محمود عثمان يقيم تجربة مجلس الحكم: إدارة التحالف كانت ترتكب الأخطاء
Jun 12, 2004
بقلم: الشرق الأوسط
بغداد: شيرزاد شيخاني
رغم انتهاء فترة ولاية مجلس الحكم العراقي لا تزال ظروف ولادته والانجازات التي حققها والاخفاقات والانتكاسات التي واجهته موضع جدل وتصورات متفاوتة، لا سيما ان المجلس منذ بداية تشكيله كان موضع شكوك من العديد من الاوساط العراقية لينتهي به الحال اخيرا الى صدور تصريحات من ادارة التحالف تتهمه بالتقصير والفشل وعدم الفعالية وهي التي شكلته من تركيبة كانت غريبة تماما عن الواقع السياسي العراقي منذ تشكيل الدولة. تميز عضو المجلس الدكتور محمود عثمان، وهو شخصية سياسية كردية مستقلة، بصراحته وجرأته في طرح آرائه. هذه الصراحة اتاحت لنا فرصة للنفاذ منها الى تقييم موضوعي لتجربة مجلس الحكم التي كانت تجربة فريدة في نوعها في تاريخ العراق السياسي.
* منذ بداية الستينات وانت تخوض في السياسة وكنت احد القادة الاكراد الذين ناضلوا طويلا من اجل مشاركة الاكراد في حكم العراق، وقيض لكم ذلك في مجلس الحكم الذي اعقب حكم صدام حسين، فبماذا خرجت من هذه التجربة؟
ـ اعتقد ان تجربة مجلس الحكم كانت فريدة في نوعها وفيها من الجوانب الايجابية والسلبية الكثير. وفي قسم من هذه التجربة تتحمل سلطة التحالف المسؤولية كما يتحملها مجلس الحكم. في البداية جاءت فكرة تشكيل المجلس بالتشاور بين الاطراف الخمسة الفاعلة في العراق وهي الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني والوفاق الوطني والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية والمؤتمر الوطني والجانبين الأميركي والبريطاني، ثم رشحنا نحن لعضوية المجلس. والخطأ الذي ارتكبه هؤلاء الخمسة انهم شكلوا المجلس من دون ان يعرفوا الصلاحيات الممنوحة له، واقصد صلاحيات مكتوبة وموقعاً عليها. فقد تسلمت ورقة مطبوعة بالآلة الطابعة فيها بعض الصلاحيات لكنها لم تكن موقعة من احد، والجميع دخل المجلس من دون ان يعرف مدى صلاحياته، وبالطبع فان الطرف الآخر ما دام غير مقيد بالتزامات مكتوبة فانه سيعطيك الصلاحيات حسب هواه وتصوره، فاحيانا يعاملك كشريك فيعطيك بعض الصلاحيات، واحيانا لا يعاملك كذلك، وهنا بدأ الخلل يظهر، ما اثر على مسيرة المجلس خلال السنة الكاملة من عمره. اضف الى ذلك ان المجلس كان مكونا من 25 عضوا عرفنا بعضهم ونحن في المعارضة وآخرون التقيناهم لأول مرة في المجلس والوقت لم يكن كافيا ليفهم بعضنا الآخر حتى تتوحد مواقفنا داخل المجلس، ثم ان المجلس تشكل بعد اشهر من سقوط صدام، حيث كانت عمليات السلب والنهب والخلل الأمني والاداري والوضع المعاشي فورثنا تركة ثقيلة جدا من الفوضى والارتباك، كل ذلك الى جانب ان إمساك الادارة الأميركية بالملف الأمني والسيطرة على الاعلام والمالية، كل ذلك خلق لنا مشاكل كبيرة منذ البداية.
ومع كل ذلك فان المجلس حقق بعض الانجازات رغم انه تعرض الى ظلم كبير، فتشكيل الوزارة بحد ذاته كان انجازا، وتشريع قانون ادارة الدولة ومنع دخول الجيش التركي الى العراق واستعادة مكانة العراق في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومنظمة اوبك والامم المتحدة وغيرها كل هذه انجازات تحسب للمجلس، اما الاخفاقات فهي موجودة ايضا، فان الكثير من اعضاء المجلس لم يكونوا مواظبين على الدوام بسبب كثرة سفراتهم الى الخارج، وهم لم يلتقوا بالجماهير ليسألوهم عن مشاكلهم والتعرف على همومهم بشكل مباشر، وقد يعود سبب ذلك الى الاوضاع الأمنية المتردية خلال تلك الفترة.
المهم اننا عانينا من اخطاء الادارة الأميركية في العراق ابتداء من مداهمة البيوت والمدن والتجاوزات الاخرى الى حل الجيش والمؤسسات الاخرى، الى كل الخطوات غير الصحيحة للادارة الأميركية التي كنا نضطر لدفع ثمنها لأننا في رأي الناس شركاء لهؤلاء، فعندما لا نستطيع في المجلس حل مشكلة نقع في مأزق وتشملنا دائرة الاتهام لأن اسم مجلسنا ببساطة هو مجلس الحكم وكان اسما على غير مسمى.
* اذن انت تتهم ادارة التحالف بالاخفاقات التي حصلت؟
ـ عندما تعجز القوات الأميركية بكل حشودها في العراق عن معالجة مشكلة ما فانهم يتهمون مجلس الحكم. كلنا يتذكر الحملة التي شنتها الصحف الأميركية علينا في نهاية العام الماضي وبداية هذا العام قبل اصدار قانون ادارة الدولة ووصفها لمجلس الحكم بـ«الفاشل»، واجبناهم في حينه ان المشكلة الاساسية هي في الملف الأمني الذي يرفضون تسليمه لنا، طالبناهم ايضا بان يكون الاعلام تحت سيطرتنا فرفضوا ذلك ايضا وقاموا بصرف 180 مليون دولار على الاعلام ولكن من دون فائدة ملموسة. طالبناهم ايضا بان تكون هناك شفافية في صرف الاموال في العراق، لكن هذه الشفافية كانت ضعيفة جدا، طالبناهم بان تكون ادارة بعض المدن بيد العراقيين فرفضوا ذلك، طالبناهم بوضع السجون تحت ايدينا فرفضوا ذلك فكانت فضيحة سجن ابو غريب. طالبناهم بإعادة المفصولين السياسيين الى وظائفهم وتعويض المتضررين من سياسة صدام وكانوا بحدود 71 ألف شخص فكان جوابهم بنصف سطر على ورقة يقول «لا توجد ميزانية» وهذا يعني ان 71 ألف شخص ينتقدون مجلس الحكم. اعطيك مثلا آخر، كان السيد بول بول بريمر (الحاكم المدني) يزور بعض المدن ويأمر، بجرة قلم، بصرف 50 مليون دولار للمشاريع هناك، ونحن قمنا بزيارات الى بعض المناطق ولم تكن لنا صلاحية صرف اي مبلغ ولو كان صغيرا. لهذه الاسباب كلها شكلنا لجنة من مجلس الحكم لتدوين كل التفاصيل خلال السنة المنصرمة من عمره حتى نوثق هذه التجربة للتاريخ ولمن يريد ان يعرف كل ما جرى خلال العمل داخل هذا المجلس، ونأمل ان يتم هذا بشكل واضح للتوثيق.
* كل هذه السلبيات تحدثت عنها وهي كانت موجودة امام الجميع، فماذا كان موقف الآخرين من اعضاء المجلس مما كان يجري؟
ـ عند تشكيل المجلس وبعد بضعة اسابيع قلت لزملائي الاعضاء «يا اخوان اتحدوا، اطلبوا صلاحيات اكبر لأن الأميركيين قد يريدون ان يجعلوكم شماعة يعلقون عليها اخطاءهم»، وقلت لهم ان علينا ان نفهمهم باننا شركاء وأي قرار يصدر يجب ان يوافق عليه الطرف الآخر، ولكن هذا لم يحصل، وفي المحصلة فاننا كنا شركاء حقا في الامور السيئة، أما الامور الجيدة فكانوا ينسبونها الى انفسهم في كثير من الاحيان.
