هذا مقال لمشعان جبوري عن المرحوم عبدالزهرة العثمان.
من المقال نفهم أن إتصالات من نوع ما تعقد بين عزت الشاهبندر ومشعان جبوري، فما طبيعة هذه الإتصالات، خاصة أن عزت من المحسوبين على التيار الشيعي العراقي على ما أظن
مقالة مشعان
لقد تألمت وحزنت كثيراً لاستشهاد الراحل عز الدين سليم، رئيس مجلس الحكم العراقي، وتمنيت لو أنني بقيت على المسافة البعيدة التي كنت بها عنه طيلة الفترة الماضية، وخلال وجودنا في مؤتمرات المعارضة العراقية، فقد كنت خلال السنوات الطويلة الماضية لا أحب الاقتراب من هذا الرجل، أو الحديث إليه متأثراً بما سمعته من بعض أطراف المعارضة العراقية عنه، وقد تأكّد لي فيما بعد أن كل ما قيل عنه كان افتراءً وكذباً، وأن الراحل هو على العكس تماماً من الصورة التي أراد أن يقدمها عنه البعض. فقد سمعت في الماضي أن عز الدين سليم هو زعيم لأحد أجنحة حزب الدعوة الموالي لإيران، ولأجل الدقة فإن ما كان يتم تداوله، أن حزب الدعوة قد انشقّ إلى عدة أجنحة منها ما بقي في العباءة الإيرانية، وكان الحزب الذي يتزعمه الراحل أحدها ويسمى حزب الدعوة الإسلامية، وهناك جناح آخر يقوده الدكتور إبراهيم الجعفري وهو ذو هوية عراقية.
هذه الصورة جعلتني لا أوجّه التحية لذلك الرجل، حتى عندما كنا زملاء في لجنة التنسيق والمتابعة، وأمضينا عدة أيام في اجتماعات متواصلة تحت سقف واحد.
لكن، حين تشرفت برئاسة جلسات مؤتمر المصالحة الوطنية الذي عقد في أربيل، والذي حضره السيد عز الدين سليم وشارك بفعالية في أعماله، وأثناء إقامتنا سوية في ضيافة السيد مسعود البارزاني في مكان واحد، أتيحت لي الفرصة للتحدث مطولاً إلى هذا الرجل الذي أجد نفسي اليوم ملزماً للاعتذار له، لأنني كونت عنه صورة خاطئة يوماً ما، فقد كان عز الدين سليم متميزاً بالتواضع والسماحة والإصغاء، وقوراً يفرض احترامه على الآخرين، ثاقب البصيرة، منفتحاً على كل الآراء، إضافة إلى أنه فيلسوف ومثقف. وما فاجأني فيه هو رغبته الشديدة في تقبّل الآخر وتبنيه لفلسفة المصالحة الوطنية الشاملة، وإشراك الجميع في المشروع الوطني، ورغبته في الصفح عن جلاديه. وحين كان يريد الحديث للتعقيب على رأي يريد أن يصحّحه أو يعقب عليه يخجلك بالطريقة التي يطلب فيها الحديث. وكان له موقفٌ متميّز من قضية اجتثاث البعث، بل إنه أحد الذين أيدوا، وبقوة،مقرّرات مؤتمر أربيل والتي طالبت بإعادة النظر بقانون اجتثاث البعث..
لقد كان عز الدين سليم رحمه الله كاتباً وفيلسوفاً ومثقفاً، ولا أنسى أبداً أنني حين كنت في استقباله لحظة وصوله إلى أربيل رأيت إلى جانبه في سيارته مجموعة من الكتب كان من بينها القرآن الكريم..
لقد ترك في أعماقي شعوراً بالألم والأسى والحزن العميق، مثلما ترك لديّ القناعة بأنّ علينا ألاّ نحكم على الآخرين من خلال ما يقال عنهم، وإنما يجب أن نقترب منهم ونعرفهم عن قرب حتى وإن صُوِّروا لنا على أنهم خصوم شديدون.
ومنذ مؤتمر أربيل، و بسبب تلك الآراء التي استمعت إليها من ذلك الرجل، فقد كنا كل صباح وأثناء تناولنا طعام الإفطار نتناقش في الكثير من القضايا الحساسة ،فكانت آراؤه مقنعة ومبنية على الكثير من الوقائع والأحداث، وكان حديثه مليئاً بروح المحبة والوطنية، وهذا ما جعلني أرى فيه واحداً من الشخصيات الإسلامية الشيعية التي كنت أتمنى أن تلعب دوراً بارزاً في قيادة البلاد، بل لطالما انتابني الإحساس والرغبة في أن أجري حواراً مطولاً معه أقدمه من خلاله للعراقيين بصورته التي رسمت في ضميري وفكري، واعتبرته من خلالها رمزاً للاعتدال والتسامح.
في الليلة التي سبقت استشهاده كنت مدعواً على العشاء عند السيد عزت الشهبندر في دمشق وكنا نتحدث عن الوضع السياسي في العراق، وعن الأشخاص الذين يمكن لهم أن يمثلوا رمزاً توافقياً لمكونات الشعب العراقي، وعندها سألني عزت الشهبندر عن الشخص الذي تنطبق عليه هذه المواصفات، برأيي، فقلت له إنني أرى أن عز الدين سليم واحدٌ ممن تنطبق عليه هذه المواصفات، وكنت أستند في ذلك، إضافة إلى انطباعي الشخصي وما كونته عنه، إلى الكلام الذي قاله عنه السيد مسعود البارزاني الذي كان يكن احتراماً شديداً للراحل، فقد كان يقول: بأنه شخص صادق يحترم الوعد والعهد..
بصورة مؤكدة إن اليد الآثمة المجرمة التي اغتالت عز الدين سليم هي عدوة للشعب العراقي ولمستقبله ولوحدته الوطنية، فالعراق اليوم أحوج ما يكون إلى شخصيات معتدلة ومهمة، مثل عز الدين سليم. وليس من شك أن المجرمين الذين قتلوه هم ذاتهم الذين قتلوا سماحة السيد محمد باقر الحكيم، الذي كان هو الآخر أحد رموز الاعتدال، وواحداً من الرجال الحريصين على وحدة الشعب والوطن..
رحم الله عز الدين سليم، وعهداً بأن القيم والمبادئ التي آمن بها وعمل من أجلها ستجد من يحمل رايتها ويعمل من أجلها... ولأولئك نمدّ يد المحبة والصداقة والرغبة في العمل المشترك، من أجل إخراج بلادنا من الوضع المعقد و السيئ الذي نمر فيه...
و إنّا لله و إنّا إليه راجعون..
http://www.alitijahalakhar.com/