لن ننجر إلى محرقة الفتنة الطائفية
كتابات - ضياء الشكرجي
لطالما جرى الحديث عن كون الشيعة يمثلون الأكثرية في العراق – وهذا يمثل حقيقة لا يمكن إنكارها على أي حال -، ولطالما اختلف ما إذا كانت هذه الأكثرية تمثل 60% فقط أم تمثل 75% أم نسبة بين النسبتين، أم دون الستين بالمئة إلى ما يمثل أكثرية نسبية قد لا تتجاوز الخمسين بالمئة إلا قليلا. ولطالما ارتفعت أصوات بتثبيت حقوق الأكثرية، فقلت فيمن قالوا لسنا مع تثبيت حقوق خاصة للشيعة، بل نحن مع تثبيت حقوق العراقيين جميعا، بحيث لا تضيع حقوق الأقلية التي لا تتعدى الـ 3% أو دون ذلك، وعندها يكون من باب أولى أن تحفظ حقوق الأكثرية. وقلت فيمن قالوا ليس المهم من يكون رئيسا للدولة أو للحكومة، بل المهم أن يكون الحكم الفصل لصناديق الاقتراع وللآليات الديمقراطية، والتطبيق الحقيقي للديمقراطية ونزاهة الانتخابات، فلو شاءت الأكثرية أن تعطي صوتها لمن لا ينتمي إليها، فيكون الرئيس أو رئيس السلطة التنفيذية أو الحكومة ربما – ولو من قبيل الفرض – من غير الأكثرية، ولكن بإرادة الأكثرية، إذا ما أعطت أكثرية الأكثرية مع أكثرية الأقليات الأخرى سوية وبالنتيجة أكثرية الشعب العراقي صوتها لمن هو أو لمن هم من غير الأكثرية. وهكذا يمكن أن تؤول نتيجة الانتخابات لغير مصلحة الأكثرية، ولا أقول ليس من وسطها، لأن ما لا يكون من وسطها لا يجب بالضرورة أن يكون في غير صالحها، وذلك ما إذا تشتت هذه الأكثرية في شتات غير موحد وتحولت من أكثرية إلى أقليات صغيرة، وتوحدت بالعكس أقلية أو قل أكثرية بدرجة ثانية رغم تناقضاتها الداخلية. المهم في كل الأحوال أن تحترم أكثرية الناخبين وليس الأكثرية المذهبية أو الأكثرية القومية أو الأكثرية السياسية. يجب أن نصرّ على أن الديمقراطية وآلياتها وقوانينها وحدها هي التي تحسم الأمر. ثم لطالما قلت لا تدعونا نستغرق في قول من يمثل الأكثرية، الشيعة أم السنة، بل لنطرح الأسئلة المنصفة على أنفسنا، وهي من الذين شكلوا الأكثرية من ضحايا المقابر الجماعية؟ من الذين شكلوا الأكثرية من ضحايا السجون والتعذيب والمشانق؟ من الذين شكلوا الأكثرية من ضحايا التهجير ومصادرة الأموال والأملاك؟ من الذين شكلوا الأكثرية ممن وقفوا بوجه الديكتاتورية الصدامية البعثية الفاشية؟ من الذين شكلوا الأكثرية من الذين اضطروا للهجرة من الوطن إلى مواطن الاغتراب والهجرة بسبب معارضتهم للنظام أو بسبب ملاحقة النظام لهم لأسباب سياسية أو غير سياسية؟ ثم من هم الذين شكلوا الأكثرية من الذين وقفوا مع النظام؟ ومن هم الذين شكلوا الأكثرية من الذين أعلنوا تأييدهم للنظام ولصدام وهتفوا له "بالروح بالدم ..." بعد سقوطهما؟ ومن هم الذين شكلوا الأكثرية من الذين تملكوا الأموال والأملاك المغصوبة من أهلها الشرعيين شراءً أو هدية من النظام بغير حق؟ ثم أو بعد كل ذلك تحاك المؤامرات لتبعيث وطوأفة المؤسسات السياسية والعسكرية والمخابراتية من جديد؟ أقول هذا كله بعيدا عن كل حسّ طائفي، ولكن ابتعادنا عن الحسّ الطائفي لا يعني التفريط بحقوق طائفتنا، إذا ما جرى التآمر عليها، بل لا بد أن نكون يقظين من أجل ألا نذبَح وتذبَح حقوقنا من جديد، وتذبَح أحلامنا، ويذبَح مستقبلنا ومستقبل الأجيال المقبلة، لأننا لا نرضى أن تذبَح حقوق إخواننا في المواطنة من تركمان أو كلدوآشوريين أو صابئة أو إيزيديين وغيرهم، ولا نؤكد على رفض مصادرة حقوق الأكثرية، إلا من موقع أنه إذا ما تم التجرؤ على مصادرة حقوق الأكثرية، كان التجرؤ على مصادرة حقوق الأقليات أيسر، إضافة إلى وجوب الالتزام بالقاعدة الإنسانية العقلائية "الأقربون أولى بالمعروف" وبالتالي أولى بالدفاع عن حقوقهم، مع تأكيد أننا أول المدافعين عن حقوق إخواننا السنة، إذا ما اعتدى عليها معتد، شيعيا كان أو من أي طائفة أو مذهب أو ملة.
إضافة إلى كل ما مر ذكره لطالما جرت وتجري محاولات جرّ الشيعة إلى محرقة الفتنة الطائفية التي يخطط لها الزرقاويون والصداميون ومن على شاكلتهم. فالقتل البشع الأسبوع الماضي لعدد من الشيعة على أيدي مجرمين سلفيين طائفيين في الفلوجة لا يبرر لنا أن ننجرّ إلى محرقة الفتنة الطائفية، كما إننا رفضنا أن يجرنا البعض منا ومن غيرنا إلى محرقة ما يسمى بمقاومة الاحتلال، ونحن أهل رفض الاحتلال، ونحن أهل النضال من أجل استكمال السيادة الوطنية غير المنقوصة.
أما إذا قال قائل إنه قد تبينت طائفية أكثر سنة العراق، وكما تبين تعاطف الكثير منهم مع البعث، أو يقول إن هناك تحالفا ثلاثيا أول أقطابه البعثيون صداميون، وثانيها الأصوليون السلفيون، وثالثها الطائفيون من السنة، فأقول إنه من الكفر الوطني أن نعمّم ذلك على جميع سنة العراق. فمعظم سنة العراق معتدلون، طيبون، غير طائفيين في تقديري. ثم حتى لو افترضنا ان أكثرية السنة في العراق طائفيون، معادون للشيعة، متآمرون عليهم، متعاطفون مع صدام ومع السلفية الطائفية، حتى لو لم يكونوا أنفسهم من السلفيين، أقول حتى لو افترضنا صحة هذه الدعوى التي لا أمؤمن شخصيا بدقتها، فإننا غير مسموح لنا أن ننجر لمحرقة الفتنة الطائفية، لأننا لا نريد ان نخسر أخـُوّة إخوانا السنة الطيبين المعتدلين غير الطائفيين، حتى لو افترضنا أنهم يمثلون الأقلية منهم - وهم بالتأكيد لا يمثلون الأقلية -، لأنه مع فرض أنهم يمثلون أقلية، لا تستحق هذه الأقلية المفترَضة أن نخسرها، ولا يستحقون أن نظلمهم بأخذهم بجريرة غيرهم الممثلين على هذا الفرض الأكثرية منهم، نعم حتى لو افترضنا أن هذا الغير يمثل الأكثرية، لا يمكن أن نرضى بأخذ أقلية بريئة طيبة بجريرة أكثرية خبيثة جاهلة، لأن ذلك عين الظلم، والظلم أبغض المبغوضات عند الله تعالى وعند كل إنسان يعي إنسانيته. ثم أؤكد بأني واثق من أن أكثرية السنة ليسوا مع هؤلاء الدمويين. ولكن أعود وأقول، مع فرض ما قد يفرضه البعض، ومن قبيل أن فرض المحال ليس بمحال، ومن قبيل أن ما أفرضه محالا قد لا يفرضه غيري محالا، أو قد لا يكون من الناحية الفعلية والواقعية محالا، تبقى الفتنة الطائفية خطا أحمر مرفوضا رفضا قاطعا.
هناك ممن التقيتهم قالوا لم نكن طائفيين من قبل، ولكن الواقع الذي عشناه عن قرب في داخل العراق من بعد سقوط الصنم اضطرنا إلى أن يكون لدينا ثمة حس طائفي. فأقول من حقنا أن نقلق على حقوق طائفتنا، ومن حقنا أن نكون حذرين من تمرير المؤامرة على حقوقهم من جديد،ـ ومن حقنا أن نستكنر الفعل الطائفي من فئة من الطائفة الأخرى، ولكن أبدا ثم أبدا ليس من حقنا – كما أرى – أن يكون رد فعلنا على فعل البعض منهم ضدنا جميعا رد فعل طائفيا ضدهم جميعا، طائفييهم ولاطائفييم على حد سواء، بل حتى ضد المقترفين للجرائم الطائفية الذين لا بد من أن نواجههم ونحمي أنفسنا منهم، لا نريد أن نكون طائفيين، بل نواجههم كمجرمين وكإرهابيين، نعم وكطائفيين ولكن ليس كسنة والمعاذ بالله، فهذا برأيي كفر بالثوابت الوطنية، إضافة إلى أنه مما لا يرضاه الإسلام، ولا يرضاه منهج التشيع الذي ربانا عليه أهل البيت عليهم السلام.
أما دعوات الوحدة بين السنة والشيعة، فهي دعوات تنم عن إحساس عميق بالمسؤولية الوطنية، وعن وعي عميق بالمسؤولية الإسلامية على حد سواء، ولكننا لا نتفاعل مع دعوات وحدة الإرهابيين والمتطرفين والمخربين من الطائفتين، أو وحدة الأصوليين المنغلقين الإقصائيين منهما، بل نريدها وحدة على أساس البر والتقوى، وعلى أساس الاعتدال والوسطية والعقلانية، وعلى أساس قيم الإسلام الإنسانية، وعلى أساس المشترك بيننا وبين كل أطياف أبناء الوطن، سنة وشيعة، علمانيين وإسلاميين، مسلمين ومسيحيين وصابئة ويزيديين، عربا وأكرادا وتركمانا وكلدوآشوريين، ألا هي مشتركات الحرية والديمقراطية، والبناء والتنمية، والاستقلال والسيادة الوطنية، والأمن والسلام.
=============
المصدر:
================
http://www.kitabat.com/r21787.htm