الحيدري: اقتحام الصحن الحيدري الشريف ... حماقة

الرأي العام الكويتية: 19-8- 2004

وصف مصدر في البيت الشيعي، ما يتردد بقوة عن عملية لاقتحام الصحن العلوي الشريف بـ «الحماقة وان كان الاحتمال واردا», واكد محمد الحيدري، القيادي في «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» لـ «الرأي العام»، ان هذا الفعل «سيثير ردود فعل إسلامية وعراقية في اكثر من مدينة».

واعتبر ان كل التجارب السابقة، التي بدأت لحل الأزمات بالأسلوب العسكري وبمشاركة القوات الاميركية «انتهت بإمكانات مفتوحة للحلول الأخرى», وأكد ان «الحل العسكري وحده لا ينفع، لان الوضع لا يمكن ان يبقى على هذه الحال، فكلا الطرفين لا يمكنهما الاستمرار في التأزم بهذا الأسلوب الذي ينذر بالتفجير، والانتظار سيكون عاملا في تحفيز الطرفين على الدخول في التفاوض، وهناك الكثير من الخيرين المشاركين في وساطات التفاوض، بمن فيهم المجلس الاعلى، الذي لم يقطع جهوده في احتواء هذه الازمة»,

وأشار الى ان المجلس «كان دائما يرى انه كان من الضروري عدم استفزاز تيار مقتدى الصدر، وتخفيف الضغط العسكري، واحتواء التصريحات والمشاكل», ورأى الحيدري ان «من الطبيعي ان تصدر تصريحات مثيرة وغير مناسبة لكن كان يجب تغليب العقلانية».

وتابع موضحا دور «المجلس الاعلى» في تهدئة الازمات، مشيرا الى انه ومنذ اليوم الأول ورغم الاختلاف مع تيار الصدر، «جرت لقاءات ومباحثات كثيرة ولا سيما حين برزت الازمات مع هذا التيار»,
وقال: «كان لنا دور في حل هذه الازمات، وخلال الازمة الاولى حصل حوار واتفقنا معه على حل وسط وبعد تدخل السيد مسعود بارزاني بقوة مع (الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق السفير) بول بريمر, وبعد موافقة بريمر على الحل الوسط، ذهب وفد من مجلس الحكم آنذاك للتفاوض مع السيد مقتدى لكنه رفض ما سبق ان وافق عليه معنا».

وعبر عن استغرابه من مفاجأة معالجة الحكومة للوضع الجديد، حتى مع احتمال بدء «جيش المهدي» باستفزاز الشرطة، و«بافتراض صحة ذلك، يمكن احتواء الامر في شكل سريع», واضاف: «اما الذي حدث فقد حدث في شكل مفاجئ، وبتقديري هناك جهتان تقفان خلفه، الاميركيون المنتفعون تماما خلال فترة سنة واربعة أشهر من سيطرتهم على العراق، وهناك إخفاق واضح في التعامل مع الحالة العراقية، رغم ان شعارهم الديموقراطية، والقيام بكل ألافعال حتى يضطروا الى التفاوض، باعتباره الحل الأخير, وهناك أيضا عناصر ضمن التيار الصدري، في شكل عام جلهم من ازلام النظام السابق، يقدمون المشورة في غير مكانها الصحيح، ما ادى الى انفجار الموقف بهذا الشكل».

ويرجح الحيدري ان نتائج كل صراع تستخدم فيه القوة المفرطة ومثال ذلك القصف العشوائي «تؤدي الى اتجاه معاكس، وبينا موقفنا في شكل واضح خلال اللقاءات التي تحصل مع رئيس الوزراء (اياد علاوي) او في البيانات التي أصدرها المجلس الأعلى بهذا الشأن فضلا عن التصريحات الصحافية»,

وردا على سؤال عما يتردد في بعض وسائل الاعلام حول تغييب المرجعية الدينية في النجف الاشرف خلال هذه الازمة، قال الحيدري: «موقف المرجعية واضح، في انسحاب القوات الأجنبية من المدينة، والى الآن المرجعية تقول بعودة ادارة النجف الى الدولة، ولا تريد ان تزج نفسها في الشؤون الإدارية».

ويدلل على عدم صدقية ما يتردد من اخبار حول سفر السيد علي السيستاني الى لندن للعلاج، انه طلب وقبيل حدوث الأزمة بأسبوع، تحديد موعد مع المرجع الديني الاعلى، فأخبر من قبل مكتبه بان الأطباء نصحوا سماحته بالامتناع عن اي مقابلات عامة والراحة التامة,

ويشدد الحيدري على ان هذا الامر حصل قبل أسبوع من الأزمة، «ثم بعد ذلك جاءت الأزمة وتطور وضعه الصحي، ومع تطور الوضع في النجف، نصح بالسفر الى لندن للعلاج»,

ويضيف: «هناك اشاعات تطالعنا بها وسائل الإعلام عن أسباب هذا السفر، وللحقيقة اقول ان للسيد السيستاني موقفه الواضح في الموضوع العراقي، لان بول بريمر حاول عشرات المرات اللقاء به حتى بأسلوب سري ومكتوم عن الصحافة، لكن السيد السيستاني رفض ذلك في شكل قطعي، وهذا الموقف لم يكن موقف السيد السيستاني وحده، بل موقف مشترك لكل كبار المراجع في النجف الاشرف، الذين لم يوافقوا على اللقاء بالسفير بريمر رغم تكرار طلبه، ومنهم الشهيد محمد باقر الحكيم، الذي رفض ذلك ردا على المواقف السيئة للولايات المتحدة بعد احتلالها العراق».

وفي ما يتعلق بموضوع انعقاد المؤتمر الوطني واختيار اعضاء البرلمان الانتقالي، والتصريحات الكثيرة المتناقضة حول «هيمنة» الاحزاب الرئيسية التي شاركت في مؤتمر لندن على مقاعد البرلمان، قال الحيدري: «من الطبيعي في العمل السياسي، ان الوجود للأقوى على الساحة السياسية من خلال العملية الديموقراطية، ولذلك تظهر الاتهامات عن تهميش الأخريين, وسبق لنا ان شهدنا ذلك خلال مؤتمرات المعارضة، في الحديث عن الاستحواذ في المواقع للقوى الكبيرة حين لا يظهر اسم أحدهم في أي موقع».

لكنه يستدرك: «البلد يحتاج الان الى ان يمسك من القوى السياسية المؤهلة لاستيعاب الآخرين واحتضانهم، من اجل تقليل احتمالات انزلاقه نحو الفوضى, ومن هذا المنطلق، تبلورت المواقف في مجلس الحكم، والان المجلس الوطني الموقت يراد بتشكيله الا يكون في تركيبته وحركته مشاكسا للحكومة وان كان معارضا لها في بعض سياساتها، لان المعارضة شيء والمشاكسة شيء اخر, ومن هنا يتطلب بروز دور القوى السياسية الرئيسية»,

والجانب الآخر في وجهة نظر الحيدري لطبيعية العملية السياسية في المؤتمر الوطني «شعور بعض القوى بان القوى الكبيرة تريد الاستحواذ على المواقع الرسمية», وتساءل «هل يستطيع احد تهميش الاكراد بقواهم السياسية المعروفة؟» ويجيب على تساؤله: «كلا، لكن ينبغي ان تكبر القوى الكبرى اكثر بإعطاء القوى الأخرى مواقع في العملية السياسية، لان الوضع الان مرشح للتفجر بسبب هذه الحساسية، فالمؤتمر الوطني يمكن أن يفجر قنابل او يطفئ حرائق، ويقضي على مشاكل، في اختيار البرلمان الانتقالي الذي سيجعل العراقيين على معرفة بان هناك من يحاسب الدولة ومن المهم الرجوع إليه في حل المشاكل»,

وعن المهمات التي يمكن ان يتكفل بها البرلمان الانتقالي المقبل، وجد الحيدري إمكانية ان تكون بعض مهماته «المصارحة والمصالحة، وان لم يكن الدور الملزم لهذا المجلس، وقدر المستطاع يمكن للبرلمان الانتقالي، التحرك باعتباره سلطة شعبية لا علاقة لها بالحكومة، ولاسيما في هذه المرحلة قبل الانتخابات العامة»، مفضلا ان «يظهر موقف شجاع وواضح من القوى السياسية، ينظر الى ان عددا غير قليل من البعثيين ممن لم تتلوث ايديهم بدماء العراقيين، ولم يرتكبوا اية جرائم، بل كان انتماؤهم للبعث حالة وظيفية للوصول الى المناصب او الحصول على الامتيازات الوظيفية».
وقال: «نحن نعرف طريقة النظام السابق في إجبار الناس على الانتماء للحزب، وهذه التصورات بحاجة الى بيان واضح يمكن ان يصدر بالتشاور مع القوى السياسية الأخرى لاشراك هؤلاء البعثيين في العملية السياسية من دون دفعهم الى الجانب الأخر بالضد من العملية السياسية».