شيعتان ومشروعان وأسئلة
حازم صاغيّة الحياة 2004/08/14

أحرز الشيعة العراقيون بسقوط صدام نصراً غير مكتمل. إنتصروا لأن نظاماً استبدادياً وفئوياً سقط، ولم يكتمل انتصارهم لأن الإسقاط أتى به الاحتلال.
أمام واقع كهذا كان لا بد من ظهور شيعتين يجمع بينهما رفض الاحتلال واستكمال النصر، وتفرّق بينهما الطريقة. فشيعة مقتدى الصدر أرادوا استئناف القتال لإخراج المحتل، وشيعة السيستاني وعلاوي والجعفري والآخرين أرادوا قضم المواقع موقعاً موقعاً، بالسياسة من جهة، ومن جهة ببناء أدوات تستطيع تدريجاً ان تحلّ محلّ المحتل. ولئن قلّل مقتدى، بقدرات تحليلية لا يُعتدّ بها كثيراً، من أهمية المعطى الكبير والجديد، أي الوجود الاميركي في العراق، إنتبه الآخرون، او بعضهم، الى المستجدّ الضخم وما يمليه من سلوك معقّد.
لكن الافتراق في الطريقة يستند الى مواصفات أبعد وأعمق. فالمرجعية الدينية التقليدية ومعها القوى والاحزاب التي قاتلت صدام طويلاً، تخاطب جيلاً أكبر سناً وأغنى تجربة، وفئات اجتماعية أقل اقتلاعاً وأعلى في الهرم الاجتماعي. أما جمهور مقتدى، بمواصفاته العمرية والاجتماعية، فحصيلة نقص كامل في التجارب، إن لم يكن نتاج انتفائها.
ما من شك في ان الجمهور هذا ضحية سياسية بعثية مورست، في الاقتصاد والسياسة والثقافة، على مدى ثلث قرن. بيد ان التاريخ يزوّدنا من البراهين ما يكفي للقول ان تحكيم هذا الجمهور، لا سيما قياداته، بالحياة السياسية، كارثة محققة. فالاستبداد لا يجد لازدهاره مصدراً أخصب من الاقتلاع الاجتماعي واليفاعة العمرية والوعي الايديولوجي الضيق المغلق. ومهما كان الاحتلال رديئاً، وهو رديء تعريفاً، لن يمكنه ان يؤذي العراق كما يفعل تحكيم هذه المواصفات بحياة العراقيين السياسية. وهذا حتى لا نقول ان مناطحة هوجاء وبلهاء كهذه لا تفعل غير إطالة أمد الاحتلال وزيادة وحشيته وإضعاف الأصوات التي تحاول، بالسياسة، تقصير ذاك الأمد.
أما في الأهداف البعيدة، فلا يصعب استشراف الفوارق بين مشروعين: واحد يتجه في قتاله المطلق مع المحتل الى رهن مشروعه السياسي بالقوى الاقليمية، وبإيران، في هذه الحال تحديداً، وبفتح أبواب لا تُحصى للإحترابات الأهلية، خصوصاً أن رموز هذا المشروع ما أن يضعوا أيديهم على متر مربع حتى يحيلوه نموذجاً للضيق والتعصب الطاردين للآخر.
وآخر يتجه في اشتباكه السياسي مع المحتل الى تطوير القواسم المشتركة مع أطراف الوطن الواحد، وترسيم حدود الدولة - الأمة العراقية. وهو ترسيم يمر حكماً بإظهار بعض المسافة الفاصلة عن الشيعية الايرانية، فضلاً عن تحرير القضية العراقية من الإلحاق الوظيفي والذيلي بقضايا أخرى.
وقصارى القول ان السؤال: «مع الاحتلال أو ضد الاحتلال» ليس السؤال الصائب، ولا هو، حتى لو أصاب، السؤال الوحيد. فهناك أيضاً: «مع بناء وطن عراقي يستطيع أن يرى النور في آخر نفق ما أم لا؟»، و«مع العقل أم لا؟»، و«مع التنوّر أم لا؟»، و«مع الحرية أم لا؟».
وبالمعنى هذا، فاستكمال الانتصار على صدام يتأتى عن إخراج الاحتلال مصحوباً ببقاء الوطن والعقل والتنوّر والحرية. وهناك وراءنا سيل من التجارب تقول ان السؤال الآحادي كما طُرح من قبل لم يعد على الشعوب العربية إلا بالمصائب. وآخر (؟) هذه المصائب تحول السيد مقتدى الصدر أمل الخلاص الوطني... لاينافسه في ذلك إلا الأخ المناضل أبو مصعب.