 |
-
نماذج من أدب التسقيط في خطابنا السياسي - ضياء الشكرجي
نماذج من أدب التسقيط في خطابنا السياسي - النموذج الثاني – ج 1
هل سنتعلم كيف نتخاصم حضاريا؟
هل سنتعلم بأن وجود اختلاف بيني وبين الآخر لا يعني بالضرورة أنني وحدي الوطني وهو الخائن
أو أني وحدي الواعي والآخر السطحي الساذج
وأني وحدي المستقيم والآخر هو المنحرف
وأني الموضوعي والآخر اللاموضوعي
وأني المنفتح والآخر المتعصب المنغلق المتحجر
أنا التقدمي والآخر الرجعي
وأني أنا المؤمن والآخر الفاسق الفاجر
أو أني وحدي الأصيل وهو الهجين الفاقد لأصالته والمتجرد من هويته
وأني وحدي الذي أتحرك بنوايا مخلصة وطيبة والآخر يتحرك بكل نوايا الخبث والشر
أني أنا وحدي ... والآخر ...
والقائمة تطول وتطول وتطول ...
سأختار بين الحين والآخر وحسب سعة الوقت - الذي يتصف بكل شيء إلا السعة - نماذج من خطاباتنا، كيف نتراشق، ونتشاتم، ونتخاون، ونتفاحش و...، ونفسر كل موقف وكل كلمة من الآخر بأنهما ينطلقان من نية شريرة أو وفق مؤامرة خبيثة وخطة مدبرة.
النموذج الثاني:
أحد كتاب (كتابات) والذي قدم قبل فترة تصوره حول المشروع الديمقراطي للعراق، عبر عن الديمقراطية التي يتصورها وهو ديمقراطية أصالة (المنع) في ضمن قائمة من ينبغي أن يمنعوا من المشاركة في الحياة السياسية، فأدرج ضمنا جميع الأحزاب التي تنطلق من المطالبة بالحقوق القومية للأكراد والتركمان والكلداشوريين، كما دعا إلى منع الأحزاب التي تمثل مصالح طائفة ما وبالتالي يعني منع الأحزاب الشيعية والأحزاب السنية والأحزاب الآشورية، ثم دعا إلى (كنس) الأحزاب الإسلامية والقومية من الساحة السياسية، ولا أستبعد أنه يدعو إلى كنسها من ساحة الوجود. فبعبارة (الكنس) هذه جعلنا نحن الإسلاميين – وكذلك القوميين - في خانة (النفايات)، وبالتالي عبر عن منهج الإقصاء السياسي ولوح - ولو من بعيد ولكن بوضوح - عن التصفية الفيزيائية. نفس الكاتب يطالعنا من جديد بمناقشة نداء أحد الشخصيات الإسلامية ألا هو الأستاذ جواد المالكي عضو المكتب السياسي لحزب الدعوة الإسلامية، ليعبر عن كراهته غير المحدودة للتيار الإسلامي، من خلال العبارات المعبرة عن المعاني التي تأصلت عنده في اللاشعور أو في الشعور الداخلي. وللعلم وأقولها بكل صدق بأني قد أختلف مع الكثيرين في الفكر والخط والموقف، ولكن الاختلاف لا يجب أن يتحول إلى كره وحقد أعمى، مما قد يحوله إلى موقف حاد يتسم بالعنف، الذي نخشى على مسيرتنا الوطنية منه أكثر مما نخشى من أي شيء آخر، فعنف الكلمة اليوم يمكن أن يتحول إلى عنف اليد غدا، وعنف اليد غدا يمكن أن يتحول إلى عنف السلاح بعد غد لا سمح الله. وهذا كله يمكن أن يضيع على شعبنا فرصة تنسم نسيم الحرية والتعايش والسلام والوئام.
إن الكاتب لم يميز في مناقشته بين خطاب وآخر، فأنت كشخص يساري التوجه يمكن أن توجه خطابا خاصا للتيارات المحسوبة على اليسار، ولكنك تارة أخرى تكون أكثر عمومية لتوجه خطابك إلى كل الوطنيين العراقيين. من هنا فإن النداء واضح بأنه موجه للإسلاميين العراقيين، لأنه يعالج مشكلة خلاف بين تيارين إسلاميين مهمين في الساحة، دون أن يعني هذا إلغاءً أو إقصاءً للآخرين.
ثم لا أدري من أين استل الكاتب من نداء المالكي هذا التقسيم الثنائي بقوله أن "أن السيد جواد المالكي قد قسم في ندائه الحالة المستعصية إلى قسمين: الحركة الإسلامية والحركة المعادية لها فقط وليس هنالك ثالث أو رابع". الظاهر أن البعض لا يريدون أن يفهموا الآخر من كلماته هو، بل من فهمهم وحكمهم المسبق عن ذلك الآخر، والذي يعتبرونه الحقيقة النهائية التي يمتلكونها في معرفة الآخر المعني. وإلا فليشر هذا الكاتب مشكورا إلى عبارة واحدة في النداء تؤيد المعنى الذي انتهى إليه.
ومن جديد تطفح عبارات الإقصاء والإلغاء لمن لا يتفق معهم الكاتب المحترم، فيفترض أن كل من شارك في مؤتمر لندن بأنهم من: "المتحالفين مع الأمريكان والمنفذين لسياستها الاستراتيجية." ثم يدعو في دعوته الإلغائية والتصفوية بقوله "يجب الغاؤهم وفضحهم". ونحن نعرف أن الأستاذ المالكي من المعارضين لمؤتمر لندن، وحزب الدعوة الإسلامية بشكل عام هو من المعارضين أشد المعارضة لشن حرب تستهدف الأبرياء من أبناء شعبنا والبنى التحتية للعراق، ويرفض بشكل قاطع كل أنواع الانتداب العسكري والهيمنة الأمريكية على المنطقة. وحسب قراءتي فإن المجلس الأعلى لا يختلف عن الدعوة في موقفه هذا، مع أن هناك اختلافات في التعاطي مع المشروع الأمريكي، ومع مفردات أخرى من ملف القضية الوطنية.
وعن قوله "لقد كنت أتمنى أن يكون خلاف حزب الدعوة مع هذه القوى أكثر جذرية، وأكثر شعورا بالوطنية من تفسير الأمر بمجرد خلافات سياسية طبيعية غير قابلة للتهميش أو الإلغاء" - حيث يتمنى علينا الاحتراب بلا هوادة - أقول أن الاختلاف في بعض النقاط اختلاف أساسي، ولكن هناك فرق بين أن أختلف في قضية غير ثانوية مع طرف سياسي، وبين أن أخوّن ذلك الطرف بالضرورة ثم أشن عليه الحرب، كما يشن الكاتب المذكور حربه (الكلامية حتى الآن) على كل من يختلف معهم.
ويستشهد الكاتب المحترم بقول لرسولنا محمد (ص) في فتح مكة "لا تقتلوا طفلا ولا امرأة ولا تقلعوا شجرة" ويتساءل وأتساءل معه ويتساءل كل عراقي يحترق قلبه على العراق: "فهل سيحدث ذلك في الهجوم الأمريكي المرتقب"؟ فعلا فإننا نعيش هذا الهاجس بل الخوف المشروع على شعبنا، وهذا ما يجعل الكثيرين لا ينسجمون مع المشروع الأمريكي. ولكن الكاتب لا يكتفي بهذا القدر، بل يقول عن مشروع الحرب الأمريكي: "والذي يسانده جزء من الحركة الإسلامية والتي تهون من اختلافكم السياسي معها وتدعو إلى مواجهة منتقديها وتتهمهم حتى بالنازية والصهيونية وأنت الذي يدعو في مكان آخر (لنقرأ لهم كتابات ناقدة موضوعية مؤدبة)." فأقول لهذا الكاتب الخائف بإخلاص على العراق وشعبه – وأنا خائف معه – ليس هناك تلازم بين دخول مشروع التغيير السياسي للمعارضة وبين تبني الحرب كآلية للتغيير. المشروع السياسي يريد أن يملأ الفراغ السياسي. فنحن في الوقت الذي نعبر فيه عن رفضنا للحرب، ونعلم أن أمريكا سوف لن تسمع لنا، وأن الآتي آت لا محال، لا ينبغي أن يكون رفضنا مبررا لعدم تهيئة مشروع سياسي وطني يملأ الفراغ السياسي الذي يمكن أن يحصل. وهذا يفسر معارضة الكثيرين من الدعاة (أعضاء حزب الدعوة الإسلامية) لقرار قيادتهم، لأنهم يرون الغياب عن المشروع السياسي الذي من الراجح جدا أنه سيكون الأساس الذي يؤسس عليه في المستقبل، وإن كانوا يرفضون السياسة الأمريكية في الحرب والاحتلال. القضية تشبه ذلك الذي يهيئ نفسه لوباء يتحمل غيره مسؤولية انتشاره، فهل يعني أنه إذا نسق مع المسبب لنشر هذا الوباء، إذا رأى أن مواجته محصورة في التنسيق مع المسؤول عن الكارثة للبحث عن الدواء اللازم، أن يعمم الحكم على ذلك الطرف بتسبيبه للكارثة. لنكن موضوعيين، ولننظر بواقعية إلى القضايا المصيرية، بعيدين عن مناهج الشعارات والطرح المثالي.
ضياء الشكرجي
alshakarchi44@hotmail.com
(:
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |