معركة النجف.. مخاطر وتداعيات المقاربة العسكرية

نصيف النصيري



شهدت الساحة العراقية خلال الايام الماضية العديد من التطورات الدراماتيكية العاصفة التي القت بظلالها الثقيلة على الواقعين الامني والسياسي، وفتحتها على بوابات المجهول.

فالمعارك الضارية التي شهدتها مدينة النجف الاشرف بين انصار السيد مقتدى الصدر من جهة وقوات الشرطة والحرس الوطني والقوات متعددة الجنسيات من جهة اخرى على خلفية قرار الحكومة المؤقتة بنزع اسلحة المقاتلين واجبارهم على مغادرة المدينة سرعان ما اغرقت المدينة المقدسة بالدم مخلفة وراءها مئات الضحايا عدا الخراب والدمار الذي لحق باحياء المدينة المختلفة وحولها الى مدينة اشباح بعد اضطرار سكانها الى الفرار. نار هذه المعارك سرعان ما انتقلت الى العديد من المحافظات الجنوبية والوسطى اضافة الى بعض الاحياء في العاصمة.

واضافة الى التدهور الأمني الذي لحق بتلك المحافظات والتي كانت تعتبر هادئة ومستقرة، فان الاحتقان السياسي وصل الى مديات غير مسبوقة، ليس فقط بسبب سعة التأييد الذي يحظى به التيار الصدري في تلك المحافظات، وانما ايضاً لأن هذه المعارك قد اضرت بالمدينة المقدسة والحقت الخراب بها، ولم تراع حرمتها ومكانتها العزيزة في قلوب المسلمين العراقيين عامة واتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام خاصة، وهذا ما اثار سخط استياء وغضب مختلف شرائح الشعب العراقي.

ومما عقد الاوضاع اكثر هو رفض الحكومة على لسان وزيري الدفاع والداخلية اي حوار مع انصار السيد مقتدى الصدر واعتبارهم جماعة خارجة عن القانون لا يمكن التعامل الا باستخدام القوة وليس امامها من خيار سوى نزع سلاحها ومغادرة المدينة.

واللافت ان هذه المعارك اندلعت في وقت كانت الجهود تتواصل من قبل ممثل الامم المتحدة لاقناع التيار الصدري بالمشاركة في المؤتمر الوطني وظهور آفاق ايجابية لتلك الاتصالات والتي سرعان ما انتكست بسبب تفجر المعارك.

وهكذا وبدلاً ان تضيف الحكومة الحرص على التهدئة الى رصيدها اذا بها تجد نفسها وبعد اعتماد المقاربة العسكرية - حيال اوضاع شائكة ومعقدة وجبهات جديدة لم تكن قد وضعت حسابات لها.

لاجدال ان ميزان المعركة العسكرية في النجف الاشرف لم يكن لمصلحة انصار السيد مقتدى الصدر لما يتمتع بها الطرق المقابل من دعم عسكري كبير من قبل القوات متعددة الجنسيات، لكن بالمقابل فان اشتعال المواجهات في العديد من المدن ومهاجمة مراكز الشرطة والسيطرة على دوائر الدولة واحراق مقرات حركة الوفاق الوطني التي يتزعمها رئيس الوزراء اياد علاوي وما تلاها من معارك قاسية وقصف ذهب ضحيتها المئات وغالبيتهم من المدنيين، كل ذلك اثار سخط الجماهير في تلك المحافظات ودفعها الى تسيير تظاهرات تطالب باقالة وزيري الدفاع والداخلية ومحافظ النجف والدعوة لايجاد حل سلمي لهذه الازمة.

لقد اثبتت هذه الاحداث ان ما يحدث في مدينة النجف الاشرف هو ترموتر للوضع الشيعي في بقية المحافظات، كما اثبت ايضاً ان رفض لغة الحوار واعتماد الحل العسكري لن يأتي بأي نتيجة لصالح استقرار الاوضاع الامنية.

لاجدال ان وجود ميليشيات او جماعات مسلحة خارج اطار التشكيلات الرسمية تأخذ تنفيذ القوانين على هواها هو مما يعقد الاوضاع الحياتية والامنية ويعدد من مراكز سلطات تنفيذ القانون. وهذه بحد ذاتها مشكلة سياسية قبل ان تكون مشكلة امنية بقدر ما يتعلق الامر بحل هذه الميليشيات ودمجها في الحياة السياسية.

وطبعاً فان ذلك يستدعي حلاً سياسياً، والحل السياسي يأتي عبر طريق واحد هو الحوار والمفاوضات وهذا مالم يحدث، اذ تركزت كافة الجهود السابقة على تثبيت الهدنة وعدم مواصلة الحوار وادى ذلك الى تجميد المشكلة مؤقتاً ثم تفجرها لاحقاً.

ويخطئ من يعتقد ان هذه الازمة تحل بالانتصارات العسكرية من قبل الحكومة لأن ذلك سيعزز القناعات لدى التيار الصدري بان ما يجري هو خطة لاقصائهم وتحجيم ثقلهم وبالتالي فان ذلك سيدفعهم الى اتباع اساليب اكثر خطورة وعنفاً لاثبات وجودهم. وهذا ما قد يحشر الحكومة في زاوية ضيقة ويجعلها اضعف في مواجهة التحدي الامني خصوصاً وان هناك العديد من المناطق التي باتت اليوم خارجة عن سيطرة الحكومة وتخضع لسطوة الجماعات المتطرفة والمقاتلين الاجانب التي تعمل على زعزعة الامن وتنفيذ العمليات الانتحارية فضلاً عن سطوتها القاسية على حياة المواطنين في تلك المناطق.

طبعاً فان ما يحدث في النجف الاشرف من مآس وويلات هو مما يثلج صدور الجماعات الارهابية والمتطرفة التي تتبنى سياسة تكفير وابادة المسلمين الشيعة، وهذا ما يعطيها ايضاً فرصة لاعادة تنظيم صفوفها واعداد العدة لشن هجمات ارهابية جديدة. مادامت قوات الحكومة والقوات متعددة الجنسيات منشغلة بملاحقة وتصفية انصار السيد مقتدى الصدر.

وقد يرى البعض ان معركة النجف الاشرف ليس سوى البداية لحل المعضلة الامنية باسلوب الحسم العسكري، وانه بمجرد حسم هذه المعركة فان الحكومة والقوات متعددة الجنسيات ستنتقل عملياتها العسكرية الى مناطق جديدة لتصفية بقية الجماعات المسلحة والقضاء على خطرها.

لكن بعض المتابعين يرون عكس ذلك فهم يعتقدون ان ما يجري هو تطويع للاغلبية الشيعية وتحجيم دورها في مستقبل العراق السياسي بما يتلائم مع الرؤى الامريكية، وبما يتلائم مع توجهات دول الجوار العربية.

ورغم تباين هذه التصورات وعدم اتضاح الخطط المستقبلية للحكومة المؤقتة في مواجهة المعضلة الامنية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، فان ماهو شبه يقيني ان استمرار هذا التفاقم سيؤثر بشكل مباشر على اعاقة تنفيذ الجداول الزمنية الخاصة بتطور العملية السياسية ومنها اجراء الانتخابات وتشكيل البرلمان وصياغة واقرار الدستور الدائم والانتقال الى الحياة الديمقراطية السليمة القائمة على التداول السلمي للسلطة.

وختاماً فان اخطر ما في المقاربة العسكرية في مواجهة المعضلة الامنية هو الاستخفاف بالحلول السياسية والتعويل على سياسة القبضة الحديدية المعتمدة على القوات الاجنبية فذلك مما يوسع الهوة بين الحكومة وكافة الشرائح الشعبية ومما قد يجرها الى فخ الاستبداد ذلك الشر المستيطر الذي يضع مستقبل العراق على كف عفريت نأمل بكافة جوارحنا الا يحدث ذلك بافساح المجال للحلول السلمية المقبلة من الحوار والاعتراف بحق الجميع في بناء العراق الجديد بدون اقصاء وتهميش.

http://www.idp-baghdad.org/bayan/AL-BAYAN%20News.html