* نستشف من حديثك ان عدم اعطاء الصلاحيات للمجلس كان متعمدا، فماذا عن التشكيلة البديلة عن المجلس، بمعنى هل سينسحب الوضع ذاته على العلاقة بين الأميركيين والحكومة الحالية؟
ـ الحكومة الحالية ستتمتع بسيادة اكدها قرار من مجلس الأمن، حول ذلك وسوف ينتهي حكم الاحتلال وتبقى بعض القوات الأميركية، ولكن ستكون هناك سفارة اميركية كبيرة جدا، ونأمل ان يأخذ الأميركيون عبرة من تجربة مجلس الحكم وان تكون للحكومة الجديدة صلاحيات كاملة. ونحن لا نعرف مدى تأثير بقاء هذه القوات والسفارة على الاحداث، ولكن نأمل ألا تكون هناك اخفاقات كما في السابق، ولا نعرف ايضا ماذا تفعل الحكومة مع وجود 140 ألف جندي أميركي في العراق وهل سيبقى هؤلاء الجنود يتمتعون بحصانة كاملة وبمنأى عن المحاسبة يقتلون ويعذبون كيفما يشاءون، فهذه الامور تؤثر بالطبع على السيادة وعلى عمل الحكومة الجديدة التي اعتقد ان عليها ان تبحث وتحل هذه الاشكالات قبل تسلمها السلطة رسميا، وفي كل الاحوال نتمنى للحكومة الجديدة كل التوفيق والنجاح.
* صرح الدكتور عدنان الباجه جي في بعض وسائل الاعلام انه تعرض الى مؤامرة من قبل بعض اعضاء المجلس في مسألة انتخابه لرئاسة الدولة وان اعضاء في المجلس حاربوه، فأين الحقيقة من وجهة نظرك؟
ـ هذا غير دقيق. لقد رشح الدكتور الباجه جي نفسه، والشيخ غازي الياور لم يرشح نفسه، بل رشحناه نحن اعضاء المجلس، اي كان هناك مرشحان، فلا الأميركيون ولا السيد الاخضر الابراهيمي رشحوا احدا للمنصب، وكان المقترح ان يتنازل احدهما للآخر او نطرح هذا الترشيح على التصويت، لكن الأميركيين لم يحبذوا التصويت لأن الاكثرية من اعضاء المجلس كانوا مع الياور، والدكتور الباجه جي قال ان هذا ليس من صلاحيات المجلس، وكان الأميركيون والابراهيمي يضغطون علينا ضد الشيخ الياور باتجاه ترشيح الدكتور الباجه جي وكنا ننتقد هذا الموقف منهم، وكان من الافضل له ان ينسحب من منافسة الياور لأن الاغلبية كانت معه، وجاء اصرار اعضاء المجلس على الياور بعد ان لاحظوا ان الباجه جي يستند إلى دعم الأميركيين والابراهيمي مما خلق نوعا من رد الفعل العكسي داخل المجلس مع ان الدكتور الباجه جي شخصية وطنية معروفة، فلا توجد اية مؤامرة ضده وقد اتصل به اياد علاوي ونصير الجادرجي وجلال طالباني ومسعود بارزاني وغيرهم للانسحاب من الترشيح لكنه لم يفعل.
* كان الباجه جي المرشح الاوفر حظا في البداية، فهل طرحتم اسم الياور منافسا له متعمدين ابعاده عن الفوز بالرئاسة؟
ـ كنا نفضل الشيخ الياور وهذا لا يعني اننا لا نريد الباجه جي، وحين طرحنا اسم الياور للتصويت نال الاكثرية الساحقة.
* كانت لديكم مطالب بإدراج قانون ادارة الدولة العراقية ضمن القرار الأخير لمجلس الأمن حول نقل السيادة الى العراقيين، ولكن هذا لم يحدث؟
ـ على الحكومة المقبلة ان تسعى لتطبيق هذا القانون، وهناك وعود حول هذا القانون المفروض ان يوفوا بها. واعتقد بان ضعف الاستجابة لمطالبنا في هذا الشأن جاء لمراعاة موقف السيد علي السيستاني والدول العربية وايران وتركيا بالاضافة الى مراعاة موقف المانيا وفرنسا وروسيا، وكنا نتوقع ان تعارض بعض الدول ذلك، لكن ما لم نكن نتوقعه هو معارضة أميركا وبريطانيا لأنهما شاركتا معنا في صياغة القانون.


==========================================

أتمنى أن نقرأ دراسات موضوعية أكثر عمقا" لأداء مجلس الحكم وتجربته... ونخرج بنتائج قد تفيدنا ..