العامل المشترك بين الامريكان والمقاومة البعثية في العراق هو .. انهما سواسية في عدم الاهتمام باعداد القتلى من الشعب العراقي..
في مدخل حسر 14 تموز الذي يؤدي الى المنطقة الخضراء توجد اسلاك شائكة، واكياس ترابية. وهناك علامة ضخمة مكتوب عليها: "لا تدخل والا ستتعرض لاطلاق النار." الجندي الامريكي في العراق يحب ان يعرف العراقي انه مرتاح تماماً وسعيد باطلاق الرصاص على الناس.
ونقاط التفتيش في مداخل المنطقة الخضراء لا تحمي الشعب العراقي.. من المعروف انه، في مايو 17، قام انتحاري بتفجير سيارة في موكب المرحوم عز الدين سليم، رئيس مجلس الحكم الانتقالي حينذاك. وصرح وزير عراقي بان السيد سليم لم يكن ليموت لو لم يعطل الجنود الامريكان الموكب بسبب ورقة ناقصة..
وقد تعرض عامة الناس كثيراً لتفجيرات سيارات مفخخة في هذه المداخل التي يحرسها الامريكان.. يتنظر الناس وظيفة تقدم لهم لقمة العيش، فياتي ما يسمى بالمقاوم ويفجر المكان. وهنا يصير واضحاً ان الطرفين، الامريكي والمقاوم، لهما غرض مشترك، وهو تخويف عامة الناس.
وقد صار الشعب العراقي الان مستعداً للتنازل عن الكثير في مقابل شيء من الامان..
اتذكر انني منذ عشرين عاماً كنت اعشق تناول المسقوف في مطاعم ابو نواس. وهي مطاعم تضررت حين تأسلم صدام، ومنع شرب الكحوليات في الاماكن العامة.. وربما توهم اصحاب المطاعم ان تغيير النظام سيحسن الحال. ولكن شارع ابو نواس اليوم فارغ، حتى في منتصف النهار. لا تمر عبره سوى السيارات العسكرية، ويمكن دخوله من جانب واحد فقط. والشارع ينتهي بنقاط تفتيش تقود الى فندق فلسطين والشيراتون.. الاجانب في الفندق لا يجرئون على الخروج الى الشارع..
شاهدت في ابو نواس شهاب العبيدي، مدير مطعم شط العرب. الاسماك اليوم تعوم في بحيرة اصطناعية صغيرة، ومصدرها المزرعة، نظراً لتلوث مياه النهر. شهاب يشتكي من سوء الاحوال. سابقاً كان الزوار ياتون في المساء. والان المطعم يقفل الساعة 6 مساء. وقد اغراه وجود عدد لا باس به من الزبائن على التاخر ليلة.. وحين طالبهم بالحساب، ضحكوا واخرجوا المسدسات.. ولا تزال آثار النار موجودة على سقف المكان.
قريباً من فندق بغداد يوجد شارع السعدون الذي كان واسعاً قبل ان يقفل نصفه حفاظاً على أمن الفندق. حوالي 30 دكاناً تضررت وربما تضطر للاقفال. نديم الحسيني، صاحب احد هذه الدكاكين يقول: "انتهى الموضوع." اما صاحب القهوة المعروفة في المكان، فلا يزال الناس ياتون للعب الطاولة وتناول الشاي والشيشة، ولكنه يقول: "الحل السليم هو ان يترك الامريكان الفندق."
.. الحياة صارت مخيفة في بغداد.. يخاف المرء حتى من الخروج من المنزل. عمليات السرقة تحدث بشكل علني.. اللصوص يقفزون الى الحافلات ويسرقونها تحت تهديد السلاح.. علي عبد الجبار، العامل في محطة النصر، وصف ما حدث مرة: كان الباب مفتوحاً بسبب الحرارة الشديدة. فقفز اربعة رجال الى الباص. 2 وقفا في الخلف للحراسة، وقام رفيقيهما بسرقة المحافظ والمجوهرات.. لم يبلغ الناس عن السرقة لانها صارت حادث اعتيادي.
اما عمليات الخطف، فبعضها، التي تخص الاجانب، تذكر في الاعلام.. اما من يتعرض له من عامة الشعب العراقي، فلا احد يهتم بنشر الخبر.. وقد سألت ضابطاً عراقياً عن ما يمكن ان افعله لتجنب عمليات الاختطاف، فضحك، وقال: هاجر..
وهل هناك حل لهذا الوضع؟
الشعب العراقي فرح حين شاهد سيارات الشرطة العراقية القديمة، البيضاء-الزرقاء.. ولكن الناس يريدون من الحكومة الجديدة لا القضاء على العصابات والارهاب فحسب، بل اخراج الامريكان من البلاد كذلك..
ولكن الولايات المتحدة تريد تحويل العراق الى جمهورية ضعيفة، مثل دويلات جنوب امريكا في الستينات.. وهذه كانت رسالة بول ولفوتز، حين زار العراق في يونيو الماضي.. وسكن في فندق الرشيد، فهاجمته المقاومة بالصواريخ.. وقتلت كولونيل امريكي.. وفر السيد ولفوتز عبر السلالم إلى مكان آمن.. اما ما قاله في الصباح للحكومة العراقية، فكان انه سيسمح ببعض التسليح بحيث تستطيع الدولة العراقية مقاومة الارهاب.. ولكن لا دبابات، ولا طائرات، ولا اي تسليح قوي..
وهكذا، سيجد السيد العلاوي امامه خيارات صعبة.. فلابد له من السعي لاخراج الامريكان من البلاد ان اراد ان يتقبل الشعب العراقي حكومته، ولكنه حالياً يحتاج لوجودهم لحمايته وحماية الدولة التي يريد تكوينها.
وفي ذات الوقت، يتوقع الناس منه حمايتهم، كما يجدر بالدولة ان تفعل..
وفي نهاية المطاف ، صار هناك تداخل غريب بين بغداد وواشنطن. فلاعادة انتخاب بوش، لابد ان تقل اعداد القتلى والجرحى من الجنود الامريكان في العراق.. ولكي تتحسن اوضاع العراق، لابد من اعادة نظر في الخطة الامريكية بشأن العراق.. وهذا التداخل الغريب، بين من يحتل ومن يخضع للاحتلال، يمكن ان يستغله السيد العلاوي كذلك لمصلحة الشعب العراقي..
المحجوب..



.