اتصور انه لا بد ان يعرض الرئيس الاميركي على اطباء نفسيين قبل انتخابه، مع كل احترامنا له لاننا نحترم المرض والمريض.
* منذ 11 سبتمبر (ايلول) وهاجس الرئيس بوش هو الارهاب والعمليات الانتحارية، مما ادى لتوتر بين اميركا والفلسطينيين، على المستوى الديني. هل تعتبر العمليات التي تستهدف مدنيين استشهادية؟ـ لقد كنت اول شخصية اسلامية في العالم اصدرت بياناً وفتوى بعد 4 ساعات من احداث 11 سبتمبر (ايلول)، وقلت هذا عمل لا يقبله عقل ولا دين وان هذا ليس عملاً استشهادياً بل هو عمل انتحاري مرفوض.
نحن لا نؤمن بقتل المدنيين على اساس سياسي في غير حالة حرب. ولذلك استنكرنا بعد ساعة من تفجيرات مدريد. وأصدرت فتوى بأن هذا العمل محرم شرعاً. ونحن نرفض هذه الاعمال جملة وتفصيلاً. اما قضية العمليات الاستشهادية فتحتاج الى تفصيل ومنه: ان اسرائيل تملك اقوى الاسلحة في المنطقة وهي تستعمل طائرات «إف 16» ضد المدنيين في غزة، فتطلق الصواريخ من الطائرات حين تريد اغتيال شخص او اعتقاله وعلى شارع مزدحم بالسكان، ان اسرائيل تدمر بيوت الفلسطينيين على مستوى العقوبات الجماعية ولو كانت عائلة من عشرة اشخاص وخرج احدهم في احدى العمليات ضد اسرائيل فما ذنب التسعة الباقين من الاطفال والنساء والشيوخ حتى يشردوا في ايام البرد القارس؟ ولهذا وصل الفلسطينيون الى درجة اليأس ورأوا ان عليهم تحدي اسرائيل لتمتنع عن ذلك فكانت واسطتهم العمليات حيث يتحول الانسان الى قنبلة تسقط الأمن الاسرائيلي.
* كمرجع شيعي، وبعد سقوط صدام، هل ترى فرصاً في العراق؟ـ ان العراقيين يمتلكون قدرات جيدة، لان الشعب العراقي شعب مثقف وحضاري وليس بدائياً. والعراق يختلف عن افغانستان ـ مع احترامنا للشعب الافغاني ـ ففي العراق مئات العلماء المتخصصين ممن لا نجد مثلهم في العالم العربي كله. لهذا اعتقد ان الامر عندما يُترك للعراقيين سيثبتون العكس لما يتصوره الكثيرون. لقد عاش العراق تجربة حكم مستقر في العهد الملكي ـ مع وجود تحفظات حوله ـ ولذلك هو يملك تجربة الادارة والحكم ويملك الامكانات العلمية والثقافية بشكل جيد. الشعب العراقي ليس شعباً بدائيا. والعراقيون قادرون، بامكاناتهم الفنية والعلمية، ان يعمروا بلادهم، وليسوا بحاجة للشركات الخارجية في هذا المجال.
* هل تعتقد ان الاسلام هُمِّش بسبب الظروف السياسية، حيث تركزون على القضايا الدينية ولا تلتقون بالآخرين كالبابا مثلاً؟ـ اعتقد ان الاسلام يملك في تكوينه الثقافي والديني والفكري الدخول الى العالم من موقع الحوار. ونحن عندما نقرأ القرآن نجده كتاب الحوار مع كل الاشخاص الذين يخالفون الاسلام في الرأي. وهناك آية تتحدث عن اختيار الاساليب التي تحوّل الاعداء الى اصدقاء. ولو قرأتم تصريحات المسلمين ورجال الدين لرأيتم رفضهم لهؤلاء الذين ينفذون اعمال التفجير والاساليب العنيفة... فملاحظتنا على الجو الذي اثير في الغرب واميركا ضد المسلمين والعرب بعد 11 سبتمبر انه ليس عادلاً، لان معظم المسلمين والعرب الذين يعيشون في اميركا مخلصون لها ولمواطنيتهم... فالعدالة ان لا تأخذ شعباً بأفراده.
* زعم الرئيس بوش ان ما حصل في السجون العراقية لا يمثل الاميركيين كشعب، فما رأيك باعتذار الرئيس بوش وقوله؟ـ انه اعتذار غير دقيق، فمن قاموا بهذه الاعمال نفذوها بأمر من رؤسائهم، وبعلم زعمائهم وباشراف الاستخبارات العسكرية الاميركية. والصليب الاحمر نبه المسؤولين الاميركيين والحاكم المدني منذ نوفمبر (تشرين الثاني) لما يحصل. القضية ليست مسألة قضاء لنحولها ادارية. انها مسألة جهاز اشرف على هذا الجو. وهو جهاز عسكري ومدني لان بريمر كان يعرف ذلك منذ البداية ولم يقم بعمل. ولعل مشكلة بوش ان هذه الاعمال تعطي فكرة عن ان الشعارات الاميركية غير واقعية لانها تدل على ان اميركا لا تدين بحقوق الانسان. فهؤلاء يمثلون الاجهزة الاميركية. ان الشعب الاميركي ليس كذلك، بل ان الادارة هي التي تقدم هذه الصورة عن السياسة الاميركية. ونحن نعتقد ان الشعب الاميركي فيه قيم انسانية وفيه مثقفون واناس خيّرون. ولكن هذه الادارة لا تشرّف الشعب الاميركي. ليعرف الشعب الاميركي كيف ينتخب شخصاً يمثل قيمه الانسانية. وهو ما نفكر به خطأ او صواباً على الاقل ولكم التفكير.
* هل يجب استقالة بوش؟ـ نعم، باعتبار انه القائد الاعلى للجيش.
* بعد رحيل صدام، هل ستزور العراق، وما موقفكم من العلاقة بين مراجع المدن المقدسة الشيعية؟
ـ سنة 1985 قام وليم كايسي (مدير الاستخبارات المركزية الاميركية وقتها) بالتعاون مع الاجهزة العربية بمتفجرة (محلة) بئر العبد (الضاحية الجنوبية) لقتلي، واليوم أقول: نريد الدخول لعراق حر، لأننا نحب الحرية.
* ماذا عن التوازن بين المرجعيتين في النجف (العراق) وقُم (ايران)؟
ـ لا اظن ان هناك مشكلة بينهما. فقُم فيها جامعة علمية يدرس فيها الناس وكذلك النجف. وليس هناك تنافس بين النجف وقم، فالسيد السيستاني وهو في النجف من اصل ايراني.
* اذا رجعت الى العراق فما ترى دورك؟ـ ولدت في العراق وعشت فيه. ودوري هو القيام بتوعية الشعب العراقي لصفة المرجعية الدينية التي نتحملها في العالم الشيعي كله لا العراق او لبنان فحسب. واني املك اتصالات مع العراقيين من كل الاصناف الذين يأخذون بفتاواي الدينية. ولهذا سأتحرك كمرجعية معاصرة منفتحة على العصر تعيش مع الناس.
* هل تستطيع تحديد النقطة الاهم في هذا اللقاء؟
ـ اننا لا نحمل اي عقدة ضد اميركا الشعب حتى لو اختلفنا معهم في بعض القضايا. ولا نحمل عقدة ضد الغرب فنحن قد نفكر بطريقة والغرب بطريقة اخرى، لكن الحوار هو الذي يقارب بيننا حتى نتفاهم ونتوحد فنحن نعترف بالآخر ونقبله. ونعتقد ان علينا العمل على اساس الحوار مع الآخر لحل المشاكل، فالعنف يعقد المشاكل ولا يحلها. ولهذا نحن لا نؤمن بالعنف الا اذا وصل لحالة الضرورة القصوى. ونحن نحب السلام على اساس العدل، وتحيتنا هي السلام، والجنة دار السلام، فالسلام متجذر في ديننا وعقولنا ـ تعالوا الى السلام الانساني من خلال الحوار الذي يجعلنا نترافق جميعاً للبحث عن الحقيقة الضائعة بيننا، وأهلاً وسهلاً بكم، والسلام عليكم.
يقيني بالله يقيني
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |